السيمر / فيينا / السبت 26 . 11 . 2022 —— يصادف الجمعة 25 تشرين الثاني/ نوفمبر “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة”. وبهذه المناسبة أطلقت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية حملة تدوم 16 يوماً تنطلق الجمعة وتنتهي في 10 كانون الأول/ ديسمبر، في ظل تقديرات مخيفة تفيد أن هذه “الجائحة الصامتة تودي بـحياة 11 امرأة أو فتاة كل دقيقة على يد أحد أفراد أسرتها، وفق المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
بينما يحتفي العالم الجمعة 25 تشرين الثاني/ نوفمبر بـ “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة”، تبقى هذه الظاهرة من الآفات المزمنة وأحد أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان. إنها معضلة حقيقية للصحة العامة، تعاني منها مختلف المجتمعات وفي جميع دول العالم بما فيها المجتمعات العربية، التي شهدت في السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في ممارسات العنف الذي تتعرض له النساء في مختلف البلاد العربية.
وفي هذا السياق أطلقت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي تنطلق في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر وتنتهي في 10 كانون/ ديسمبر، والذي يوافق اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حيث تقوم مختلف الدول بعقد فعاليات متنوعة أثناء الـ 16 يوماً تضامناً مع الحملة.
وستشهد الفعالية هذا العام إطلاق “الاستراتيجية العربية للوقاية والاستجابة لمناهضة كافة أشكال العنف في وضع اللجوء وخاصة العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، التي تم إعدادها بالتعاون المشترك بين الأمانة العامة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك يوم الخميس 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، كتعبير عن التضامن والالتزام الكامل بهذه القضية الهامة في منطقتنا العربية”.
العنف ضد المرأة، تقديرات عالمية..
أوضحت المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، غادة فتحي والي، أنه في كل 11 دقيقة تتعرض امرأة أو فتاة للقتل على يد أحد أفراد أسرتها.
وتفيد التقارير الأممية أن عنف الشريك إلى جانب العنف الجنسي تتصدر مختلف أشكال العنف ضد النساء. وتشير التقديرات العالمية إلى أوضاع كارثية، إذ يتعرض أكثر من ربع النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 سنة من المرتبطات بعلاقة جنسية للعنف البدني و/ أو الجنسي على يد الشريك مرة واحدة على الأقل في حياتهن، وذلك اعتباراً من سن 15 عاما.
ولتفسير هذا الوضع تقول الدكتورة فابيان الخوري، المتحدثة باسم “أوزي لو فيمينيسم” – تجرأ وجرب الحركة النسوية- “إن المشكل الحقيقي يكمن في العقليات السائدة في الوطن العربي التي لا تعرف تطورا كبيرا.. بالنسبة لعدد كبير من الرجال والنساء أيضا تعتبر المرأة ملكا للرجل، ما يفقدها طابعها الإنساني فيصبح تعنيفها طبيعيا لدى البعض..”، كما أن “هناك بعض الدول العربية لا تسمح للمرأة بمنح جنسيتها لأطفالها.. وأخرى لا يمكن للمرأة فيها حتى المشي في شوارعها من دون تعرضها للتحرش الجنسي”.
هذا وتفيد التقديرات أن معدلات انتشار عنف الشريك ضد المرأة خلال حياتها بلغت 20٪ غرب المحيط الهادئ و22٪ في البلدان المرتفعة الدخل وأوروبا و25٪ في إقليم المنظمة للأمريكيتين و33٪ في إقليم المنظمة لأفريقيا، و31٪ في إقليم المنظمة لشرق المتوسط، و33٪ في إقليم المنظمة لجنوب شرق آسيا.
كما تصل نسبة جرائم قتل النساء التي يرتكبها الشريك إلى 38% من مجموع هذه الجرائم على مستوى العالم. وتقوم نسبة 6% من نساء العالم بالتبليغ عن تعرضهن للاعتداء الجنسي على يد شخص آخر غير الشريك، على الرغم من شح في البيانات المتوفرة عن العنف الجنسي على يد غير الشريك.
كيف هو الوضع في الوطن العربي؟
بلغت ظاهرة قتل النساء في البلدان العربية ذروتها في الأعوام الأخيرة. ففي مصر مثلا رصد تقرير سنوي لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة 296 جريمة قتل ضد النساء والفتيات في العام 2021 لوحده. علماً أن تقرير العام 2020 سجّل 165 جريمة ما يعني أن معدل قتل النساء تضاعف في البلاد.
وترتكب أكبر نسبة جرائم القتل بحق المرأة في العالم العربي من قبل الشريك وأفراد العائلة إذ وقعت 214 جريمة من هذا، ويشمل هذا العدد الجرائم المرتكبة باسم الشرف والتغطية على حوادث الاغتصاب ورفض الزواج وغيرها. ورصد التقرير أيضاً 51 جريمة قتل لنساء وفتيات على يد غرباء أو من أشخاص ليسوا ذوي قرابة، بينها 12 جريمة قتل تتضمن علاقة عمل حالية أو سابقة.
