أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالاتي / احمد الچلبي حلم بـ ” دولة المؤسسات ” فضاعت الدولة وضاع حلمه

احمد الچلبي حلم بـ ” دولة المؤسسات ” فضاعت الدولة وضاع حلمه

وداد عبد الزهرة فاخر*

لم يكن الرجل الذي حلم بازالة الدكتاتورية البغيضة ، واقامة دولة المؤسسات بديلا عن ” جمهورية الخوف ” يعلم عندما وطئت قدماه ارض السياسة الرخوة التي كثيرا ما تغدر بساكنيها بأن هذه الدولة ستكون فقط حلما عابرا. ولان دروب السياسة متعرجة وصعبة يجب ان يكون على من يقتحمها أن يضع عامل الفشل في اولى خطواتة مهما كانت خطوات ناجحة .
فأصغر ابناء الحاج عبد الهادي الچلبي الوزير والعين واحد رجالات العهد الملكي ، الذي استهوته السياسة فتحول من رجل مال وبنوك الى داعية بارز لاسقاط حكم دكتاتوري فاشي فاق في تصرفاتة وعدوانيتة ضد شعبه وشعوب المنطقة الكثير من الدكتاتوريين ، وسبقهم في شهوانيتة للقتل والتخريب واقصاء الآخر ، وأخيرا وجد نفسه بعد جهود مضنية من اجل اسقاط النظام الدكتاتوري وحيدا في دولة تتفكك ويتشرذم مواطنوها ان كان في الداخل العراقي ، او لخارج الوطن .
وقد برز دوره بدءا من مؤتمر المعارضة العراقية في مؤتمر بيروت مارس 1991 الذي ساهم بشكل أو بآخر في انعقاده ، وبرز كأحد الداعين لاسقاط حكم الدكتاتور صدام حسين ، بعد هزيمتة من حرب الكويت .لكنه كان اكثر فعالية بمؤتمر فيينا 6-19 حزيران/ يونيو 1992 ، حيث ساهم احمد الچلبي مساهمة فعالة ، وكان داينمو انعقاد هذا المؤتمر من خلال تشكيل لجان للاتصال بقوى المعارضة السياسية، رغم مقاطعة عدد من الاحزاب الاسلامية المعارضة المؤتمر . ولم يخف حصوله على دعم ” معنوي ومادي ” من وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA تكفل الچلبي بتمويل المؤتمر . وقد اجاب رداً على سؤال الصحفي اللبناني غسان شربل بتلقيه المساعدات ؟ اجاب الچلبي:_” طبعاً ، اخذنا مساعدات من الـ(( سي اي ايه )) منذ عام 1992 حتى 1996″. ( غسان شربل ، العراق من حرب الى حرب : صدام مر من هنا ) .
وكان اكثر قوة وحيوية في مؤتمر صلاح الدين 27-31 تشرين الاول 1992 المنعقد في اربيل / شقلاوة ، فقد كان الچلبي من الحريصين جدا على انجاح المؤتمر الذي جمع اغلب قوى المعارضة الفاعلة على طاولة واحدة، وكان يستقبل وفود المعارضة العراقية في المطار ، وفي هذا المؤتمر اتفقت قوى المعارضة على المضي بتشكيل المؤتمر الوطني العراقي ” الموحد” وتفعيل آلياته، وحضره ( 234 ) مندوباً يمثلون جميع الوان الطيف السياسي وهو اول مؤتمر للمعارضة السياسية العراقية يقام على ارض الوطن ، واقر المجتمعون مشروع النظام الاساسي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد من احد عشر فصلاً و 44 مادة واختير احمد الچلبي رئيسا للمجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد .
استثمر الجلبي علاقاته مع بعض اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي والسي اي ايه لتمرير قانون تحرير العراق لسنة 1998 وقد اجاز القانون للرئيس الامريكي تقديم مبلغ قدرة 97 مليون دولار من المساعدات العسكرية وغير العسكرية الى المعارضة العراقية يغطي كل شيء ويتكون القانون من سبعة اقسام اغلبها تصب في خانة اسقاط صدام حسين ولصالح المعارضة العراقية .
