السيمر / فيينا / الاثنين 03 . 08 . 2020 —- كتب الأستاذ ادريس حسن فى عدد الأيام بتاريخ 1 أبريل 1987 :
“لا تحفروا لى قبرا
سأرقد فى كل شبر من الأرض
أرقد كالماء فى جسد النيل
أرقد كالشمس فى حقول بلادى
فمثلى لا سكن قبرا… ”
(الفيتورى)
“قادتنى الصدفة ، والصدفة وحدها لحضور أخطر محاكمة جرت خلال تلك الأحداث (انقلاب الرائد هاشم العطا) وهى محاكمة الأستاذ عبدالخالق محجوب الأمين العام للحزب الشيوعى السودانى آنذاك. وقد اتصل بى فى صباح ذلك اليوم عن طريق الهاتف بمنزلى الأستاذ فؤاد مطر ، رئيس تحرير مجلة التضامن التى تصدر الآن من لندن . وكان وقتها يعمل رئيسا لقسم الشئون العربية بمجلة “النهار” البيروتية . وقد كنت مراسلا لها فى الخرطوم . وذهبت للأستاذ فؤاد مطر حيث كان ينزل بالفندق الكبير . وقد جاء خصيصا لتغطية الأحداث ذات الأصداء الواسعة فى العالم . وقد صاحب اهتمام العالم بأحداث السودان نقد عنيف فى تعليقات الصحافة والاذاعات العالمية ، بل واحتجاجات من بعض الهيئات العالمية على الاعدامات والطريقة التى تمت بها بالنسبة لقادة الانقلاب وقادة الحزب الشيوعى السودانى ، وعلى رأسهم حتى تلك اللحظة المرحوم الشفيع أحمد الشيخ الذى كان معروفا فى كثير من الدوائر العالمية بوصفه أحد قادة الحركة النقابية العالمية .
وجلست فى أحد أركان الفندق أتحدث مع الأستاذ فؤاد مطر.. وفجأة بدأت فى المكان حركة غير عادية . اذ أخذ رجال الاعلام والصحافة العالمية يحملون معداتهم ويهرولون خارج الفندق ويجمعون حول عدد من العربات الحكومية .. وعندما استفسرت عن حقيقة الأمر ، قيل أنه سمح للصحفيين الأجانب فقط بحضور محاكمة عبدالخالق محجوب . والتى أعلن أنها ستكون ميدانية اسوة بالمحاكمات الأخرى التى تمت من قبل.. كان أغلب ظنى بعد تحرك العربات بنا ، أن الضباط الذين كانوا يشرفون على عملية ترحيل الصحفيين الأجانب ، اعتقدوا أننى وزميل المصور (بشير فوكاف) موظفان من موظفى وزارة الاعلام ، والا لما سمحوا لنا بالذهاب خاصة بعد أن تعرضنا بعد انتهاء المحاكمة الى مصادرة أوراقنا والأفلام التى التقطها فوكاف .
مع عبدالخالق وجها لوجه:
تحركت بنا العربات من الفندق الكبير متجهة من شارع النيل الى شارع الحرية، فى اتجاه الجنوب على طريق الشجرة ، وكان الطريق حتى منطقة الشجرة محطما تماما بسبب ما أحدثته الدبابات حتى بات كالأرض المحروثة لكثرة مالحق به من أخاديد.. وبعد مسافة ثلث ساعة وجدنا أنفسنا أمام مقر قيادة سلاح المدرعات بالشجرة . وبعد التأكد من هوية الضباط المرافقين لنا سمح جنود الحراسة للعربات ومن فيها بالدخول الى مقر القيادة ، حيث تجرى المحاكمة . كل المحاكمات جرت هنا وكل أحكام الاعدام رميا بالرصاص بالنسبة للعسكريين نفذت هنا ، كما علمنا فيما بعد.
