الرئيسية / دراسات ادبية وعلمية / مجيد الموسوي.. والمباغتات الدائمة

مجيد الموسوي.. والمباغتات الدائمة

السيمر / الثلاثاء 13 . 02 . 2018

جاسم العايف

يتوقف (مجيد الموسوي) في “نجم آخر هناك” طويلاً أمام الزائر الأخير، ويتوقع مباغتته دائماً، بـ “الموت – الفناء”، المهيمنة واضحة المعالم، في كل

مجموعاته الشعرية ، والفناء ، بالنسبة له، ليس محاولة لإلغاء الذات، بل الخوف على الذات من الانقراض الأشد قسوة، والتصدي الذي يعمد إليه – الموسوي – ، يتجسد عبر طرائق عدة، منها: استعادة الغائبين، والأمكنة المنقرضة، و يعقد معها علاقات متجاورة تنحصر بين المتخيل والواقع الفظ.
**
لحظة الأبد
ثمة ترابط لمهيمنات أخرى، في شعره ، فهو قد توقف طويلاً عندها وتحرى فيها ليصل بعدها إلى مخاطباته هو لا مخاطبات غيره. الموسوي خاطب العشب وأشياء أخرى، عبر ، تصوراته وواقعه المعاش، لنكتشف بعدها انه نهض بألقٍ، وحمل ثقيل. وهو شعرياً يمسك باللحظة المعاشة باعتبارها لحظة الأبد مع انه يعي، إن (الآن) يتحول إلى ماضٍ، وأنه لهذا الشأن يرتقي باللحظة الزائلة نحو الأبدية من خلال الشعر ، كون الشاعر وهو يجلس على نهاية الحواف، فأنه يبصر الهاوية الفاجعة التي تحيطه ومعه الإنسان، المنتهك، ويعمل على تجاوز ذلكَ، بإعادة اكتشاف الأشياء.ما أكثر المراثي التي كتبها (الموسوي) للراحلين ، والأشياء الزائلة التي سعى إلى الإمساك بها شعرياً، في محاولة لإملاء النقص الحاصل في الحياة، تلك المراثي تسعى إلى القبض على اللحظة التي تتبدد ومعها تتسرب الحياة، وبذا فأنه لا يقف شاهداً سلبياً على ما يحدث من انتهاكات فظة تجاه الإنسان.ومن خلال شعره نتلمس القصيدة بصفتها حالة غامضة من الغياب – الحضور ، الحلم – اليقظة، التذكر – النسيان، حالة من احتدام الروح يغدو فيها الإمساك بالبدء أو المنتهى أقرب إلى المستحيل. القصيدة لديه تريد أن تقول شيئاً، أن تبوح بسر ، برؤيا، بحلم مدهش، شيء من السحر يؤجج الأعماق، إنها أشواق متحدة بالأقاصي، ونشوة شاملة تتلبس الروح، ومن هنا يصبح تحديد بدء القصيدة شاقاً وعسيراً لديه. ثمة محفزات توقظ فيه الحنين إلى عالم الغرابة والمجهول والرؤى، ترنيمة بلبل، وجه عابر، أغنية، فتاة ناحلة محبطة، كلمة في الريح، مشهد ما،هكذا تتفجّر المصادفة أو المفارقة أو اللوعة الخفية، فيندفع للقول، محاولاً الإيغال في العالم، والإمساك بشيء من لهبه ونشوته، من شذاه وغبطته، و جنونه وفوضاه، وعندئذ تبدأ القصيدة.
***
مواجهة العالم بالشعر
( الموسوي)، في “نجم آخر هناك”، من الشعراء الذين يواجهون الواقع الضاري، عبر “أنا” خلّاقة وغير منغلقة على ذاتها:
“إني أرى الآنَ الذي يجري
وفي روحي وخز موحشٌ مشتعل كالجمر
ما بين زمانين:
زمان البدو مقذوفين في عاصفة التيه
وهذا الزمن العاصف بالموج الخرافيّ وبالنار
أراني هائماً بين السماوات
وحيداً حائراً مرتبكاً بين مجرات من الظلمة والنور
ترى هل ينتهي الوهم الذي يغمرني الآن
واستوثق ما تاه من الخطو”؟.
ثمة ميل في توجهه ، إلى رصد الواقع وضراوته وإصرار على عدم التصالح معه، من خلال تساؤلات متواصلة، ومواجهة العالم الصلد بالشعر الذي يتميز غالباً بالبحث والتأمل والأسئلة التي لا حد لها،عالم (الموسوي) الشعري يفتح أفقاً واسعاً للواقع الذي يحدق إليه بتمعن ، وعبر الشعر يفتح الباب واسعاً للغياب والإيغال في التيه القادم من الواقع – الغرائبي – الراهن ذاته.

مجيد الموسوي

اترك تعليقاً