استمرت جهود الچلبي في اطار المعارضة السياسية لنظام صدام حسين وساهم في انعقاد مؤتمر لندن 14-16 تشرين الثاني 2002 الذي وضع التصورات النهائية لاسقاط صدام والمرحلة الانتقالية لما بعد صدام ومن ثم كتابة دستور دائم للبلاد وانتخابات عامة، كما ساهم في اعداد مشروع الـ ” المائة يوم ” لما بعد اسقاط صدام حسين وهذا المشروع يتأسس بلجنتين للاغاثة واعادة اعمار العراق وخرج بقرارات بلغت 22 قرار لمرحلة ما بعد صدام حسين .
ومن اجل عملية كبيرة مثل عملية اسقاط نظام غارق في الجريمة ، ويتطلب قوة او قوى عظمى لازالتة من الوجود فقد «وطّد علاقاته مع صحافيين من واشنطن ولندن، ومع مشرّعين أميركيين، وأيضاً مع المستشارين الذين ينتمون إلى تيار المحافظين الجدد، والذين ساعدوا في رسم سياسة بوش الخارجية»، كما قالت «نيويورك تايمز»، مشيرة إلى أنه «أنشأ شبكة علاقات واسعة مع العراقيين في المنفى، وكان عدد كبير منهم يتقاضى المال مقابل معلومات استخبارية عن حكومة صدام حسين».
وذكرت الصحيفة الأميركية ايضا أنه «أقام علاقات صداقة مع صقور الجمهوريين ــ منهم ديك تشيني، دوغلاس فايث، ويليام لوتي، ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز ــ الذين كانوا من الأساسيين في مسيرة الولايات المتحدة نحو الحرب، خصوصاً تشيني الذي كان نائباً للرئيس».
لذلك تتشعّب صلات الچلبي داخل شخصيات من الكونغرس، من خلال خيوط عدة، منها أنه أقنع المؤسسة التشريعية الأميركية عام 1998 «بتمرير قانون تحرير العراق، الذي وقّعه الرئيس بيل كلينتون، حينها، والذي أُعلن أنه السياسة الأميركية المتبعة لاستبدال حكومة صدام حسين بأخرى ديموقراطية». أما على مستوى العلاقة مع الاستخبارات، فقد أشارت الصحيفة إلى «المؤتمر الوطني العراقي» الذي أسّسه الچلبي، عام 1992، والذي كان «يحصل على أكثر من 100 مليون دولار من السي آي إيه، وغيرها من الوكالات، منذ إنشائه حتى بداية الحرب».
كل ذلك زاد من حلم الچلبی ، ووسع آماله بسقوط نظام صدام ، وحفز قوى اخرى على التعاون مع امريكا من اجل انجاز هذه المهمة الصعبة على التنفيذ بالنسبة للشعب العراقي الاعزل الذي فتح له نظام البعث الفاشي مئات المقابر الجماعية ، ورش مواطنيه الاكراد بالغازات السامة دون ان يطرف له جفن وهو يرى الآف الابرياء يسقطون في كردستان العراق ضحايا غازاته السامة وحروبه الكارثية مع جيران العراق .
ولم يدخل في حسبان الرجل الذي نشد الديمقراطية بعد سقوط الفاشية أن تتزاحم قوى واحزاب سياسية على كعكة السلط الشهية ، وشخوص كان معظمها نكرات طوال تاريخ حياتهم المبني على تقديم الولاء الفردي للبعث والعيش ضمن قطيع يقوده رئيس وعائلة لا تعرف الرحمة . كذلك ظهرت قوى استخدمت المذهب او العشيرة سبيلا للوصول لغاياتها السياسية والمادية ، والتي لم يمارس الكثير منها حتى وظيفة فراش في الدولة ، حينما ظهروا كزعماء لاحزاب قومية او طائفية او رؤوساء لعشائر لم تكن في الحسبان يوما ما . فقد امتزج السياسي بالانتهازي ، والطفيلي بالمثقف ، وضاعت القيم والاخلاق في ” العراق الجديد” .