رعب في وضح النهار أمام أبواب الجامعة
جاءت جريمة قتل الطالبة الجامعية نيرة أشرف، على يد زميل لها ذبحا بسكين في وضح النهار أمام أبواب جامعتها في مدينة المنصورة، ما خلف صدمة كبرى وسط المصريين والعالم العربي، وأحيا الجدل حول العنف ضد المرأة.
وكان النائب العام المصري حمادة الصاوي أحال المتهم على محكمة الجنايات بتهمة “قتل الطالبة عمدًا مع سبق الإصرار.. حيث باغتها الجاني بسكين وطعنها عدة طعنات، ونحرها قاصدًا إزهاق روحها” أمام جامعتها بمدينة المنصورة في محافظة الدقهلية. ومن جانبه أقر الجاني “بارتكابه جريمة قتل المجني عليها”، وفق بيان النائب العام.
وبعد أسابيع قليلة من سلسلة جرائم مشابهة ضد شابات عربيات تم قتلهن بشكل انتقامي على يد شركاء سابقين أو لرفضهن الارتباط بالقتلة، تأتي جريمة أخرى ضد طالبة جامعية لتهز مصر مرة أخرى.. وقد جاء مقتل الشابة سلمى (22 عاما)، طعنا بالسكين في مدينة الزقازيق ليشكل أحدث حلقات العنف ضد المرأة في البلاد. وعلى غرار الطالبة الجامعية نيرة أشرف، لقيت “سلمى” مصيرا مشابها حيث قتلت عمدا في مكان عام، وطعنها المتهم عدة طعنات بالسكين..
وفي الجزائر تم اكتشاف في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 جثة هامدة للشابة شيماء (19 سنة) في محطة وقود مهجورة في الضاحية الشرقية من العاصمة. وكانت الأم ظهرت في حالة من الانهيار وهي تروي قصة ابنتها مع المجرم، حيث كشفت عن تعرض ابنتها لـ “الاغتصاب للمرة الثانية” على يد المجرم نفسه، الذي اعتدى عليها جنسياً العام 2016، وتقدمت الضحية حينها بشكوى ضده لدى الشرطة، قبل أن يدان بـ 3 سنوات سجناً.
جريمة مروعة كرست لها الصحافة الجزائرية تغطية واسعة، صاحبها شعار “أنا شيماء” على مواقع التواصل الاجتماعي. كما ارتفعت العديد من الأصوات مطالبة بعقوبة الإعدام للجاني..
تلتها جرائم أخرى عاش على وقعها المجتمع الجزائري حالة صدمة بينها جثة فتاة في العقد الثاني من عمرها عثرت عليها أجهزة الأمن، والتي تعرضت للحرق في حي تهقارت الغربية بضواحي مدينة تمنراست، أقصى جنوب البلاد، كان ذلك ثالث حادث من نوعه في البلاد وفي غضون أسبوع فقط.
“لا لقتل النساء”
وقد كشفت مبادرة “لا لقتل النساء – الجزائر”، وهي مبادرة أطلقتها ناشطات جزائريات في مارس/ آذار 2022، أن عدد حالات قتل النساء وصل إلى تسعة خلال هذا العام، وفي غضون أقل من ثلاثة أشهر فقط. وقد شهد العام 2021، مقتل حوالي 55 امرأة من مختلف الفئات العمرية. وظهر في العديد من الحالات أن الجناة من أفراد الأسرة المقربين.
واستيقظ الأردن شهر يونيو الماضي على فاجعة خبر مقتل الطالبة إيمان ارشيد رمياً بالرصاص في الحرم الجامعي بعد مغادرتها قاعة الامتحان. وتوفيت الطالبة ارشيد متأثرة بإصابتها بخمس رصاصات، أطلقها عليها شاب كان أرسل إليها تهديدات بأنه سوف يقتلها كما قتل المصري فتاة المنصورة “نيرة أشرف” بعدما رفضت الارتباط به.. إيمان ارشيد كانت بصدد إنهاء عامها الثاني من مرحلة البكالوريوس بكلية التمريض.
وبالنسبة للدكتورة فابيان الخوري “من الضروري أن تأخذ السلطات الحاكمة ظاهرة العنف ضد المرأة بعين الاعتبار وتوفير كل الوسائل المادية والمعنوية من أجل وضع حد لهذه الآفة”.
أما المجتمع الدولي فيصف العنف ضد النساء والفتيات كـ “جائحة صامتة” ويأمل في تغيير المسار بفضل ما أسماه بمبادرة “بقعة ضوء”. إذ دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس إلى دعم هذه المبادرة، التي تدعو إلى وقف العنف ضد النساء والفتيات.
وفي السياق، تلخص نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد، إن الرجال والفتيان الذين “يغضون الطرف” عن العنف الممارس ضد المرأة، يجب أن يقبلوا بأنهم “شركاء في العنف”.
المصدر / فرانس 24