أدخلونا أحد المكاتب وكان يجلس فيه ضابط برتبة عقيد ، فتلى علينا تعليمات مفادها عدم التحدث الى المتهمين . وكانت تنعقد فى ذلك المكان محاكمات أخرى غير محاكمة عبدالخالق محجوب . وأذكر أننى كنت أول الخارجين من ذلك المكتب ، فأذا بى أفاجأ بالسيد عبدالخالق محجوب وجها لوجه . وعقدت الدهشة لسانى وأضطربت اضطرابا شديدا لأم أستطع أن أحييه الا باشارة من يدى رد علي بمثلها . كان بادى الارهاق والتعب حتى خيل لى أنه مريض . وكان يرتدى جلبابا أبيضا ولكنه متسخ ‘ مع حذاء أبيض أكثر اتساخا . وكان واضحا أنه لم يتمكن من حلاقة ذقنه لبضعة أيام . وكانت عيناه محمرتين ، كأنه لم يذق طعم النوم دهرا كامل . وقطع على هذا المشهد السريع ، القاسى أحد الضباط الذى اقتاد السيد عبدالخالق ، واختفى به من المكان تماما لمدة تزيد عن الساعة . كنا خلالها ننتظر فى قاعة المحكمة التى تم اعدادها فى احدى ورش سلاح المدرعات . بدأ رجال الصحافة والاعلام الأجانب فى تجهيز معداتهم وكاميرات التصوير مختلفة الأنواع وآلات التسجيل. كان المكان أشبه بخلية النحل من شدة الحركة . ثم زاد المكان حركة وضجيجا عندما دخل عبدالخالق محجوب قاعة المحكمة مع حراسه و (صديق المتهم) العميد محمود عبدالرحمن الفكى ، الذى اختير حسب النظم العسكرية التى تقضى بأن يكون للمتهمين الذين يمثلون أمامها أصدقاء لهم يعاونونهم فى الدفاع عن أنفسهم .
دخل عبد الخالق محجوب المكان وأنطلقت الكاميرات هنا وهناك تصوره . وكان قد القى التحية للحاضرين عند دخوله القاعة . وتبادل التحايا الخاصة مع أحد الصحفيين الأجانب الذين يعرفونه باسمه . بل أن السيد أريك رولو وهو مراسل “ليموند” الفرنسيه قد شد على يده مصافحا . كان مظهر عبدالخالق قد تغير تماما عما بدا عليه فى المرة الأولى . كان حليق الذقن ، بادى الحيوية والاطمئنان ، وعلى وجههه لمعة واشراق . كان يرتدى جبة افريقية أنيقة للغاية (سمنية اللون) ، وينتعل حذاءا بنيا لامعا يكاد أن يكون قد تسلمه من المصنع لحظتها . وكان يحمل فى يده اليسرى بعض علب السجائرالبنسون. جلس فى المكان المخصص له فى المحكمة ، على مقعد خشبى أمام طاولة صغيرة وجلس بجانبه صديق المتهم ، ووقف خلفه حراسه المخصصون . وخيم على المكان صمت شديد بعد أن هدأت حركة الآلات . لم يقطعه الا صوت أحد الجنود الذى فتح الباب فى جلبة وضوضاء صائحا بالجملة التقليدية ..محكمة !
أشبه بفرسان الأساطير:
انتظمت هيئة المحكمة وكانت برئاسة العميد أحمد محمد الحسن وعضوية عدد من الضباط من بينهم المقدم منير حمد ثم شرع رئيس المحكمة فى توجيه قائمة الاتهامات الوجهة الى عبد الخالق محجوب وهى تتلخص فى شن الحرب على الحكومة ، احداث تمرد فى القوات المسلحة، ادارة تنظيم محظور، التسبب فى مقتل عدد من ضباط وجنود القوات المسلحة . وقد أجاب عبدالخالق على كل تلك التهم بأنه غير مذنب . بعد ذلك طلب رئيس المحكمة من ممثل الاتهام العقيد عبدالوهاب البكرى أن يتلو مرافعته . وكانت خطبة منبرية قاسية الكلمات . وصف فيها عبدالخالق محجوب بالدكتاتور المتسلط الذى أعمته