وقد سعى الاحتلال الامريكي ، لتخريب وتقسيم العراق وفق نظرية الفوضى الخلاقة ، والاستعانة الامريكية بقوى الارهاب الاسلاموي المتحالف مع بقايا البعث الذي اعاد الاحتلال تأهيله من خلال خطين تمثل الخط الاول في زج اكبر عدد من رجال البعث وازلامه داخل العملية السياسية بغية استمرار تخريب المؤسسات الرسمية التي تم تخريبها بواسطة الدكتاتورية التي دامت اكثر من ثلاث عقود ونصف ، وخلق دولة فاشلة يمكن التحكم بها وقيادتها بكل سهولة من قبل رجال الاحتلال بواسطة وزارتي الدفاع والخارجية الامريكيتين . والخط الثاني في دمج معتنقي الافكار السلفية والوهابية من السنة العرب في بوتقة عسكرية اطلق عليها اسم ” المقاومة العراقية ” ، مع بقايا رجال الحرس الجمهوري والحرس الخاص وضباط البعث لتخريب العملية السياسية وتازيم الوضع السياسي والاجتماعي العراقي وخلق عداء يؤدي لاحتراب طائفي بين مكونات الشعب العراقي الرئيسية من سنة وشيعة . ثم جاءت الطامة الكبرى بتشكيل التنظيم الارهابي البديل عن القاعدة والذي تم تأهيل وتنظيم رجاله من بقايا ضباط البعث في معسكر بوكا من قبل الاحتلال الامريكي في البصرة والذي انيطت به بعد تسميتة بـ ” داعش ” اختصارا لاسم ” الدولة الاسلامية في العراق والشام ” ، وباجتماع على الحدود السورية التركية ، انيطت عملية تخريب المدن وتهديم حضارة وادي الرافدين وتقسيم العراق على اسس طائفية وقومية .
وقد أوردت مؤسسة النبأ في دراسة لها جزء من تقرير مؤسسة جيمس تاون، حيث قالت ” انه بعد أن استنفذت الصيغة الإقليمية لتنظيم القاعدة وبدأت في التآكل فقد قرر خبراء الحرب النفسية الأمريكية الشروع في مخطط جديد يقوم هذه المرة على أسلوب الهروب إلى الأمام وهكذا، وعلى خلفية علاقات المساندة والتآزر بين مراكز الدراسات الأمريكية والإعلام الأمريكي ومن ورائه الإعلام العربي، تتكشف حقيقة القاعدة التي يتم استخدامها عن قصد وبتخطيط إعلامي دقيق، من أجل صناعة العقول وذلك عن طريق البدء بـ”قصف العقول” بأخبار ومعلومات الخوف من القاعدة، ثم المباشرة بعد ذلك في قصف الشعوب”.
لذلك ساهمت كل هذه العوامل لاصابة العديد من المناضلين العراقيين والسياسيين الحقيقيين ، والاكاديميين ورجال العلم والثقافة بصدمة كبيرة ادت لابتعاد الاكثرية الساحقة منهم عن المشهد السياسي المتشابك ، وافرغت العراق من سياسييه الحقيقيين ، ومبدعيه وعلماءه ومفكرية ، لكي يتم فسح المجال لتسيد أميو السياسة واشباه المثقفين والانتهازيين والطفيليين لتقدم هذه المرحلة . خاصة ان للعملية الديمقراطية وجهان ، الوجه الجيد للديمقراطية اذا استخدمت بوضع سياسي واجتماعي طبيعي . ووجه آخر سئ في مثل الحالة العراقية ، حيث تقدمت صفوف الاميين ، ومزوري الشهادات بطرق شتى مختلفة في الوزارات والمؤسسات ومراكز القرار . وكان للعامل الطائفي والعشائري دور كبير في تقدمهم للصفوف من خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية ، إما بواسطة التمذهب الطائفي او الاعتماد على الدعم العشائري .
وكأحد المثقفين وجد الدكتور احمد الچلبی نفسه ، مع خبراتة في مجال العمل المالي والمصرفي ، يقف عاجزا امام هذا المد القومي والطائفي ، بينما يتم استيزار شخوص لا علاقة لهم بالف باء المال والبنوك لوزارة المالية ، او ان يكون شخص لا يفقه ابسط قواعد الصحة العامة وكيلا لوزارة الصحة ، وان يستصحب كل وزير او وكيل وزارة او مدير عام ابناءه واخوتة وبنو عمومته لقيادة الوزارة او المؤسسة او السفارات العراقية في الخارج . وهكذا دواليك في كافة مؤسسات الدولة العراقية التي كانت تتطلب جهودا كبيرة من اجل اعادة تشكيلها والتأسيس لدولة المؤسسات لا ان تتم ادارة الدولة كما كان سابقا وفق سياسة ” القطيع ” الذي يتبع الراعي .

