السيمر / فيينا / الجمعة 17 . 07 . 2020 —- تبدو شخصية الزعيم الجديد للطريقة القادرية الكسنزانية في العراق والعالم الشيخ نهرو محمد الكسنزاني مثيرة للاهتمام وغريبة الأطوار، فهو شخصية سياسية طموحة ورجل أعمال، وورث زعامة هذه الجماعة الدينية عن والده محمد عبد الكريم الكسنزاني الذي توفي يوم 4 يوليو/تموز الحالي في الولايات المتحدة.
ويحمل الشيخ نهرو المولود في 1969 بمحافظة كركوك شمالي العراق، شهادة الدكتوراه في التاريخ وشهادة أكاديمية في علوم اللغة الإنجليزية من المملكة المتحدة وأخرى في علوم الحاسبات من كلية المنصور الجامعة في بغداد.
ولم تمض إلا ساعات قليلة على مبايعته من قبل أتباعه حتى تعرّض الخليفة الجديد لسيلٍ من الاتهامات والانتقادات اللاذعة، منها ضلوعه في التخابر والتجسس لصالح وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه” (CIA)، فضلا عن ملفات فساد تلاحقه في العراق.
أتباع الطريقة الكسنزانية أثناء تشييع زعيمهم محمد عبد الكريم الكسنزاني الذي رحل هذا الشهر (الجزيرة)
نسبه ونشاطه السياسي
ينتسب الكسنزاني لعائلة ذات خلفية دينية صوفية، وهو كردي عراقي ينتسب للعائلة الحسينية النسب وطريقته الصوفية القادرية، يؤمن بفصل الدين عن الدولة.
وتقلد الشيخ الكسنزاني مناصب عدة منها رئيس تحالف الوحدة الوطنية، والأمين العام لتجمع الوحدة الوطنية العراقي، ورئيس مجلس أمناء كلية الشيخ محمد الكسنزاني الجامعة، ورئيس المركز العالمي للتصوف والدراسات الروحية.
وله العديد من المؤلفات في مجال الفكر والسياسة من أبرزها “تجمع الوحدة الوطنية العراقي.. المسيرة النضالية وآفاق المستقبل” و”عناقيد الرؤى” و”تظاهرات سلمية وحقوق مشروعة”، إضافةً إلى العشرات من المقالات والدراسات المنشورة في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
مناهض لطهران
وفي تقرير سابق لها، ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تطابق رؤى الشيخ نهرو مع السياسة الأميركية المناهضة لإيران وسياستها في المنطقة، مؤكدة أنه بعث رسالة في يوليو/تموز 2018 إلى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جون بولتون ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يؤكد فيها ضرورة تحقيق الهدف المشترك في إضعاف النظام الديني في إيران والقضاء على هيمنته في المنطقة.
وبعد 4 أشهر من ذلك، جاء الكسنزاني إلى واشنطن وقضى في فندق ترامب 26 يوما في جناح خاص على الطابق الثامن، وتكلفة هذه الزيارة قدرت بعشرات آلاف الدولارات، وهذه الزيارة هي الأطول لشخصيات مهمة في الولايات المتحدة لعام 2018.
وأجرت الصحيفة الأميركية مقابلة مع الكسنزاني في مقر إقامته في العاصمة الأردنية عمان، حيث قال إن اختيار فندق ترامب لم يكن بسبب أي ضغوط، وإنه جاء إلى واشنطن لتلقي العلاج الطبي في مؤسسة جونز هوبكنز الطبية في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأميركية.
وعمل الشيخ نهرو -حسب الصحيفة- خلال فترة التحضير للغزو الأميركي على العراق عام 2003 مخبرا لوكالة سي آي إيه.
ويمتلك الشيخ نهرو، إضافةً إلى توجهاته الدينية، طموحا واسعا في مجال السياسة والتجارة، فهو يحلم بالوصول إلى رئاسة العراق، فضلا عن امتلاكه مجموعة شركات خدمات أمنية، وخدمات حقول نفطية وإنشائية افتتحها في أميركا، وفي إصراره على العمل التجاري مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقول مبررا ذلك “نحن نبحث عن فرص”، وفقا للتقرير.