شهوة الحكم عن كل شىء سواها ، وحمله نتيجة كل ما حدث من مآسى . وكانت الخطبة متأثرة بالجو الذى كان سائدا . بعد ذلك أتيح لعبدالخالق وكان منظره مهيبا مثيرا أشبه بفرسان الأساطير القديمة . بدأ حديثه وصوته هادئا صافيا ، فنفى التهمة الأولى المتعلقة بشن الحرب على الحكومة ، وقال أنه لايملك أدوات تلك الحرب ، لا هو ولا التنظيم الذى يتولى قيادته . وسرد فى هذا المضمون حديثا طويلا عن طبيعة الفكر الماركسى ، قاطعه خلاله رئيس المحكمة أكثر من مرة بلهجة مصرية صارمة بقوله (هذا الكلام لايفيدك) . ثم تطرق عبدالخالق محجوب للاتهام الذى يله وهو احداث تمرد فى القوات المسلحة _ قال عبدالخالق أن حزبه ضد الانقلابات العسكرية وأن موقف الفكر الماركسى من هذا واضح ، وسبيله للتغيير هو الثورة الشعبية .. ,قال أنه وحزبه كانوا ضد انقلاب 25 مايو قبل حدوثه ، وأنهم تعاملوا معه بعد ذلك كأمر واقع مع تبنى أغلب شعاراتهم وعن عدم مشروعية الحزب الشيوعى ، قال ان مايو عندما تولت السلطة حظرت جميع الأحزاب ما عدا الحزب الشيوعى . بل على العكس أنها طلبت التعاون معه واختارت عددا من وزراء فى حكومتها بصفتهم الحزبية . وقال ان مايو كانت فى بدايتها تعمد فى مسارها اليومى على (مانفستو) يعده الحزب الشيوعى . وقال انه عندما حدث الخلاف على بعض المسائل الجوهرية بين مايو والحزب لشيوعى كانت هنالك لقاءات وحوارات بين ممثلى الطرفين. اشترك فيها من جانب الحزب الشيوعى الشهيد الشفيع أحمد الشيخ ومحمد ابراهيم نقد ومن جانب مايو الرئدان أبوالقاسم محمد ابراهيم ومامون عوض أبوزيد عضوا مجلس الثورة . وقال أن السيد بابكر عوض الله نائب رئيس مجلس الثورة كان يحرر بعض هذه الاجتماعات وأضاف متسائلا كيف يمكن أن يكون الحزب الشيوعى محظورا والسلطة على أعلى مستوياتها تتعامل معه . وطلب شهادة أعضاء مجلس الثورة الذين ذكر أسماءهم . ولكن رئيس المحكمة رفض طلبه .
أما فيما يتعلق بمقتل بعض الضباط والجنود فأن الأمر يبدو متعلقا آنذاك فى بيت الضيافة ، وقال أن ذلك الحدث معروف ومعلوم ولا دخل لنا فيه . وقال أن كل مافى الأمر أنها تهمة يريدون الصاقها بنا للقضاء علينا . وقال أن كل مايعلمه عن انقلاب 19 يوليو هو أن الشفيع أحمد الشيخ كان قد أخبره بعد هروبه من معتقله أن بعض الاخوان (يقصد الضباط الشيوعيين – ادريس) نقلوا للشفيع بأنهم يدبرون لاحداث انقلاب ، وقال أنه لم يعلم من هم أولئك العسكريين و لا متى سيتم الانقلاب . بل أنه لم يعر الأمر برمته اهتماما لأن الجو كان مشحونا بالشائعات والتوتر. ولأن نظام مايو كان قد دخل فى خصومات كثيرة مع قوى سياسية متعددة . وقال أنه لم يعلم بالانقلاب الا بعد حدوثه . وأنهم تعاملوا معه بعد ذلك ليجنبوا البلاد المشاكل . ونفى أن يكون للحزب الشيوعى كادر عسكرى داخل القوات المسلحة . وقال أن هاشم العطا وبابكر وفاروق حمدالله ليسوا أعضاء فى الحزب الشيوعى (ذكر عبدالخالق حسب روايات أخرى من داخل قاعة المحكمة أن هاشم وبابكر أعضاء فى الحزب الشيوعى وأن فاروق ليس عضوا ولكنه متعاطف معهم – المحرر) .