آخر المطاف :

ليس حكما مسبقا ولكنها حقيقة ثابتة تدين العراقيين كونهم لا يحترمون مبدعيهم ، ولا يكرمون قادتهم ، ويعضون اصبع الندم بعد خراب البصرة كما يقال .
والشواهد على ذلك كثيرة وعديدة ، فقد جاء المرحوم الملك فيصل الاول ليبني دولة من ركام غير متجانس خلفه الاحتلال العثماني البغيض بعد احتلال دام لاكثر من اربعة قرون مليئة بالظلم والتخلف والابادة البشرية ان كان من خلال الحروب التي كان وقودها شباب العراق كما باقي المستعمرات العثمانية ، او ان تفتك بهم الاوبئة والامراض . لكن الذي حصل ان فيصل رحل سريعا ولم يستطع تحقيق حلمه بتشكيل دولة مع ما احضر معه من رجال ذو خبرات ادارية وسياسية .
وكان احد اولئك الرجال نوري السعيد ، ورغم اقترافه اخطاء هي بالجملة سياسية بحتة ، لكن كان رد ” جميل ” الشعب العراقي لمن بني دولة حقيقية تفوق كثيرا الدول التي شاهدناها بعد ذلك ان تم سحل جثته وسط شوارع بغداد .
وكانت حصة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم من ” التكريم ” قتله ابشع قتلة وسط ضباط دمويون غاب حب الوطن ، والاخلاص للشعب عن عقولهم المحدودة التفكير . ولم يحصل للآن على حقه واعادة اعتباره رسميا كشهيد للشعب العراقي . فقد كانت هناك في زمنه مدن نظيفة وراقية بشوارع مشجرة ومبلطة وامن وامان مستتب ، استمرارا للعهد الذي سبقه ، وقد عشنا ذلك الزمن بجماله وروعتة وامنه وأمانه .
وما حصل لآلاف مؤلفة من المناضلين العراقيين الذين وقفوا بوجه الدكتاتوريات المتعاقبة بدءا من دكتاتورية العارفين حتى قمة الفاشية زمن المقبور صدام حسين فانزووا بعيدا يتفرجون على المنظر السياسي بعد ان عانوا القهر والظلم والسجن والتشرد ايام الفاشية ، وجاء على الحاضر شعيط ومعيط وجرار الخيط من زبالة البعث ليشارك بالعملية السياسية ويدعم الارهاب علنا ، مع من يسرق ويبتز . بينما ساهم احمد الچلبي بشكل او بآخر بالعملية السياسية رغم محاولة تهميشه من قبل من هيمنوا على السلطة بواسطة احزابهم السياسية الطائفية أو القومية ، وذيولهم من المرتزقة، وبقایا ازلام البعث المنهار، لكنه والحق يقال لم ياخذ دوره الحقيقي في قيادة الدولة .
ترى هل العراقيين لا يحفظون الود ، أو لنقل بالعامية العراقية ” بذات ” ؟ ، اعتقد ذلك !!.
رحم الله جميع من ذكرت بدءا من فيصل الاول ونوري السعيد ، وعبد الكريم قاسم ، وابو هاشم الجلبي …

* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج

http://www.saymar.org

http://alsaymarnews@gmail.con