السيمر / فيينا / الأربعاء 12 . 06 . 2019
لم تَعش محافظة البصرة، سلة خبز العراق كما يصفوها، ترديًا على الصعيد الاقتصادي والعمراني وتفشي البطالة وتردي الخدمات، وانهيارات أمنية متعاقبة منذ عام 2003 فحسب، بل شهدت البصرة المعروفة بمدنيتها منذ القِدم، محاولات عدة لأحزاب وتيارات إسلامية لإلباسها ثوب التشدّد والتعصب الديني.
عاشت البصرة أيامًا عصيبة في السنوات الأولى من سقوط نظام صدام حسين تحت وطأة الميليشيات الخارجة على القانون. ومارست تلك الميليشيات شتى أنواع التضييق على الحريات الشخصية للمواطنين، مثل إغلاق النوادي والمسارح ودور السينما، ومنع الشباب من ارتداء بعض الملابس، وفرض الحجاب على النساء، فضلًا عن منع بيع وتناول المشروبات الكحولية، والتضييق على الفنانين والعازفين ومنع الحفلات الغنائية.
كانت الميليشيات تُعاقب وتسجن وتعذب الشباب المخالفين لقوانينهم التي يدّعون أنها تُمثل حكم الإسلام. وشيئًا فشيئًا فقدت البصرة طابعها، وهاجرت الأقليات إلى بغداد والشمال بالإضافة إلى الهجرة خارج البلاد. لقد عاشت البصرة أجواءً “قندهارية”، بحسب أحد سكّانها آنذاك.
تغيّرت الأجواء كثيرًا بعد عمليات ما عُرف بـ”صولة الفرسان” واستتب الأمن نسبيًا، وشهدت البصرة مساحة من الحريات الشخصية. يروي لنا إدريس محمود أحد سكّان البصرة، عن تلك الأيام، قائلًا “حالة الكبت التي عاشتها المدينة ألقت بآثارها بعد العمليات العسكرية ضد الميليشيات، ومن المظاهر الطريفة هي بيع المشروبات الكحولية على الأرصفة في الطرقات، ما عدا مخازن المشروبات”.
يذكر محمود لـ”ألترا عراق” عبارة شائعة في البصرة كُتبت على “فلّينات” المشروبات في ذلك الحين كان نصّها “موسى بدينه، وعيسى بديّنه، ومد إيدك بالفلينة”.
آثار سقوط الموصل
أوضاع الحريات أخذت بالتراجع تدريجيًا، حتى وصلت ذروتها عقب سقوط المحافظات الغربية والشمالية بيد تنظيم داعش، وصدور فتوى “الجهاد الكفائي” من المرجعية العليا في النجف، ما أدى إلى تصاعد الخطاب الديني المذهبي وانتشار الفصائل المسلحة ومكاتبها قبل أن تنضوي في الحشد الشعبي الذي صار هيئة رسمية بعد حين. يقول الكاتب ليث عبد الرحمن لـ”ألترا عراق”، إن “تجييشًا دينيًا حصل في المدينة عقب سقوط الموصل. كان يُمنع كل شيء يتعلق في الحريات تحت شماعة الشهداء”، مستدركًا “الوضع الحالي في البصرة جيد من ناحية الحريات الشخصية مقارنة بالوضع السابق في بداية عمليات داعش وسقوط الموصل”.
تفجير المقاهي
من غير الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المحلية في المحافظة في قضايا الحريات، إلا أن عمليات اعتداء متكررة حدثت في المحافظة. في 25 تموز/يوليو 2016 انفجرت عبوة ناسفة مستهدفة “كوفي شوب” ميلانو في منطقة الحقيقية وسط البصرة، أسفرت عن خسائر مادية. وأشارت وسائل إعلام إلى أن “صاحب المقهى تعرض إلى تهديد في وقت سابق من قبل مسلحين بحجة تضييع وقت الشباب”.
وبحسب وسائل إعلام، فأن عبوات ناسفة وصوتية استهدفت ستة مقاهي ترفيهية في البصرة هي “كازينو عروس البصرة، ودانيال كوفي، وكوفي تايم، ومقهى ميلانو، ومقهيين آخرين”. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي في آب/أغسطس 2016 رسالة تهديد خلّفها المهاجمون على مقهى “كوفي تايم” توعدوا فيها بقتل كل من يرتاد المقاهي ومالكيها والعاملين فيها، بسبب “عملهم المشين والمخالف لتعاليم الدين الإسلامي، والممارسات الفاحشة مثل احتساء المشروبات الكحولية وتعاطي المخدرات واصطحاب الفتيات بائعات الهوى في هذه المقاهي.
