متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / السبت 16 . 01 . 2016 — منذ أن إنطلقت المحاولات الأولى لإنشاء كيان آل سعود ، وخلال فترة حكم سعود الأول ( 1803 – 1814مـ ) إندفعت قواته المشحونة بالعقيدة الوهابيّة لإحتلال بلدين أساسيين العراق والشام ، وفي طريقه لغزو الشام قتل ( 5000 ) إنسان من شرق الأردن لأنهم كانوا يُقيمون ” عُرساً ” وفيه إختلاط بين الرجال والنساء !!! ولكنه هزم شرّ هزيمة على حدود سوريا ، وعاد خائباً إلى مغتصباته التي شكلها بالتعاون مع الإنجليز واليهود المتصهينين والعثمانيين .
في موسم حج 1220 هـ – 1805 مـ منع سعود الأول على المصريين والسوريين والعراقيين أن يحجوا بذريعة أنه يخشى منهم ، وأنه لا يعجبه إسلامهم ! . حيث قال سعود الأول بن عبد العزيز بن محمد بن سعود لأميري الحج المصري والشامي : ما هذه ” العويدات ” التي تأتون بها وتعظمونها ؟ – ويقصد بذلك المحمل المصري والمحمل الشامي – فأبلغاه بقولهما : ” ان هذه العويدات هي المحمل المصري والشامي ! وهي عادة قديمة جارية إتخذت لتجميع الناس والحجاج حولها مُتكتلين مُتحدين ضد قطاع الطرق ولصدّ العدوان ” . فردّ سعود على أهالي مصر والشام قائلا : ” إنكم يا أهالي مصر والشام إذا فعلتم ذلك غير هذا العام فاني أُكسّر المحمل الشامي والمصري ، وأقتل جميع الحجاج ، وهناك شروط أخرى عليكم يا أهالي مصر والشام تنفيذها :
أولا : أن لا تحلقوا لِحاكم .
ثانيا : أن لا تذكروا الله بأصوات عالية ، أو تنادوا بقولكم ” يا محمد ” .
ثالثا : أن يدفع كلّ حاج منكم جزيه قدرها عشرة جنيهات من الذهب لجيبي الخاص .
رابعاً : أن يدفع أمير الحج المصري والشامي كل منهم عشر جواري ، وعشرة غلمان لون أبيض كلّ سنة.
و في موسم الحج لعام 1221 هـ 1806 مـ كتب سعود الأول إلى أمير الحج الشامي ( وأمير الحج الشامي يكون والي دمشق حصراً ، ويلتحق بقافلته التي يقدر عديدها في كلّ عام من 30 – 40 ألف حاج كل حجاج بلاد الشام ، والأعاجم القادمون من خلف الحدود عبر تركيا ) وكان أمير الحج قد وصل بالحجاج إلى قرب المدينة المنورة ، يقول له : لا تدخل الحجاز إلا على الشروط التي شرطناها في العالم الماضي . فرجع حجاج الشام تلك السنة من غير حج ، أما حجاج مصر فقد امتنعوا من أنفسهم ولم يحجوا تلك السنة وهم على مضض ، ولم يَحج أهالي مصر والشام واليمن كلياً طيلة ست سنوات بعد هذا الموسم .
ثار العرب والمسلمون في اليمن وقلب الجزيرة العربية وفي الشام ومصر بوجه خاص فبدأ الضغط العربي على الاتراك من جهة ، وعلى محمد علي حاكم مصر حينئذ من جهة أخرى ، وأقتنع محمد علي حاكم مصر بأنه لا عزة لهذه المنطقة كلها ما لم تُجتث العائلة السعودية والعائلة الوهابية من جذورهما ، فجمع قادته في القاهرة ومن بينهم ابنه إبراهيم باشا ، وطلب منهم إعطاء الرأي بالطريقة التي يرونها للتخلص من الاسرتين الشريرتين. فأخذ كل واحد يبدي رأيه . فقام محمد علي وأحضر تفاحة ووضعها في وسط سجادة كبيرة مفروشة في مجلسه ؛ ثم طلب من كل واحد من الحاضرين أن يأخذ التفاحة دون أن تطأ قدمه على السجادة ، فاحتار الجميع إلا أن إبنه إبراهيم باشا لم يُعجزه الحلّ ؛ فطوى السجادة من طرفها بيديه دون أن تطأ رجليه السجادة حّتى وصل إلى التفاحة فأخذها وأكلها . فوقف له والده احتراماً ثم قال : أردت بذلك أن أختبر ذكائك بهذه الطريقة لأقول لك بعد هذا أنت الذي سيكون لك شرف تخليص العرب والجزيرة العربية والمسلمين والديار المقدسة من هذه النكبة بهاتين الاسرتين الوهابية والسعودية . فانطلق إبراهيم باشا يطوي طغاة الجزيرة العربية واحداً تلو الاخر مثلما طوى تلك السجادة في القاهرة . وفي سنة 1813 تمكن العرب بقيادة إبراهيم باشا من تحرير مكة والمدينة المنورة والطائف من رجس السعودية – الوهابيّة – واليهودية المتصهينة . إلا أن بقايا آل سعود وآل الشيخ – الذين ينتمي اليهم المجرم محمد بن عبد الوهاب – عادوا من جديد بدعم بريطاني – عثماني – يهودي متصهين ، وكرروا ذات الأفعال حيث أعادوا الحجاج السوريين إلى ديارهم بلا حج في العام 1959 أيام الوحدة بين مصر وسوريا ، وقتلوا الألآف من أبناء جزيرة العرب قبل وبعد ذلك .
