الرئيسية / ثقافة وادب / استشراف لمجموعة “نوبات شعرية” للدكتور صالح الطائي

استشراف لمجموعة “نوبات شعرية” للدكتور صالح الطائي

السيمر / الثلاثاء 02 . 01 . 2017

د . رحيم الغرباوي

إنَّ الشعرَ دنيا طافحةٌ بالشعور الإنساني , وكلٌّ منَّا يخالجه وجدانه إزاء تأثير محيطه به , فيعبِّر عن تأثرهِ بجملة , أو فعل , أو قول قصيدة , لكنَّ هذه القصيدة لابدَّ أنْ يقولها مَن له قدرة على فن القول ؛ كي تسجَّل في صحيفة أدبه بعدما يشحنها بإحساسه وقدراته الفطرية والمكتسبة في آنٍ , إذ يرى هيغل في كتابه ظاهريات الروح “أنَّ الذات عندما تدرك نفسها جيداً فإنَّها تتعالى وتصبح إلهية وجميلة, والوعي يعمل على أنْ تدرك الذات نفسها , إنَّه يعمل على رقيها وتفردها ؛ ولذلك تنفرد ذات الشاعر بالنظر إلى جمالها لا باعتبارها فردية بل باعتبارها ذاتاً إنسانية متعالية , قادرة على العلو والتكامل … وهكذا يشيع الجمال باعتباره ابتكاراً من ابتكارات الذات الواعية التي هي ذات الشاعر”, وأنَّ حقيقة الشعر هي ترجمة صادقة لتجربة حمَّلت صاحبها أن يبوح ردود أفعاله تجاهها .
وحين نقرأ مجموعة الباحث الإسلامي الدكتور صالح الطائي نجده متأثراً كثيراً بالأحداث التي دهمت بلدنا العراق , فنراه يجيب عنها بردود فعله وقناعاته التي حددتها مسيرة حياته , وقناعة معتقده تجاه الواجب الديني وواجبه الوطني , وإن كانت أغلب قصائده تسودها التقريرية إلا أنَّها عبَّرت عن شعوره الداخلي الصادق تجاه وطنه , ومجتمعه , وذاته .
وقد قسَّم شاعرنا مجموعته الشعرية على ثلاث صفحات , الصفحة الأولى حملت الوطن بقوته على الرغم من جراحه والمخاطر التي دهمته وهو الابن البار الذي يذود بلسانه , فيشجّع الأبناء للدفاع عنه ويمقت الأعداء ويوبِّخ الحكَّام الفاسدين الذين ما ارعووا , ولا استكانوا ؛ كونهم بمثابة الوجه الآخر لمن شهر السلاح بوجه الوطن , وبات ينخر بجسده الطاهر , أما الصفحة الثانية فهي قصائده الاجتماعية التي تناول فيها المدينة التي آوته بعدما طورد من قبل عصابات الرذيلة والبغي , كما تناول موضوعات اجتماعية وإخوانية , أما الصفحة الثالثة ، فكانت قصائد غرام متنوعة منها : للوطن وللأهل والحبيبة , بثَّ فيها لواعج اشتياقه وحسرته وتصالحه مع ذاته في بعض قصائده .
فنراه ينظم لوطنه قوله :
سلامٌ على أرض العراق
وأهلهِ
ودجلتيه
والشجرِ ,
يرقى بزهوك
كل من عرقتْ أصائله
وطاف حول صرحك
واعتمرْ .
يا أيُّها الملآن كبراً
أيُّها البيت الأغرْ
لازال أهلوك الكرام
يدفعون الضرَّ عنك
ولا فخرْ .
أنتَ العراق
وفيكَ
أغلى مُستَقَرْ .
فنراه يلقي التحية والسلام للوطن الذي باتت تنهش في جسده عسلان الفلوات, ويمزِّق أحشائه شُذَّاذُ الآفاق , لكنَّه يرى الوطن شامخاً عزيزاً بأبنائه المخلصين الذين ما انفكوا يدافعون عنه ؛ كونه البيت الجميل الذي يعتمر حوله أبناؤه لقدسيته التي شرَّف الله أرضه بالعتبات المقدسة , ولتاريخه العريق الذي بنيت عليها أقدم الحضارات وأرقاها .
ومن قصائده الاجتماعية، وهي بعنوان تجيء كأنَّك، ومهداة إلى أحدهم, قوله:
إلى أحدهم
تجيء كأنَّك طيفٌ يقضّ العيون
إذا ما الكرى قاد للمضجعِ
وكأساً دهاقاً ربيب السموم
إنْ شَكتْ جورها نفسي
للأضلعِ .
تجيء شموساً تقود العصور
تشقّ حناياي
كالمبضعِ ،
تؤججُ ناراً بها خافقي
وتطفئ ناراً
فلم تَلسعِ
رشفتَ فتيَّاً رحيق الجراح
ومن عهدِ نوح
لمْ تشبعِ .
نرى شاعرنا الطائي يخاطب صديقه بلوعة واحتراق, وهو يعاتبه على الرغم من كلِّ المواقف الطيبة المُستحسنة التي بدرت من شاعرنا , إلا أنَّ موقف الصديق كان مؤلما… , وهذا ما جعل الشاعر ينظم القصيدة بألمٍ واضح , جسَّدها بحرف رويه (العين) الذي يدل على اللوعة والمرارة إزاء ذلك الموقف.
أما ما قاله في الحبيبة في صفحته الثالثة, وهو يطلب منها عدم الرحيل:
أترحلين بعد فيضِ السنين؟
بعد أنْ ضاعَ عمري على مقلتيكِ,
وسفحتُ عمراً بهيَّاً على شفتيكِ
بعد أنْ كنتُ كلِّي إليكِ …
إليك عني,
لا تزيدي همومي!
من قال إنِّي أطيق فراقاً
فأنا من أفنيتُ عمري
في وداعِ المخلصين
عبر السنين!
فهو يخالج نزعات الألم أثر نبأه فراق الحبيبة ورحيلها من عالمه الأثير الذي قضاه معها بأجمل ساعات, استشعرها عبر مسيرة حياته ؛ وهنا يقف وكأنَّ عجلة الزمن قد توقَّفت بهذه اللحظة الفاجعة بالنسبة لشاعرنا الطائي .
إنَّ تهجّدات شاعرنا, وبوحه تجاه مجريات الأحداث التي مرَّ بها يجعلنا نتيقن أنَّ شعره من صلب المجتمع ؛ لذا جاءت قصائده مباشرةً وكأنه يريد أنْ يبرق رسائله وتجاربه إلى قرَّائه, كما هو بحثه العلمي في مؤلفاته الكثيرة, إذ تلامس أشعارَه قلوبهم؛ لما فيها من شعور صادق تجاه نفسه والوطن والمحيط من حوله.
نتمنى للطائي التوفيق في التعبير عن نوباته الشعرية التي حقَّق بها جهداً مباركاً يضاف إلى مكتبتنا الأدبية.

اترك تعليقاً