فيينا / السبت 02 . 11 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
في صبيحة الثالث من تشرين الأول عام 2015 توفي السياسي العراقي أحمد الجلبي عن عمر ناهز السبعين عامًا بسكتة قلبية حادة وسط منزله في العاصمة بغداد، وانهال التراب على رفاة صاحب أكثر السياسيين العراقيين إثارة للجدل.
حينما فرض “نظام العسكر” سطوته على البلاد عام 1958 خلال انقلاب عبد الكريم قاسم قُلِعَت عائلة أحمد الجلبي من معقلها البرجوازي البغدادي، ووضعت حدا لمركزها المالي ونفوذها السياسي.
بعد 45 عاما سيعود الجلبي إلى البلاد التي انتقلت مقاليد الحكم فيها من عسكري إلى آخر حتى سطا نظام حزب البعث بالنار والحديد، لكن سيعود هذه المرة مشاركا بالحرب التي أدت إلى إسقاط نظام صدام حسين ويرأس مؤسسة الاجتثاث التي اقتلعت ملايين البعثيين ونفوذهم في البلاد إلى غير رجعة.
“عرّاب احتلال العراق”، و”لورنس العراق”، من بين الألقاب التي أطلقت على الجلبي وهو أحد أول الزعماء العراقيين المعارضين الذين عادوا إلى البلاد عام 2003.
البداية من انقلاب
في عام 1958 هاجرت عائلة عبد الهادي الجلبي “والد أحمد الجلبي” بالغ الثراء وواسع النفوذ ونائب رئيس مجلس الأعيان العراقي وقتئذ، مثلها مثل المئات من عائلات الأعيان العراقيين. تلك الطبقة الاجتماعية التي كانت تسيطر على الحياة السياسية والاقتصادية والشأن العام بشكل مطلق في البلاد، طوال العهد الملكي، وكانت قد تبنت شيئا غير قليل من قيم الحداثة السلوكية والاجتماعية والثقافية.
كان أحمد الجلبي في الخامسة عشرة من عمره، حينما غادرت عائلته بغداد نحو المنفى؛ لكن الغريب في سيرة هذه العائلة، أن أبنائها لم ينحلوا في المجتمعات الحديثة في المنفى، وتناسوا منبتهم الأولى، كما حدث مع غالب العائلات العراقية البرجوازية التي هاجرت في خمسينات القرن المنصرم.
في السبعينات حاول الجلبي جاهدا الربط بين المخابرات الإيرانية والدولية والثوار الأكراد، لقلب نظام الحكم في العراق؛ حيث فشل المخطط عبر اتفاق الجزائر الشهير بين صدام حسين وشاه إيران عام 74، وصُفيت الانتفاضة الكردية وقتئذ.
وقد قضى الجلبي السنوات الممتدة بين 1958 و2003 في لبنان ولندن وعمان والولايات المتحدة، باستثناء فترة منتصف التسعينيات عندما سعى إلى تنظيم تمرد ضد نظام صدام حسين من كردستان العراق، التي انسحبت منها القوات الحكومية إثر هزيمة حرب الكويت والانتفاضة العراقية وفرض منطقة حظر للطيران.
لكن هذه المحاولة انتهت إلى الفشل عندما اضطر المنضوون تحت لواء المؤتمر الوطني العراقي إلى الفرار من مقراته نتيجة دخول القوات العراقية إلى مدينة أربيل عام 1996، بناء على طلب من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، لمواجهة خصمه آنذاك زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال طالباني، الرئيس العراقي السابق.
وأسس الجبلي المؤتمر الوطني العراقي في لندن بهدف جعلة مظلة تنضم إليها قوى عراقية للضغط من أجل إقامة نظام ديمقراطي في البلاد بعد القضاء على نظام البعث الحاكم آنذاك. لكن المؤتمر لم ينجح في أن يكون تجمعا للقوى المعارضة واتخذ شكل التنظيم المنفرد.
إثر هذا الإخفاق بدأ الجلبي سعيه الحثيث لإقناع الطبقة السياسية الأمريكية بضرورة إسقاط النظام العسكري العراقي، حيث عقد آلاف اللقاءات ومئات الصداقات مع الإعلاميين والنواب وأعضاء في مجلس الشيوخ والسياسيين ورؤساء الشركات وصناع القرار الأمريكيين، في سبيل تشكيل القرار الأمريكي بغزو العراق والقضاء على نظام صدام.
دخل الجلبي الانتخابات النيابية لعام 2010 بقائمة المؤتمر المنضوية تحت التحالف الوطني، إلا أنه لم يستطيع الفوز وقتها، ليقرر الدخول كسياسي مستقل ضمن كتلة “المواطن” التي يتزعمها رئيس المجلس الاعلى عمار الحكيم، خلال الانتخابات النيابية لعام 2014، ليصبح رئيس اللجنة المالية البرلمانية، وهو آخر منصب رسمي شغله حتى وفاته إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز السبعين عاما في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.
وقد تردد اسمه مرات عدة لتولي رئاسة الحكومة لكن ذلك لم يحظ باتفاق بين القوى والأطراف المعنية بالوضع في العراق.
“لورنس العراق”
يرى ريشارد بونين، صاحب كتاب “سهام الليل.. رحلة أحمد جلبي الطويلة إلى النصر في العراق”، إلى أن “الجلبي دائما أنه للدخول إلى العراق لا بد من كسب ميل إيران ورضا أمريكا. ولذلك حاول أن يثبت ولاءه وضرورته للطرفين. وسار على خطوات تي إي لورنس (لورنس العرب) في أن يكون مقبولا من جهتين متحارتين. وكانت استراتيجيته تنظر لما هو أبعد من الحرب المؤكدة القادمة. فالتخلص من صدام ونظامه نصف المعادلة. وكان هدفه النهائي قيادة عراق ما بعد صدام. لكنه لم يعترف بهذا الهدف على الإطلاق. وكانت مشكلته أنه يعلم الحاجز العاطفي بينه وبين الشعب، ولذلك لا بد من اللجوء للقوة”.
وأضاف أن “أول خطوة عمليه اتخذها هي حكومة في المنفى. ومن خلالها يمكن أن يضمن دور القيادة، ليس بركوب الموجة الشعبية وإرادة الجماهير الثائرة، ولكن بواسطة قرار. ومن دواعي السخرية أن صعود نجمه في طهران قابله أفول بين أروقة وصالونات المخابرات الأمريكية. فطهران كانت ترى فيه العدو اللدود للسي آي إي. و استطاع الجلبي أن يقنع ملالي إيران أن أمريكا مهتمة بطرد صدام أكثر من اهتمامها بمعاداتهم. وبالمقابل أقنع الإدارة الأمريكية بتخفيف العقوبات على إيران ليتمكن من تمويل حزبه على أراضيها، ثم اختراق حدود العراق انطلاقا من إيران. وقد لعب هذا دورا إيجابيا عند الإيرانيين”.
المصدر / إيشان
*****
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك