الرئيسية / الأخبار / الكربولي… قصّة لص
وهل هناك من يستطيع ان يحاسب ويقتص من المتحاصصين ؟

الكربولي… قصّة لص

متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية — باتت اللصوصية وَالاخْتِلاَس في العراق، منهجاً “وصوليا” لبلوغ المقاصد في السياسة والثروة، لدى أولئك الذين سرقوا الملايين من أموال الشعب.
وهؤلاء، توهّموا بعد أن استتبّ لهم الأمر، انهم أمِنوا العقاب، فطمحوا إلى أكثر من ذلك، في أن يصبحوا من عُلِّيَّةِ القَوم وأَشْراِفِهِم، على سلّم من الإغراءات والعطايا للتابعين، لتبرز ظاهرة “السياسي التاجر”، و “متعهّد المقاولات” الذي يعدّ ممارسة السياسة “مهنة” تدر عليه المليارات، وفي ذات الوقت تغدق عليه، بالحصانة والجاه.
وأحد أبرز أولئك الذي نبتت جذورهم في مستنقعات السياسة الآسنة بعد 2003، جمال الكربولي، الرجل المغمور والمطمور، الذي أتاحت له الأقدار -غالبا ما تخطأ-، البروز سياسياً، ممثلاً لأهل السنة، و”البِراز” اجتماعيا فكأنه ذلكم اللص المحترف، المتحالف مع وكَلاء شرطة، لتمرير صفقاته، فارتقى إلى القمة، على وضاعته، وقلّة شأنه، على سلّم صفقات كان فيها ماله السياسي، ممّا سُرِق من ميزانية الهلال الأحمر العراقي، وقدّرت قيمته وقتها بخمسين مليون دولار أمريكي، لتكون العامل الحاسم لجهة “صعوده” السياسي، و”سقوطه” الأخلاقي.
وبعد أنْ مرّت واقعة السرقة الكبرى بسلام، أدرك الكربولي انه في مأمن – والدنيء حين يرى السلامة يتمادى في غيّه -، من أن تحجز أمواله أو يتم استردادها عن طريق الانتربول، وزاد من تحصينه لنفسه بإغداق الأموال على هذا وذاك، من أصحاب النفوذ السياسي والعشائري والاقتصادي، من مستأجَرين، و مخدوعين، لكي يعبّد السكة لقطاره السياسي الذي مضى، مطلقاً صفارة الانتصار.
وأخيراً وليس آخراً، ما أفادت به مصادر بإن رئيس “حركة الحل”، جمال الكربولي، يسعى في سباق محموم مع مالك قناة “الشرقية” سعد البزاز، إلى الهيمنة على هيئة الاعلام والاتصالات بترشيح محمد الحلبوسي لرئاستها، في الوقت الذي يطمح فيه البزاز الى تسخير الهيئة لأجندته المرتبطة بقوى إقليمية عبر ترشيح مدير الأخبار في قناة الشرقية، علي وجيه، لشغل منصب رئيس الهيئة.
هذا الاحتدام في الصراع بين الكربولي والبزاز، أدى إلى تقديم الكربولي للبزاز مبلغ 5 مليون دولار، لكي ينسحب من المنافسة ويتوقّف عن ترشيح مدير اخبار الشرقية.
وفيما يشيع الكربولي، أنباء قطيعة في العلاقات مع وزير الكهرباء، قاسم فهداوي، تشير المعلومات من مصادرها المطلعة إن هذه الأخبار التي يسوقها كلا من الكربولي والفهداوي عارية عن الصحة، وان العلاقات بينهما في أحسن أحوالها بعد أن وطدتها الصفقات بينهما والتي أثمرت عن سرقة الملايين من الدولارات التي ذهبت إلى جيوب هذيْن السياسيّبِّن “المتّهميْن بالفساد”، ليدفع وزير الكهرباء قبل نحو شهرين، مبلغ 6 مليون دولار، “عربون” تعزيز صداقة وإزالة “سوء فهم سابق” مع الكربولي، فيما بلغت عمولة ابراهيم الصميدعي 100 الف دولار.
ورويداً رويداً، لوّن الكربولي الطلاءات السياسية التي صبغ بها وجهه، لتحل ملامح “المتاجِر بالسياسة” محل “القبلي البريء”، وكل هذه الأصباغ أقنعة لها مفعول السحر على الإمّعاتُ المغفّلين الذين يغدق عليهم الكربولي بالأموال والذين ساعدوه في نقل ملفات فساده من بغداد إلى الأنبار، لتصبح في طيّ المجهول.
ولانّ ثروة الكربولي، المملوءة أخلاطاً فاسـدةً، قذرةً، لم تثمر عن تعب، أو عصامية، فانه ينثر الدولارات من دون وجع قلب، ومن دون تمييز بين راقصة تهز البطن بين ذراعيه، أو سياسي يكيل له الثناء، ويمرّر له أجندته.
لم يكن وجه الكربولي المنتفخ، سوى طبعة غير منقّحة لسارق بذمته عشرات الملفات الجنائية، صار برجوازياً، فيما كرشه المتدلي أمامه – يضعه في صنف الحيوانات المجترّة- وهو يسير يفصح عن خطوات غير متّزنة، مختلّة، بفعل شعور الدونية الذي ينتابه، وأحاسيس الخوف التي تراوده، من عقاب ينتظره، بعدما سرق أموال المساكين والفقراء.
ربطة العنق التي تزيّن عنقه، بدت كما لو إنها حبْل في رقبة جمل هائج لا يلوي على شيء، لقلقه، ووسواسه القهري الذي لازمه بسبب الإحساس بعدم الأمان، لما اقترفه من سرقات وأعمال قتل.
وحتى حين يرتدي الكربولي بدلته الزرقاء والرمادية، لم تغب عن أعين أولئك الذين يعرفونه، صور اللص والقاتل الذي ارتكب أعمال التصفية الجسدية (لنتذكر محاولة الاغتيال الفاشلة لوكيل وزير التجارة عام 2006 في شارع النقابات وهروب الجناة الى الهلال الأحمر) الذي يتخفى خلف منصب من مثل رئيس “حركة الحل”، أو صاحب مشروع اعلامي من مثل قناة “دجلة” الفضائية، أو رجل الأعمال يوزّع مساعدات على الفقراء.
ولم ينجح الكربولي في دفن ملفات السرقات والقتل فحسب، بل بنى فوق القبر الذي انطمرت فيه أوراق فساده، سلّما صعد عليه
شقيقه أحمد ليتسنّم منصب وزير الصناعة في الحكومة الثانية، تزامنا مع تأسيسه لشركة مقاولات عملاقة في عمان برأس مال يتجاوز الـ(250) مليون دولار.
وعلى شاكلة جمال، بات أحمد الكربولي، مّتهما من قبل النزاهة، لتصدر مذكرة قبض بحقه في 2014، بتهمة “الإثراء غير المشروع”.
ولم يفكّ الُإثراء والأموال الطائلة، عقدة النقص الكربولية فقد ظل يشعر بالدونية تجاه الآخرين، ووجد أنّ لا دواء لعلته هذه سوى الجاه السياسي فهو الوحيد الذي يخمد نوبات الدونية، ليتحوّل إلى سمسار سياسي بامتياز في مرحلة التفاوض لتشكيل الحكومة، واضعا نصب عينيه الوزارات الخدمية، لأنها الدجاجة التي تبيض ذهباً، على طريق الاستحواذ الكلي على أصوات المكون السني، وتصدّر قيادة (تحالف القوى الوطنية) السنيّة حتى بات سعر النائب في بورصة الكربولي نحو المليوني دولار، فيما بذل قصارى الجهد، لإزاحة زعماء سنّة من اليسار واليمنين، إسلاميين وعلمانيين، عن قيادة أهل السنة، وطرح نفسه البديل لهما.
وتحت متطلبات التبيعة لدول مثل السعودية وقطر، أوجد له منافذ للاستثمار في تلك الدول المعادية لبلاده، لتزداد ثروته.
ولخشيته من تلاشي نفوذه السياسي في الأنبار، وانكشاف أمر تقصيره في المساهمة في تحريرها، دوّن في 9 نوفمبر 2014 على صفحته في “فيسبوك”، إن “الحشد الشعبي، غير مرحّب به”، في تعطيل واضح لجهود الحرب على داعش.
ولم تكن صفقات الكربولي السياسية والمالية خالية من الأساليب القذرة في إغراء الزبائن وتوريط العملاء، ذلك انه وأفراد عائلته أوغلوا في ذلك، ففي أيلول 2014 نقلت مصادر، إن أحد أبناء ناصر الكربولي، سهر في ليلة حمراء “رشّ” فيها الدولارات رشّاً على راقصات وبنات ليل في احدى ملاهي لبنان، وقد التفّ حوله أولئك السماسرة السياسيين والماليين المتربطين بحيتان الفساد في داخل العراق وخارجه.
ووصل الأمر، بحسب اخبار لم يتسنّ التأكد من صحتها، إلى شراء الكربولي، شقة سكنية لراقصة بمبلغ ستمائة ألف دولار، ثمناً لتوطيدها علاقته مع رجال أعمال وسياسيين عراقيين وعرب.
