السيمر / فيينا / الاثنين 18 . 11 . 2019
أربع مقالات ننشرها للكاتب نصال حمادة, تتناول خفايا الحراك ومن وراء الحراك, العنوان هو “في مواجهة العاصفة” ماذا يُخطط وكيف يجب أنو نواجه, نترك لكم الجزء الأول لنتابع معكم بقية الأجراء لاحقاً.
نضال حمادة / باريس
عاد الحريري من الإمارات دون الحصول على السلفة التي كانت حجة الزيارة، بينما كانت المظاهرات في العراق قد بدأت مع بداية زيارته للإمارات، وكان الجميع بانتظار كلمة السر الإماراتية لإعلان استقالة وزراء القوات واللقاء الديمقراطي والنزول إلى الشارع. وتشير معلومات مصادرنا أن المخطط الإماراتي كان غير مستعجل، ويراقب حركة التظاهرات في العراق وحجمها وتجاوب الناس معها، لكن شيئاً حصل لم يكن في حسابات الإماراتي والمتعاونين معه في لبنان، أتى قرار الحكومة اللبنانية بفرض ضريبة جديدة على تطبيق التواصل الاجتماعي واتس آب ليثير غضب الناس التي تداعت للنزول الى الساحات وسرعان ما كانت ساحتا رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت ممتلئة بالمتظاهرين، بدأت التظاهرات التي خططت لها الإمارات لكنها بدأت مبكرة وفي غير وقتها المناسب. فالوضع في العراق لم ينضج بعد والوضع في اليمن لم يتحرّك، وأدى اعتقال روح الله زم الى القضاء على الخطة في شقها الإيراني قبل أن تبدأ.
في 19 تشرين الأول أي بعد يومين من بدء التظاهرات أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع استقالة وزراء القوات من الحكومة اللبنانية تطبيقاً للخطة الإماراتية، لكن هذه الاستقالة أتت يتيمة فقد أخبر وليد جنبلاط جعجع والحريري أن الخطة فشلت وأن وزراء اللقاء الديمقراطي لن يستقيلوا، وفي يوم 21 ألقى الرئيس الحريري خطاباً قدّم فيه حزمة وعود بالإصلاحات، لكن التظاهرات لم تهدأ بل ازدادت وتيرتها بمشاركة أنصار الحريري نفسه، وعادت الضغوط الأميركية تمارس على الحريري للاستقالة ونال جنبلاط نصيبه من هذه الضغوط لكن ضغوطاً وتهديدات مقابلة كبحت نزعته نحو استقالة وزارئه فأصبح ينتظر استقالة الحريري.
قدّم حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل كل التطمينات للرئيس سعد الحريري حتى لا يقدم استقالة الحكومة، كانت الأمور تراوح مكانها وكل طرف ينتظر مآلات الأمور في العراق، خصوصاً حلفاء واشنطن في الحكومة اللبنانية. وسرعان ما صعد حلفاء إيران الموقف هناك وأعلن عادل عبد المهدي عدم نيته تقديم استقالته بأي حال من الأحوال. حصل هذا صبيحة يوم 27 تشرين الأول وفي مساء اليوم نفسه وفي تكرار لسيناريو مقتل بن لادن مع بدء المظاهرات العربية عام 2010 وهروب مئات من مسلحي القاعدة من السجون العراقية نفذت أميركا عملية اغتيال لخليفة داعش المزعوم أبو بكر البغدادي وبقتله أنهت أميركا داعش المعروفة تاركة المجال لداعش المجهولة. تزامن هذا مع هروب المئات من مسلحي داعش في الأيام التي سبقت مقتل البغدادي وبعدها من سجون أكراد سورية بفعل العملية العسكرية التركية وتوجههم نحو العراق. كانت هذه رسالة واشنطن لقرار عادل عبد المهدي عدم الاستقالة. بعد يومين أي في 29 تشرين الأول الماضي غادر مقتدى الصدر بيروت التي كان فيها لأسابيع عدة متوجّها الى العراق وبعدها بأيام عدة غادر الى طهران بعدما قدمت له المخابرات الإيرانية أدلة قاطعة ان الهدف المقبل لأميركا في العراق قتل مقتدى الصدر لتأجيج الشارع العراقي وإيصال الأوضاع في العراق إلى نقطة اللاعودة، بمغادرة الصدر العراق الى إيران بدأت معالم القوة تظهر على عادل عبد المهدي الذي بدا يعلن صراحة تحدّيه للمتظاهرين وبدت المظاهرات في العراق عبثية ليس بإمكانها تحقيق أي هدف بعد الانسحاب المفاجئ للصدر وذهابه إلى طهران وسقوط الرهان على تفكك الساحة الشيعية في العراق.
