الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / البغدادي ومريدي.. شبكات تزوير كبيرة تتلاعب بثروات العراقيين
سوق مريدي بمدينة الثورة ببغداد

البغدادي ومريدي.. شبكات تزوير كبيرة تتلاعب بثروات العراقيين

السيمر / الثلاثاء 31 . 07 . 2018 — خسر كل ما يملك، في الوقت الذي كان يحاول فيه شراء بيت في منطقة السيدية ببغداد، “ليث أحمد” مواطن بغدادي، باع قطعتَي أرض كان يملكهما في أطراف مدينة بغداد، ليتسنى له شراء دار صغير في العاصمة، يغنيه عن الإيجار ومشقته، يقول “ليث”: إنه -وفي عام 2015- وقع ضحية لعملية تزوير مدّبرة لسند ملكية البيت الذي اشتراه في منطقة السيدية في العاصمة بغداد.
ويضيف “ليث”، أنه اشترى البيت الذي كان مغلقًا منذ ثلاث سنوات بمبلغ 250 مليون دينار عراقي، وأنه أعطى صاحب الدار مبلغ مائتي مليون وأبقى الخمسين مليونًا الأخرى في ذمته، ريثما يتأكد من ملكية الدار من دائرة التسجيل العقاري “الطابو”، ويستكمل حديثه بالقول: إنه وبعد أن ذهب إلى دائرة التسجيل العقاري في بغداد، في اليوم التالي لشرائه الدار، تبين له أن سند الملكية الذي معه مزور، وأن صاحب الدار الأصلي رجل مسيحي، وأنه ملك له منذ ثلاثين عامًا مضت
يضيف المواطن البغدادي أنه كان ضحية لعملية تزوير مكتملة الأركان ومحترفة، وعند مراجعته للمكتب العقاري الذي اشترى منه الدار، تبين لـ”ليث” أن صاحب مكتب العقار لم يكن يعلم بالأمر، وعند اتصالهم برقم هاتف الذي باعهم البيت؛ تبين أنه مغلق، وأن جميع “مستمسكاته” مزورة.

التزوير في العراق.. كل شيء ممكن
التزوير ظاهرة مستفحلة، بحسب المحامي “موسى عبد الله” الذي تحدث قائلا: “ﺗﻧﺗﺷر ظﺎھرة اﻟﺗزوﯾر ﺑﺷﻛل كبير ﻓﻲ العراق وفي مختلف المحافظات العراقية، وﻻ ﺗﻛﺎد ﺗﺧﻠو ﻣﺣﺎﻓظﺔ أو ﻣدﯾﻧﺔ ﻣن وﺟود عصابات تمتلك مختلف أختام مؤسسات الدولة، وتتميز هذه العصابات ومجموعات التزوير باحترافية عالية جدا، حيث أن الشهادات والوثائق التي تزورها لا يستطيع موظفو الدولة تمييزها عن الأصلية”، لافتا إلى أن هؤلاء المزورين يمكنهم تزوير أي شيء، من الهويات والمستمسكات الرسمية حتى سندات الملكية العقارية والشهادات الجامعية.
“عمل المزورين في سوق مريدي يتمتع بحرفية عالية جدا تجعل من الصعوبة بمكان اكتشاف الوثائق المزورة”.
ويختتم عبد الله في ختام حديثه، أن “المحاكم العراقية تستقبل اسبوعيا العديد من الدعاوى القضائية التي يشتكي أصحابها من وقوعهم ضحية عمليات تزوير في البيع والشراء، وأن الغالبية العظمى من هذه الدعاوى تسجل ضد مجهول، فالقانون لا يحمي المغفلين”، بحسبه.
ويعد سوق “مريدي” وسوق “ألبو غانم” أهم سوقين معروفين يشتهران بالتزوير في العراق، بحسب الضابط في وزارة الداخلية “سعد الحسيني” الذي أضاف قائلا: “يعد سوق مريدي في مدينة الصدر شرق بغداد وسوق البو غانم شرق مدينة الرمادي في الأنبار؛ من أشهر أسواق التزوير في البلاد، اضافة إلى أسواق أخرى بدأت تلقى رواجا كبيرا خاصة في مدينتي البصرة والناصرية”.
وفي هذا الصدد وعن أهمية سوق مريدي بالنسبة للمزورين، يقول الصحفي البغدادي “علي الركابي” إن “سوق مريدي يعد السوق الرئيس للتزوير في العراق، حيث أن للمزورين في هذا السوق؛ القدرة على تغيير كل شيء كالاسماء والعوائل واستحصال الشهادات الجامعية وصور القيود وشهادات ولادة ووفاة أيضا”.
ويضيف الركابي أن “عمل المزورين في سوق مريدي يتمتع بحرفية عالية جدا تجعل من الصعوبة بمكان اكتشاف الوثائق المزورة”، مشيرا إلى أن سوق مريدي أضحى بعد عقود من التزوير مقسم الى اقسام بعضها يختص بالهويات والباجات والاخر بالشهادات الجامعية وآخر بالجوازات وتصدقيات وزارة الخارجية، وكل وثيقة مزورة لها سعر خاص بحسب درجة أهميتها ومحل استخدامها، بحسبه.