لو نظرنا الى اسرائيل فهي مجموعة من فُتات الامم وسِقطها ، ويشبهه الى حد بعيد تلك العوائل التي تحكم جزيرة العرب ، وكلاهما يكنّ العداء للمسيحيّة الأولى ، ويسعى لإجتثاثها من مهدها في المشرق العربي تمهيداً لحربهم الدينية الطاحنة بين إسلام متصهين ويهوديّة متصهينة من جهة والإسلام المحمدي والمسيحيّة الأولى من جهة أخرى . والعدو الحقيقي لهذا الشتات ؛ وفي العمق هو الرابط القومي ؛ والذي من نتائجه الحتمية إسقاط القبائل والقبليّة لصالح الامة والقوميّة ، وتحرير فلسطين . والقطر العربي الوحيد الذي أنتج فكراً قوميّاً وما زال مؤمناً به ، وأميناً عليه هو سوريا . وسوريا هذه في طريقها لإستثمار مخزونات غازيّة ونفطيّة هائلة ؛ أي أنها دولة تمتلك مشروعاً قوميّاً مناهضاً للحكم الرجعي القبلي المتصهين في جزيرة العرب ولإسرائيل ، وهي في طور الحصول على عوائد ماليّة ضخمة من مخزونات النفط والغاز تساعدها على الإنفاق على هذا المشروع الضخم من جهة أخرى . وبذلك تكون سوريا الدولة الأخطر في البقعة الأكثر خطورة في العالم .
تعامل آل سعود مع” نعمة” النفط والغاز والأماكن المقدسة وفق منطق قريش – الإلحاقي ، الإحتكاري ، الوظيفي … – ورؤيتها للأماكن المقدسة ، والحصاد الموسمي لمدخرات الحجاج والمعتمرين ؛ حيث بلغ مؤخراً الريع السنوي المباشر لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرون 16 مليار دولار. وجزء أساسي من تراث قريش المالي والتجاري مرتبط برحلتي الشتاء والصيف ، حيث ينطلق القرشيون إلى اليمن والحبشة في رحلة الشتاء ، والى بلاد الشام في رحلة الصيف . وما نراه اليوم من إحتلال وإعتداء وتخريب سعودي لليمن لا يخرج في بعض جوانبه عن هذا المنطق الإلحاقي – الإحتكاري – الوظيفي …. وأمّا سوريا فالحكاية معها أعقد وأعمق ؛ فهي كانت دائما خارج نفوذ مكة سابقاً ، وآل سعود حديثاً ، بل من دمشق حُكمت مكة وكلّ جزيرة العرب ، وهذا سبب عميق للحقد والكراهيّة والثأر
بعد إكتشاف الغاز بكميات كبيرة في جزيرة العرب وأرضها وشواطئها ” إمتلك ” آل سعود وآل ثاني في قطر فيوضات غازية ونفطيّة هائلة لا يمكن إستثمارها بشكل مجدِ عبر الناقلات والحاويات الغازيه والنفطيّة ؛ فاقصى ما يمكن ان تُصدره بهذة الوسائط هو 10% من امكانياتها الغازية خلال عشرة اعوام ، بينما يمكن رفع هذه النسبة لأضعاف عديدة من خلال مدّ الأنابيب لنقل الغاز والنفط ، وما من ” مصب ” أقرب وأيسر من سوريا وسواحلها ، وهي بذات الوقت الأقرب للبحر المتوسط ولشراين المستهلكين في أوروبا ، وهي الأبعد عن ” حرج ” التعامل المباشر مع اسرائيل. أي أن خطوط الغاز والنفط من الجزيرة الى سوريا في عقيدة آل سعود تُشبه قوله تعالى ” لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ” ، ويحاول آل سعود الحلول مكان ابوسفيان في إنجاز هذه الرحلة مجدداً بالسيطرة على رحلة الغاز والنفط . ومن هنا يمكن تفسير بعض الحقد على الرئيس بشار الأسد ، وسوريا المقاومة ، والغزل الكبير بين عائلة آل سعود واسرائيل ، وجزء أساسي من الدوافع وراء ترويج العداء للمسلمين الشيعة لحرف الصراع عن وجهته وهويّته وأطرافه … ليمكنوا من التعامل مع كيان العدو بكل ” أريحيّة ” طالما أن سوريا عصيّة عليهم .