في الفترة نفسها كان حزب الله يعيد لملمة أوراقه في الساحة اللبنانية، واتضح ان الضغوط الأميركية في العراق التي لم تجد نفعاً انتقلت الى لبنان حيث أبلغ الحريري حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر نيته الاستقالة، وقال في اجتماع مع الوزير علي حسن خليل ومع المعاون السياسي لأمين عام حزب الله حسين الخليل أنه يتعرّض لضغوط كبيرة ليقدم استقالة حكومته، ملمحاً من الزاوية الأميركية، وصبيحة يوم الاستقالة اقترح الرئيس نبيه بري إرسال الخليلين الى الحريري لكن أمين عام حزب الله كان رأيه عدم إرسال أي أحد. قدّم الحريري استقالة حكومته يوم 4 تشرين الثاني لتبدأ بعدها مباشرة عملية ضغط في الشارع تمّ إقفال طريق الساحل بين بيروت والجنوب وإقفال طريق البقاع – بيروت في أكثر من نقطة بالمقابل وجّه حزب الله تحذيراً بضرورة فتح طريق الجنوب وإلا سوف يقوم بفتحها بالقوة، وبالتالي أصبح هناك أمر واقع يقضي بعدم الإغلاق التام لطريق بيروت – الجنوب وبيروت – البقاع مع تحرّكات عرضية على الطريقين لإثبات الوجود.
في الشأن السياسي أفصح الحريري عن خياره بتأليف حكومة تقنية خالية من الأحزاب يختار هو غالبية أعضائها ما يعني خروج حزب الله من الحكومة. وهذا ما رفضه الثنائي الشيعي ثم انتقل الضغط الإعلامي باتجاه رئيس الجمهورية لإقالة جبران باسيل، وصل تأثير هذا الضخ الإعلامي الى محيط الرئيس عون وبحصيلة المشاورات بين رئيس الجمهورية وحزب الله تقرّر إيفاد الوزير سليم جريصاتي الى دارة الحريري الذي أبلغه أن التيار يقبل عدم توزير باسيل مقابل عدم ترؤس الحريري الحكومة، استشاط الحريري غضباً من هذه المقارنة مذكراً جريصاتي أن التسوية الرئاسية كانت عون رئيساً للجمهورية مقابل الحريري رئيساً للوزراء.
على خط الخليلين كان التواصل مع الحريري مستمراً وتم الاتفاق المبدئي معه على حكومة تكنوسياسية، لكنه اشترط أن لا يكون جبران باسيل وزيراً فيها كما طلب من حزب الله إبلاغ باسيل بالأمر، أتى الجواب فلتبلغه أنت. أبلغ الحريري الرئيس عون بخياره رفض رئيس الجمهورية هذا الاقتراح، ودخل لبنان في وضع لا يُحسَد عليه من كل الجهات مع ملاحظتين الأولى ان من يقود الشارع حالياً هو سعد الحريري مباشرة وأن حزب الله امتصّ صدمة التظاهرات في لبنان وأصبح مطمئناً أكثر لتطورات الأوضاع في العراق واليمن..
*كاتب لبناني
لاحقاً الجزء الثالث
اعتقال روح الله زم: هكذا أفشلت مخابرات الحرس الثوري خطة الحراك في إيران..
المصدر / اضاءات