الرئيسية / مقالات / الثورة الجزائرية.. صدق كبر السن

الثورة الجزائرية.. صدق كبر السن

السيمر / الأربعاء 25 . 10 . 2017

معمر حبار / الجزائر

قرأت مذكرات لجزائريين وغربيين وفرنسيين حول الثورة الجزائرية وبالإضافة إلى ملاحظات سبق ذكرها عبر مقالات صاحب الأسطر التي عرضت الكتب فإنّه وفي هذا الشهر وبعد أن قرأ الكتب أدناه استوقفت القارىء المتتبع الملاحظات التالية :
هناك فرق بين اليوميات التي ترسم اللّحظة وفي تلك اللّحظة بعض النظر عن طبيعة الرسم والمذكرات التي ترسم الأيام والعقود الغابرة وقد بلغ المرء 70 و80 من عمره.
تتميّز المذكرات التي تكتب في أواخر العمر وفي الشيخوخة بالصدق والوفاء والصرامة والتواضع والبعد عن الأحقاد لأنّ صاحبها لايطمع في أحد ولا يخاف من أحد وترمي إلى التسامح ورصّ الصفوف.
عيب المذكرات التي تكتب وصاحبها في 80 من العمر أنّها تفتقر للدقّة وعدم القدرة على تذكّر التفاصيل كلّها ونسيان بعض الأسماء، وقد لاحظت ذلك جليا في كتاب: BENACHENOU Mohamed Seghir « Liberté J’ écris Ton Sang , Rescapé de l’enfer de la guerre de libération »، وكتاب: “مذكرات من الونشريس، المجاهد محمد الصغير نمار، من أجل أن تحيا الجزائر”، فقد اشتكى كلّ منهما ضعف الذاكرة وصعوبة استحضار بعض الأسماء من أشخاص وأماكن وتواريخ، وطلب كلّ منهما العذر من القارىء إن لم يستطيعا تلبية مايصبو إليه من معلومة كاملة دقيقة، ومرد ذلك أن كلاهما تجاوز 80 عاما.
تتميّز اليوميات في حينها بالحدّة والعفوية والصدق لكن يطلب من المتتبّع النّاقد أن يقارن بين يوميات المعني ومذكراته إن كتب مذكراته في أواخر عمره ولا يعتمد على اليوميات فقط فقد يكون المعني غيّر رأيه بعد مرور الزمن وذكر في مذكراته التي كانت في أواخر أيامه عكس ماذهب إليه في أوائل أيامه، وقد لاحظت ذلك في كتاب “العفن” لمالك بن نبي فهو كتاب امتاز بأنّه حادّ الطبع قاسي المزاج عكس الكتب والصفحات التي دوّنها في أواخر حياته فقد اتّسمت ببعض “الرقة” تجاه نفس الشخصيات التي انتقدها بشدّة كما حدث مع عبد الحميد بن باديس الذي أثنى عليه وعلى تفسيره سنة 1964 فيما أتذكر وهو الذي انتقده من قبل كما جاء في كتاب “آثار عبد الحميد بن باديس” لعمار طالبي، فوجب في هذه الحالة قراءة اليوميات ومقارنتها بآخر ما ألّفه الرجل حول الفكرة أو الشخص لتكتمل الصورة بوضوح.
الكتب التي ألّفها أصحابها من جزائريين حول الثورة الجزائرية وهم في سنّ متقدّم من العمر تتطابق بشكل كبير من حيث الصدق وقول الحقيقة مع الكتب التي ألّفها الفرنسيون حول الثورة الجزائرية ورسم وحشية الاستدمار الفرنسي وهمجية المحتل وعنصرية الفرنسيين إبّان الاحتلال وتعاون الحركى مع العدو في نهب البلاد واحتقار العباد، ويكفي قراءة كتاب: PIERRE VIDAL – NAQUET « LA TORTURE DANS LA REPUBLIQUE 1954 – 1962 » ، ومقارنة الكتاب بمذكرات الجزائريين أعلاه فقد تطابقت وجهات النظر في تقديم صورة صادقة رغم أنّه لم ير أحدهم الآخر ولم يقرأ أحدهم للآخر حسب ما هو مبيّن في الكتب الثلاث، لكن قول الحق جمع الثلاثة دون أن يدري أحدهم بالآخر أو يشعر أحدهم بالآخر.
المطلوب الآن أن يسعى المرء لكتابة يومياته في حينها خاصة وأنّ الوسائل توفّرت وتعدّدت وأصبحت سهلة متوفرة، وإذا استطاع فليكتب مذكراته وهو في 70 و80 من عمره فيجمع بين اليوميات والمذكرات وذلك خير مايقدّمه المرء لنفسه وأمته وحضارته.

اترك تعليقاً