السيمر / الاثنين 08 . 01 . 2018
عبد الجبار نوري*
جراحات العراق كثيرة وعميقة وثقيلة ربما بوزن وجوده الأزلي منذ الأستاذ كلكامش لحد بريمر شريف روما ، وربما أقساها ألماً ظاهرة الخصصة ” التي دفعت بلعابة الصبر أن تنتحر ، كاتبة عذاباتها على بوابة بغداد الحزينة رائعة أم كلثوم { للصبر حدود – ما تصبرنيش بوعود وكلام معسول وعهود ، ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بيه ومليت ، لقيتني وأنا بهواك – خلصت الصبر معاك}
صحيح أن الخصخصة هي نوع من أنواع الأستراتيجيات الأقتصادية التي تساهم في دعم قطاع الأقتصاد بمشاركة القطاع الخاص في أقتصاديات السوق ، لكنها لا تليق بأقتصاد العراق المشوه الذي لا يعتمد على برنامج أقتصادي متكامل بغياب الوعي المستقبلي ، والذين يديرونهُ ليسو طلاب دولة بل طلاب سلطة ، وأهم ما يمكن قولهُ هو غياب دولة المؤسسات ، والأقتصاد الريعي بالأعتماد على موارد النفط بنسبة 96% ، جاءت الخصخصة مبكرة ، وخصوصا طبقتها الحكومة على عدة قطاعات خدمية منها :
-خصخصة جمع النفايات والتي طبقتها أمانة بغداد والبصرة بأعطاء تنظيف أجزاء خاصة من المدينة ألى شركات تركية وفُرضتْ قسم من الرسوم على المواطن ، وهذه الفقرة يتحمل فيها المجتمع ( التضامنية ) في تفهمهِ لثقافة النظافة والوصول ألى البيئة الصحية .
– الكهرباء هو بالتأكيد الشريان الرئيس لكل مفاصل الحياة ، وأنهُ الداينمو المغذي لها ، بل أوكسجين رئة الدولة ، وأصبحت المشكلة العصيّة على الحكومات المركزية المتعاقبة منذ 2003 ناشرة تداعياتها المرّة خلال 14 سنة عجاف عاقدة حلفاً غير مقدس مع حرارة جهنم العراق 60 درجة مئوية ومع زمهرير شتاء العراق الأسكندنافي تحت الصفر ، والحكومات ا لعراقية المتعاقبة بعد الأحتلال البغيض عاجزة في مواجهة أزمة الطاقة المفتعلة بالرغم ما تمّ أنفاقه من المال العام بحوالي 37 مليار دولار ، لعمري أنها ميزانية ثلاثة دول مجاورة ، وثمة هذيان أنها تبني مليون شقة سكنية ، و20 مستشفى تخصصي ، و10 آلاف مدرسة ، وتعيد أحياء مصانعنا المقفلة ووووو لك الله يا عراق وتبقى الحكومة في موضع الأتهام بجعل العراقي يتحسر ويقبل اللجوء في المنافي ويتجرع كأس الغربة بموت بطيء كل يوم .
– خصخصة بعض من مفاصل التربية والتعليم :في فتح أبواب البلاد بأوسعها لأكثر من 22 جامعة ، ومئات المدارس الثانوية ورياض الأطفال وسط غياب الرقابة التربوية وعدم السيطرة على الأسعار الملتهبة والصاعدة ألى أرقام مرعبة بحيث أصبحت من حصة الطبقة البورجوازية وحرمان أبناء الطبقات الفقيرة وحتى في حال حصوله على معدلات عالية ,لم يقبل في الجامعات والمداس الحكومية .
– خصخصة الأمن :وهي الكارثة الكبرى حين يكون أمن المواطن بيد الأجنبي ، فالحكومات المتعاقبة تعاقدت مع أكثر من 150 شركة أمنية ، وشرعنتها بأقرار البرلمان العراقي في 26-كانون ثاني 2017 ، وهو جرح جديد وغائر ، وقد لا يندمل في جسد الوطن المثخن بالجراح في زج الأرض والعباد في متاهات الشركات الأجنبية التجسسية ، فهي أنفاق كبير وأستهلاك للدخل القومي على حساب الميزانية التشغيلية .