وحذّرت الرسالة أصحاب المقاهي إذا “لم يتركوا النساء ويسرحون إلى بيوتهن ويتركوا شرب الخمر والزنا والمخدرات، وإلا كانت هذه آخر أيامهم في الدنيا”.
وفي 30 كانون الثاني/يناير 2018 استهدف “كوفي شوب” قرب مبنى مجلس محافظة البصرة بعبوة ناسفة أسفرت عن خسائر مادية، فيما كشفت مصادر صحفية عن تلقي صاحب المقهى تهديدات باستهداف مكان عمله بسبب عمل بنات فيه من قبل مجموعة مجهولة. أعقب هذا الهجوم عبوة صوتية انفجرت على مقهى في قضاء أبي الخصيب جنوب محافظة البصرة في 2 شباط/فبراير، بعد ثلاثة أيام من الحادث السابق.
في 30 نيسان/أبريل من نفس العام انفجرت عبوة محلية الصنع أمام “كوفي شوب” في إحدى المناطق شمالي البصرة، قالت مصادر صحفية إنها “تزن 100 غم، وتسببت بإلحاق أضرار مادية دون البشرية”.
في الثاني عشر من نيسان/أبريل 2019، انفجرت عبوة صوتية وضعت بعد منتصف الليل قرب مقهى شبابي في منطقة البراضعية وسط البصرة أسفرت عن أضرار مادية. تبع ذلك استهداف لكوفي شوب “الباشا” الواقع في منطقة الشمشومية بعبوة ناسفة محلية الصنع في الثالث من حزيران/يونيو 2019.
أخيرًا: طبّقوا الشريعة وإلا تزعزع الأمن بالحديد والنار!
مؤخرًا، عُثر على رسالة مجهولة المصدر، موجهة لـ”أصحاب القرار ومن يعنيه أمن واستقرار البصرة”، حملت تحذيرًا من “انتشار مراكز بيع المخدرات والخمور والمتاجرة بالنساء ومراكز المساج”. ووضعت الرسالة أصحاب القرار أمام خيارين، إما أن يقوم أصحاب القرار بإغلاق الكافيهات التي تتاجر بالنساء والأطفال والمخدرات، ويمنعوا النساء من العمل فيها، أو أن يقوم أصحاب الرسالة بنفسهم بتنفيذ المهمة وبطريقتهم الخاصة، التي قد تزعزع أمن واستقرار البصرة، بحسب نص الرسالة.
في رسالة أخرى موجهة إلى إحدى المولات، جاء فيها تحذيرٌ من إقامة حفلات غنائية مصحوبة بمجموعة من الراقصات خلال أيام عيد الفطر. وحملت الرسالة تحذيرًا لإدارة المول لينتهوا من ذلك بإرادتهم، وإلا انتهوا بالحديد والنار، وبذلك ستتعر ض حياة العائلات البصرية للخطر، واصفين هذه الأفعال بـ”المشينة والممنهجة لسلب الهوية الإسلامية من بصرة الشهداء”.
يقول ليث عبد الرحمن إن “الرسالة المكتوبة التي حملت هذا التهديد وجدت في مول اسمه شنشل، يقع في منطقة تجارية تسمى الجزائر”. ويشير عبد الرحمن لـ”ألترا عراق”، إلى أن “التهديد تم إيصاله إلى المول المذكور قبل يوم واحد من عيد الفطر بسبب تحضير لافتتاح مطعم كان يُفترض أن يغني فيه الفنان حميد منصور، وبعض الفنانين المحليين”.
لفت عبد الرحمن إلى “شكوك دائمة تنتاب الكثير من المواطنين حول حزب الفضيلة في إرسال مثل هذه الرسائل، وذلك بسبب سوابقهم في تفجير الكافيهات”.
وكان عدد من المتظاهرين البصريين قد أحرقوا مكتب حزب الفضيلة في 6 أيلول/سبتمبر 2018، عشية التظاهرات الحاشدة والأحداث العنيفة التي حدثت في المحافظة صيف العام الماضي على خلفية تردي الخدمات وتفشي البطالة.
المصدر / الترا عراق