تأجيل وكتمان وسرية :
وبعد هذا الحديث أعلن رئيس المحكمة تأجيل الجلسة بعض الوقت وكانت قد استغرقت أكثر من أربع ساعات . وقد أخطر الصحفيين الأجانب أن المحكمة قد انتهت بالنسبة لهم . وأن الجلسة التالية ستكون سرية وكان فى تقديرى أن الغرض من احضارهم لمحاكمة عبدالخالق بالذات يعود الى أهمية شخصية عبدالخالق نفسه والى أهمية الحزب الشيوعى السودانى بحسبانه أكبر حزب شيوعى فى المنطقة . هذا بالاضافة الى ما صدر من تعليقات فى وسائل الاعلام العالمية حول المحاكمات وتننفيذ أحكام الاعدام ووصفهم للنظام بالهمجية ، لهذا أراد القائمون على أمر النظام أن يظهروا ما هو جارى وكأنه أمر عادى . فيه قانون ومحاكم وعدالة.
بدأت الجلسة السرية للمحاكمة فى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر . وكانت عبارة عن اعادة استجواب من المحكمة لعبدالخالق محجوب ومناقشة أقواله ، فمثلا قال رئيس المحكمة الذى كان يتحدث مع عبدالخالق أما الآخرون من أعضاء المحكمة كان يبدوعليهم ومأن الأمر لا يعنيهم . قال رئيس المحكمة يا عبدالخالق انت اذا ما دبرت الانقلاب . كيف هربت من المعتقل وبهذه الكيفية وبمثل هذا التوقيت المطابق تماما لتوقيت الانقلاب . وأردف قائلا ام الذى يستطيع الهروب بتلك الطريقة من معتقل داخل القوات المسلحة يستطيع أن ينظم انقلابا . رد عبدالخالق ، لقد خشيت على حياتى من الموت لأنه وأثناء وجودى فى المعتقل سمعت معلومات منها أنهم يدبرون لاغتيالى بعد اذاعة نبأ عن هروبى من المعتقل . قال رئيس المحكمة : فسر لنا يا عبدالخالق لماذا تم الانقلاب بعد هروبك مباشرة . أليس الذين دبروا هروبك من المعتقل هم نفسهم الذين قاموا بالانقلاب .
وقال عبد الخالق أننى وكما ذكرت أن ليس للحزب الشيوعى أى كوادر داخل الجيش ، وأن الأمر كله لا يعدو أن يكون صدفة خاصة وأن أى شىء كان متوقع الحدوث .
قال رئيس المحكمة ، فيما اختلفتم مع الثورة؟
رد عبد الخالق قائلا حول السياسات التى كانت تمارسها . قال رئيس المحكمة : مثلا . قال عبدالخالق ضربة الجزيرة أبا والقرارت الاقتصادية الخاصة بالمصادرة والتأميم . قال رئيس المحكمة أليس موضوع سيطرة الدولة على وسائل الانتاج وقيام مجتمع اشتراكى من الشعارات التى ينادى بها حزبكم وتدعو لها النظرية الماركسية؟ والا لازم تنفذوها انتو بس . قال عبدالخالق نعم اننا ندعو لتحقيق تلك الشعارات ولكن ليس بالكيفية التى تمت بها تلك القرارات والتى تجاهلت كافة ظروف البلاد . بل أن القرارات نفسها جاءت مرتجلة وغير مدروسة وسابقة لأوانها . وقال أننا كنا قد أوحنا وقفنا فى سلسلة من المقالات فى جريدة (أخبار الاسبوع) وأخذ عبدالخالق يفيض فى الحديث موضحا أخطاء قرارات التأمين وما صاحب تنفيذها من أقاويل واشاعات حول الفساد الذى حدث فى بعض المؤسسات . وقاطعه رئيس المحكمة قائلا بلهجته المصرية الصارمة (خلص..خلص) وللحق فقد كانت هذه هى المرة الوحيدة الى رأيت فيها المرحوم عبدالخالق محجوب متأثرا عنما قال لرئيس المحكمة ياسيدى الرئيس أرجو أن يتسع صدر المحكمة بالنسبة لى لبضع ساعات فقط.
وقد لاحظت أن الدهشة علت على وجوه الحاضرين بعد سماعهم لكلمات عبدالخالق محجوب . التى كانت أشارة واضحة الى أنه كان يعلم سلفا بأنهم قد قرروا اعدامه . لقد كان الأمر أكبر من الدهشة وأعمق من الخوف . لقد كانت لحظة صراع رهيبة بين شخصين أحدهم يريد أن يضيف لعمره حتى ولو بضعة دقائق معدودة لعل معجزة قد تحدث . والآخر يريد أن أن يخلص نفسه بسرعة من مهمة ثقيلة حتي ولو كانت حياة انسان .