“مريدي”.. تزوير في قلب بغداد وبعلم السلطات
سوق خرّج آلاف الشباب ومنحهم شهادات جامعية وعليا، فضلًا عن شهادات ما قبل المرحلة الجامعية، إنه سوق “مريدي” الذي تأسس في ستينات القرن الماضي في مدينة الصدر، والتي كانت تعرف بمدينة الثورة فيما سبق، يقول المؤرخ البغدادي “نعيم موسى”: إن هذا السوق تأسس في ستينات القرن الماضي تزامنًا مع نقل الرئيس العراقي الأسبق “عبد الكريم قاسم” آلاف العائلات الريفية من جنوب العراق، وأسكنهم في ضواحي بغداد الشرقية في عام 1963م.

“موظفون في دوائر الدولة يجلبون معهم الاختام الاصلية أو يصورونها متى ما تم استخدام أختام جديدة”
ويضيف أن “أصل كلمة مريدي يرجع إلى شخص ريفي من جنوب العراق سكن في هذه المنطقة وافتتح محلا صغيرا آنذاك واسماه باسمه وهو “مريدي”، مشيرا إلى أنه ومع مرور السنوات تحولت المنطقة الى سوق سمي باسم “مريدي” وهو سوق يرتاده كل من يريد الحصول على وثائق أو شهادات جامعية ودراسية مزورة، بحسبه.
وعن تأريخ بدء التزوير في هذا السوق، يشير موسى إلى أنه لا يوجد تأريخ دقيق، لكن أولى جرائم التزوير في سوق “مريدي” والتي كشفتها السلطات في العراق كانت في عام 1980م، ثم توالت بعد ذلك حالات التزوير إلى أن وصل “مريدي” إلى ما هو عليه الآن من شهرة في التزوير.
من جانبه المواطن “جعفر” وهو أحد المتمرسين في التزوير في مدينة الصدر والذي اشترط عدم الكشف عن وجهه وعدم التصوير، يقول عن الطرق التي يستخدمونها في التزوير: “نستخدم طرقا عدة، وأسهل عمل لدينا في تزوير الوثائق هو الأختام حيث أننا نستطيع تقليد أي ختم مهما كانت صعوبته”، موضحا أن تزوير الوثائق ذاتها يتم حاليا من خلال برامج الرسوم الالكتروني الشهير “الفوتوشوب”.
وعن تزوير الأختام وكيفية معرفتهم بأن دوائر الدولة بدأت باستخدام أختام جديدة، يقول “جعفر” أن “لديهم معارفهم وأصدقاءهم وممن يعملون معهم من هم بالأساس موظفون في دوائر الدولة العراقية، وإنهم يجلبون معهم الاختام الاصلية أو يصورونها متى ما بدأت دوائر الدولة باستخدام أختام جديدة”، بحسب جعفر.
أسئلة كثيرة تراود العراقيين عن كيفية تمكن المزورين من تزوير شتى أنواع الوثائق، وفي هذا الصدد وعند الاستفسار من “جعفر” عن كيفية تزوير الملصقات الفسفورية المستخدمة في سندات الملكية والهويات، أشار إلى مزور صديق له اشترط عدم التصوير مقابل حديثه عن بعض التفاصيل المهمة، حيث يقول: إنهم في سوق مريدي، تختص كل مجموعة بوثائق معينة، وتعمل على استحصال جميع مستلزمات التزوير وبشتى الطرق.
وعن طرق تزوير العلامات الفسفورية المستخدمة في سندات الملكية والهويات، يقول: “إننا ومتى ما علمنا أن دائرة معينة بدأت باستخدام لواصق فسفورية جديدة، فإننا أولًا نعمل على الحصول على نموذج واضح وجديد، وبما أنه لا إمكانية لطباعة هذه الملصقات محليًا بسبب صعوبتها، فإننا نطبعها ونقلدها إما في سورية وتحديدًا في العاصمة دمشق، حيث المطابع الحديثة، أو في إيران حيث إنهم يطبعون لنا ما نريد، ومن دون أن يستفسروا منا عن ماهية هذه الملصقات.
ويضيف المصدر أن أصعب أنواع التزوير هي الوثائق التي تستخدم أرقاما محفورة على الوثيقة مثل إجازات السوق، مشيرا إلى أن هذه الطريقة استوجبت عليهم استيراد أجهزة باهظة الثمن تستطيع تقليد الوثائق التي تستخدم أرقاما بارزة كإجازات السوق وملكيات السيارات “السنوية”.
أما ما يخص نوعية الورق المستخدم في التزوير، فيقول “إنهم يعملون على توفير واستيراد ذات نوعية الورق المستخدمة في دوائر الدولة”، وبما يخص الأجور وتكلفة تزوير الوثائق يؤكد المصدر: “إن ذلك يعتمد على نوع الوثيقة، فهوية الاحوال المدنية تكلف 75 ألف دينار “62 دولارا” والجنسية العراقية 200 الف دينار “170 دولارا”، بينما الشهادات الجامعية فوثيقة جامعة بغداد مثلا تكلف مليون دينار عراقي دينار وباللغتين العربية والانكليزية وبكلفة أقل للجامعات الحكومية الأخرى وأقل للجامعات الأهلية، أما شهادات الاعدادية فتصل تكلفتها الى 600 الف دينار “500 دولار”، ومع تصديق وزارة الخارجية تصل تكلفتها الاجمالية الى 900 الف دينار “750 دولارا”، بحسبه.

سومر نيوز

اترك تعليقاً