قيل يوماً أن لا حرب بلا مصر ولا سلام بدون سوريا ، ولكن هذة الفرضية تم تجاوزها وإختراقها سورياً ، ولنكون أكثر تحديداً وإنصافاً تم تجاوزها وإختراقها بفعل عقل الراحل الكبير حافظ الاسد ، حيث أبدعت عبقريته نوع من ” العنف المسلح المشروع ” يكون أدنى من الحرب النظاميّة – وإن كان اكثر قوة وإستنزافاً وثأثيراً – وأكبر من المقاومة البسيطة التقليديّة ، ويجعل بذات الوقت السلام أبعد ما يكون عن التحقق دون تلبية الشروط الوطنيّة والقوميّة . فتمّ إسقاط فرضيّة أن لا حرب بلا مصر ، فتمكن الراحل العبقري من جمع مفاتيح الحرب والسلم بيده ، ومن هنا أيضاً تظهر أهمية الصراع الروحي والوجداني والمادي الذي يخوضه الحلف الرجعي العربي – السعودي – الإسرائيلي – الغربي مع الممسك بهذه المفاتيح اليوم – الرئيس بشار حافظ الأسد – ، وضرورة ضربه بكلّ قسوة حتى يترك من يده أحد هذين المفتاحين أو كليهما .
مملكة آل سعود لا تملك بحراً خالصاً خاص فيها ، والساحل الطبيعي لجزيرة العرب هو الشواطيء السوريّة واللبنانيّة والفلسطينيّة . في الخليج العربي هناك إيران – حليف سوريا المخلص – وعلى المحيط الهندي هناك عُمان التي رفضت مؤخراً الوحدة الخليجيّة بدعوة من عبد الله آل سعود ، واليمن الذي لم يكن يوماً حليفاً كاملاً لآل سعود ، وخصوصاً الشطر الجنوبي منه ، وعلى البحر الاحمر هناك الثقل المصري الهائل ، ويفسر هذا الّلهاث السعودي خلف مصر والمليارات والإغراءات الماديّة الكبيرة المقدمة لها – وآخرها إستعداد مملكة آل سعود لتشغيل 100 ألف عامل بناء مصري في أرض المملكة لضمان بقائها متحالفة مع مملكة آل سعود أو محتاجة إليها بقوة في الحدود الدنيا . وهذا عامل آخر يُفسر الإنفتاح السعودي العلني على اسرائيل تمهيداً للتحالف معه ، ومدّ خطوط النفط والغاز إلى أوروبا عبره إن فشل مشروعهم الدموي في سوريا ( ولنتذكر جيداً هنا كلام الوليد بن طلال وتركي الفيصل وسفير آل سعود في لندن ) والذي لا يمكن أن يتم إلا بضرب وتخريب عقل وذاكرة المشرق العربي في عواصم العقل العربي تاريخاً ؛ دمشق وبغداد والقاهرة . فيفقد العقل منطقه ، وتتبدل معادلاته ، وتتحطيم الذاكرة والهوية ؛ فيصبح يسيراً البناء وهابياً –اسرائيليا – غربيّاً على ما تهدم حضاريّاً – مشرقيا – عربيّاً .
بات العالم يدرك يقيناً بأن الأحاديّة القطبيّة إلى زوال ، ولذلك يحاول الحلف الرجعي العربي – السعودي – الإسرائيلي – الغربي مرعوباً ” شراء الوقت ” من خلال إطالة أمد الحرب على سوريا ليتسنى له ” حفر خنادقه ” ، وعقد تحالفاته وتظهيرها ، وإستمالة ما أمكنه من دول الإقليم والقوى الفاعلة فيه بالتهديد تارة وبالإغراء تارة أخرى … تمهيداً لحرب قادمة حتماً بين هذا الحلف الممتد من تل أبيب وصولاً للرياض تحت الرعاية الأمريكيّة ، وحلف تشكل منذ سنوات وخاض معارك عديدة وأنتصر فيها يمتد من فلسطين إلى رأس الناقورة إلى دمشق وبغداد وطهران تحت الرعاية الروسيّة . والصراع سيأخذ مساراً تصاعدياً في شدته لآن إمكانيات التسوية والمهادنة ضاقت بشكل كبير جداً ، ونقاط الصدام والإشتباك تتسع وتتزايد بشكل كبير جداً من بيونغ يانغ إلى كييف مروراً بكابُل وطهران وبغداد وصولاً لدمشق وعمّان والقاهرة وبيروت والقدس ، والحلول غير ممكنة إلا بهزيمة كاملة وموصوفة لأحد الحلفين .
المصدر : الغلاف