كما عُرف عن الشيخ نهرو تعدد زوجاته، ومنها زواجه من الممثلة السورية نورمان أسعد عام 2007 وإنجابه منها ابنا وثلاث بنات.
ملف الفساد
وما يمكن اعتباره المكسب الكبير للعائلة وللشيخ نهرو على وجه الخصوص هو ما تحقق عام 2014 عند ترشيح أخيه ميلاس محمد عبد الكريم لوزارة التجارة العراقية، لكن أمر إلقاء قبض على الأخوين صدر بعد عام من ذلك بتهمة تلقي الرشاوى في عقود شراء الأرز للحصة التموينية. وقد نفى الشيخ نهرو هذه التهم، وقال إن دوافعها سياسية.
ورغم كل تلك الملاحظات والانتقادات التي وجّهت للشيخ الجديد، فإنه سيبقى القدوة الحسنة لأتباعه ومريديه، وما عليهم إلا مبايعته وطاعته لأن مخالفتهم له سيدخلهم جهنم ويبعدهم عن الجنة، كما يقول الأكاديمي والباحث الإسلامي سوران سيواكاني.
وعن سؤال للجزيرة نت حول احتمال تحويل الطريقة الكسنزانية من أيديولوجية دينية إلى توجه أو تجمع سياسي بعد مبايعة الرئيس الجديد ذي الخلفية السياسية والتجارية، استبعد سيواكاني هذا التوجه رغم تداخل المصالح السياسية والشخصية والتجارية التي يتمتع بها الشيخ نهرو.
ويرى مريدو الطريقة الكسنزانية -حسب سيواكاني- الحق الإلهي في شيخهم وصاحب الغيب الأعلم بمصالحهم أكثر من غيره ولا يحق لأحد انتقاده أو التقليل من شأنه أو مكانته الاجتماعية والدينية، وهنا يكمن الفرق الكبير بين الأحزاب السياسية والطريقة الكسنزانية الصوفية، بالإضافة إلى أصولهما وطريقة تفكيرهما.
التاوكوزي يرى أن أي شخصية سياسية لا تصلح أن تقود طريقة صوفية (الجزيرة)
المعترك السياسي
ويرى الكاتب في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور سالار التاوكوزي في حديث للجزيرة نت أن أي شخصية سياسية لا تصلح أن تقود طريقة صوفية، لأن المهتمين بالسياسة أناس دنيويون، وهم أقرب إلى عالم المادة وليس العالم المعنوي أو الروحي، معربا عن أمله بأن يترك الشيخ نهرو عالم السياسة والتجارة ويتجه صوب العالم الروحي رويدا رويدا.
وسيخدم المنصب الديني المصالح الشخصية للشيخ نهرو خصوصا وأن له باعا طويلا في عالم التجارة والسياسة، كما يفيد الدين والمنهج الصوفي، بحسب التاوكوزي.
ورأى أن اختيار أي خليفة لطريقة صوفية يجب أن يكون على أساس الورع والتقوى، وأن يشهد علماء دين ومتصوفة كبار أن هذا الرجل صالح لهذا المنصب الروحي، كما يجب أن يكون الشخص المختار عالما في علمي الظاهر والباطن، فالمقصود بعلم الظاهر هو الشرع، أما علم الباطن فهو علم الطريقة وعلم التصوف وعلم السلوك وعلم الأسرار.
وفيما يتعلق بشبهات الفساد والارتباطات الخارجية للشيخ نهرو، فهي تحتاج إلى أدلة ملموسة وشهود، لكن يتوقع أن يوظف الطريقة القادرية الكسنزانية لخدمة أجندات خارجية، كما يقول التاوكوزي.
وأضاف أن التاريخ أثبت أن السياسة والتجارة والأجندات الخارجية انتفعت من الطرق الصوفية والجماعات الدينية والعكس صحيح، لافتا إلى أن طريقة الشيخ نهرو الصوفية خدمت بالناس ماديا ومعنويا ولا سيما مريديها في العراق خصوصا وفي العالم عموما.