وفي آب 2014 كتب غانم البياتي، إنّ جمال الكربولي اشترى عدداً من النواب السنة بمبالغ تصل إلى مليون دولار لكل رأس. وهذه الأموال التي ينفقها في إفساد النواب، سيحصل على أضعافها في صفقات فساد وزارية، كما خطط لذلك في منزله الذي يرتاده بين الفينة والأخرى، في حي الحارثية ببغداد، وتتجاوز قيمته مليارات الدنانير.
وإحدى هذه الصفقات الناتجة عن امتداد أذرعه إلى الوزارات، تهريبه وأشقائه احمد ومحمد ناصر الكربولي، لنحو ستين طناً من مادة النحاس من منشآت حكومية بلغت قيمتها أكثر من 80 مليون دولار أمريكي.
لكن وصف الكربولي بالسارق ظلم له، فهو “أكبر” من ذلك، انه زعيم مافيا، – تضمّ فيما تضم، أفراد الأسرة والعشيرة-، يقتل ويسرق، ويهجّر، ثم يحتشي فنجان القهوة، على أشلاء ضحاياه.
وأحد أفراد هذه المافيا، محمد الكربولي، المخدوع ببريق الدرهم والمغترّ بنفوذ الأسرة، الذي هرب من بغداد، بعد اتهامه بالإرهاب، إلى سوريا ولبنان حيث الليال الحمراء مع الراقصات، في عمارة في جونية، لكنه عاد وأصبح نائباً.
أما لؤي الكربولي، فليس كمثله صاحب ولا قرينٌ في المجون والإسراف، وتوزيعه قناني الشمبانيا المفتوحة في ملاهي الليل، واصطحابه بنات الهوى في سيارته “الرانج روفر”.
وفَعَلَ الأمر نفسه أحد أبناء ناصر الكربولي، المعروف بإدمانه ارتياد ملاهي لبنان، ونثر دفاتر الدولارات، على أجساد المومسات.
هذه المافيا الكربولية اشترت كافة مدراء المراكز الانتخابية في الأنبار، وولاء شيوخ العشائر، بعد إغراءهم بالسيارات والعطايا، واشترت أصوات زعماء القبائل بأسعار بين أربعة آلاف إلى خمسة ألاف دولار أمريكي، ناهيك عن توزيع “شكلي” للغذاء والدجاج والزيت على الفقراء.
كما امتدت أذرع هذه المافيا الإخطبوطية إلى تطبيقات برامج الاتصال المجانية في العراق في 2013 في صفقة فاسدة مع رجل الأعمال العراقي فاروق مصطفى، مؤسس إحدى شركات الاتصالات، لاحتكار الاتصالات وجعل المواطن العراقي رهينة الجشع.
وجمال ناصر دلي أحمد، من عشيرة الكرابلة، وهي أكبر عشائر الدليم في محافظة الأنبار، ولد في المسيب 1965، وأكمل الدراسة الإعدادية فيها، ثم درس الطب في جامعة بغداد (1990-1991).
مارس العمل الإنساني في العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي، على أمل الصعود السياسي، وتدرج في سلم مسؤوليات الهلال الأحمر العراقي، حتى سرق من ميزانيته، ما سرق، وهي من أكبر السرقات التي حدثت في العراق منذ 2003.
اعتُقل بحسب موسوعة ويكيبيديا، عدة مرات من قبل الحكومة العراقية، بسبب اتهامات له بالفساد ودعم الإرهاب.
ولكي يحقق طموحه السياسي، أعلن عن تأسيس الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية (الحـل) في نيسان 2008، ثم اصبح عضوا في الهيئة القيادية لائتلاف العراقية، ومساهما في تأسيس ائتلاف العراقية التي شاركت في الانتخابات البرلمانية لعام 2010، 2013، 2014.
وما ذُكر من تفاصيل رجل فاسد في كل جزئيات الأمور ودقائقها، لهو غيض من فيض، أكده مصدر في هيئة النزاهة في 6 آذار 2012، بقوله إن الهيئة تجري تحقيقا في صفقة وهمية كبيرة أجراها وزير الصناعة العراقي احمد الكربولي بتوقيع اكثر من 70 عقدا لشركات وزارته بشأن تطوير وتحديث خطوط الإنتاج، وتبين فيما بعد انه لم يتم تحديث أي خط وإنما كانت الصفقة لكسب المزيد من المال الذي تجاوز عشرات الملايين من الدولارات.
الكربولي اليوم على رغم زهوه، بات “المتبوع” من ذيول كثيرة، بحكم المالِ والمـآلِ، لكنه لم يكون سوى على شاكلة أقرانه من اللصوص، فلازال يُلاكم مثل ثور في حلبة الفساد، لكنه نزال سيؤول إلى سقوط حتما، “فما طار فاسد وارتفع، إلاّ وكما طار وقع”، كما يردد العراقيون في حياتهم اليومية.

   المسلة