والحق يقال أن المسؤولية مشتركة بين المواطن والحكومة ، فهذه سلبيات المواطن في مواجهة الأزمة :
1-غياب ثقافة الترشيد في أستهلاك الكهرباء وهو معطيات غياب ثقافة المواطنة ، بأقتناء الأجهزة الكهربائية بشكل مسرف ومفرط حيث لا يكون غريباً في منزل مساحته 100م2 أربعة سبلتات وثلاثة ثلاجات وأكثر من تلفزيون عملاق وغسالات ووووو — .
2- التجاوز على خطوط النقل والتوزيع .
3- الأمتناع عن تسديد فواتير الطاقة المستهلكة من قبل مؤسسات الحكومة والمواطنين .
4- البناء العشوائي الذي يقف وراءه بعض المسؤولين لأغراض أنتخابية .
5 – تجاوز بعض المحافظات على حقوق المحافظات الأخرى وأستحقاقاتها لحصة الكهرباء ، حسب قوة الكتلة التي تحكم .
6- تلاعب أصحاب المولدات بسعر الأمبير الواحد .
ولماذا لا نتعلم من الشعوب المتقدمة حضاريا بل نقلدها فقط بهوامشها ، فلننظر إلى الشعب الياباني في أيام ” التحدي الثلاثي ” سنة 2011 في شهرٍ واحد تسونامي وزلزال وتسرب المفاعل النووي في ( فوكوشيما ) ، علما أن الشعب الياباني متمرس بثقافة الترشيد والتي هي جزء مهم من ثقافة المواطنة ، فهم متعودون على تمرد الطبيعة فيلزم على الياباني طواعية التأقلم والمعايشة مع تلك النكبات وأحتواء آثارها ، حيث أن الحكومة لم تطلب منهم ترشيد أستهلال الطاقة بل بالعكس خفضت سعر الأمبير الكهربائي ،بيد أن الشعب ارفع فيشة كهرباء المنزل وأستعاض عنها بالتورش اليدوي ، وألغاء الطبخ والتعويض عنه بالوجبات السريعة كل ذلك لأجل توفير الكهرباء لرياض الأطفال والمشافي ، مع حكومة تتقن فن أدارة الأزمات وهو فرع تخصصي يدرس منهجيا في الجامعات اليابانية وكذلك في جامعات العالم ، ولم تعتمد الحكومة على أستيراد المصادر التقليدية للطاقة كالنفط والغاز الطبيعي في مجال توليد الطاقة الكهربائية بل أتجهت إلى البدائل توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية ، ولم تقصّر حكومة الحزب الديمقراطي في معالجة الأزمة في 2011 ولكنها قدمت أستقالتها خجلاً من الشعب وخسرت أنتخابات 2013 ، لكونها أعترفت بالتقصير !!! .
وأخيرا / أجد من الضروري خصخصة الكهرباء للقطاع الخاص – ولو أن فكرة الخصخصة ضد نهجي اليساري ولكن للضرورة أحكام – والذي جعلني أن أكتب في هذا الموضوع الحساس مرة ثانية هو الأعلام السالب والمغرض في تضخيم الأمور لنشر البلبلة والفوضى في الداخل العراقي وهو نهج الرتل الخامس ، وأضع أمام المنصفين الذين لديهم ثقافة المواطنة تسعيرة الكهرباء للحكومة في 1-1-2016 لكي نثمن دورها في علاج هذه المشكلة المستعصية هي تسعيرة مناسبة وعادلة : { تضمنت من 1- إلى 1000 وحده بسعر 10 دنانيرللوحدة أي بسعر عشرة آلاف دينار ، ومن 1 إلى 1500 وحده بسعر 20 دينار للوحدة بقيمة 20 ألف دينار ، ومن 1 إلى 2000 وحده تكون قيمتها 40 ألف دينار ، — وهكذا 30 أمبير بقيمة 80 ألف تصاعدية مع زيادة الأستهلاك ، وللعلم أن مسألة الترشيد في الأستهلاك مسألة حضارية متبعة في جميع الدول الغربية .
*كاتب وباحث عراقي مغترب
كُتب في 7-1-2018