تجاهل واستعجال :
وقد لاحظت أن رئيس المحكمة تجاهل الحديث عن ضربة الجزيرة أبا على الرغم من أن عبدالخالق كان قد ذكرها ضمن أسباب الخلاف مع مايو .
وفجأة سأل رئيس المحكمة عبد الخالق : هل لدى حزبكم أسلحة ؟ وكان رد عبدالخالق أكثر من مفاجأة : نعم . وقد أرسلها لنا الرئيس جمال عبدالناصر عام 1967 عندما تعرض الحزب لهجمة شرسة من جانب القوى الرجعية أدت الى طرد نوابه من الجمعية التأسيسية بسبب ما سمى بندوة معهد المعلمين العالى (شوقى محمد على) .
وبعد فان ذلك كل ما أذكره عما دار فى المحاكمة التى كانت أشبه بالمسرحية الدرامية التى تنهمر فيها الدموع . وان كان لابد أن أعلق فلا بد أن أذكر موقف عبدالخالق كانسان فقد كان شجاعا بكل ماتحمل الكلمة من معانى . وثابتا كل الثبات . كان يتحدث فى أحرج الأوقات وكأنه يتحدث فى ندوة سياسية . بالرغم من أنه كان يعلم مصيره المعد سلفا . لا ريب أن عبدالخالق كان أكثر ثباتا من الذين حاكموه فقد لاحظت أثناء المحاكمة أن القلق والاضطراب يتملكان رئيس المحكمة وأعضائها . بل أن بعضهم كان ينظرالى ساعة يده بين الفينة والفينة وكأنه يتأهب لموعد أهم .
وفى حوالى الساعة الخامسة مساءا أعلن رئيس المحكمة نهاية المحاكمة . وقال أن المحكمة سترفع قرارها الى القائد العام الذى كان مرابطا هناك بصورة دائمة ، حيث اتخذ مقره فى مكتب قائد سلاح المدرعات العميد أحمد عبدالحليم .
طلبت من المقدم عبدالمنعم حسن الذى كان يعمل بفرع القضاء العسكرى أن أنتظر معه حتى يتم التصديق على الحكم . وطال انتظارى حتى بلغت الساعة منتصف الليل . وكان المقدم عبدالمنعم كثير الخروج من مكتبه . وفى احدى المرات عاد وطلب منى أن أذهب معه الى حيث مقر جعفر نميرى لأرى ماذا يفعل . لقد كان المقدم عبد المنعم متأثرا بأثرا شديدا بما يحدث مما دفعه الى كتابة عريضة ينتقد فيها ما تم من اجراءات . وقد فصل من الخدمة بسبب تلك العريضة .
وذهبت الى مقر الرئيس نميرى ووقفت بالقرب من النافذة لأرى عجبا ، النميرى ينهال ضربا على أحد الضباط ويسبه بالفاظ بذيئة وهو فى حالة من الهياج . أخرج الضابط وأحضروا آخر وتكرر نفس المشهد معه . ولم تتوقف هذه العملية الا عندما همس أحد الضباط فى أذن نميرى الذى رفع سماعة التلفون وكانت محادثة من القاهرة . عرفت هذا من ردود نميرى على محدثه . وانتهت المحادثة التى لم تستغرق وقتا طويلا . وعلمت بمزيد من تفاصيل مادار عندما دخل على نميرى العميد أحمد عبدالحليم . وقد بدا نميري بعدها سعيدا جدا بمضمون المحادثة ، بل منفجرا من الضحك ، وقال أن السادات أخبره بأن الجماعة الرووس طلبوا منه أن يتوسط لدي لكى نبقى على حياة عبدالخالق محجوب ولكن السادات حثه بأن يسرع ويخلص عليه . وقد وصف نميرى السادات بأنه داهية وخطير.
وفى الثانية صباحا حضر الى مقر المدرعات المرحوم موسى المبارك والتقى نميرى لبعض الوقت وعند خروجه كان بادى التأثر وأخبرنى أن حكم الاعدام قد نفذ فى عبد الخالق محجوب.
*ادريس حسن كاتب صحافي سوداني توفي عام 2018
المصدر / الحوار نيوز