الخميس 12 . 11 . 2015
وداد عبد الزهرة فاخر *
حشرت الاحداث التاريخية حشرا في أذهان الطلبة العرب ، ووفق تصور وتخيل مؤلفين ببغاويين شاركوا في نقل صور ” تاريخية ” مشوهة لتاريخ لم يكن يوما تاريخا مشرفا، وشابه الزيف والتهويل ، وتعامى عن ذكر الحقائق كاملة ، وهيأ ذهنية الأجيال الماضية والحاضرة لتقبل قصص وأحداث غير حقيقية ومفبركة ، لماض سحيق مبهم اعتمدت فيه الزمر الحاكمة على الظلم والتسلط وتكميم الأفواه ، والتغريد فقط بـ ” عدالة ” الخليفة ، و ” انسانيتة ” اللامتناهية ، ودأب الخليفة على ” تفقد الرعية ” ، و ” بناء المساجد ” ، و ” الاسواق ” ، وإن ” الخليفة كان تقيا ورعا “.
لكن كتب التاريخ التي سطرت وفق مزاجية تتبع ظلما الآية القرآنية التي تقول ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ” / النساء 59 ، مجلدات ضخمة عن ” ورع الخليفة وعدله “، تغاضت عن سرد ما فعله ” خلفاء المسلمين ” بعد انتهاء الخلافة الراشدة ، وبدء سلطة بني امية ، فبأمر خليفة المسلمين “يزيد بن معاوية”:وهو أوّل من وصفه مرجع سنّي بأنه “مأبون”، على لسان خليفة أمويّ آخر، هو عبد الملك بن مروان (البداية والنهاية، 79:9). بأمره اغتصبت نساء المسلمين جهاراً نهاراً، حتي أنه في عام واحد حبلت 1000 فتاة بكر في مدينة رسول الله بلا زواج لكن كتب تاريخ ” ولاة الامر ” تناست عن عمد الدور الاصلاحي الذي لم يستطع القيام به حفيد معاوية بن ابي سفيان ” معاوية الثاني بن يزيد بن معاوية ” حيث أنه عندما جاءته الخلافة مبكرا وهو في أوائل العشرينات خطب بعد إستخلافه بشهر مهاجما والده وجده واتهمهما باغتصاب الخلافة من الراشدين، وأعلن عدم استعداده تحمل خطايا أهله، لكنه لم يكن قويا بما يكفي للوقوف ضد التيار فأعلن التنازل عن الخلافة ، وهكذا ضاعت اول فرصة لاصلاح الخلافة الاسلامية واعادتها خلافة راشدية ، ومات بعد اربعين يوما من تنازله موتة مبهمة غامضة .
وعلي يد “عبد الملك بن مروان” ظهر التخصص في “الإستعمال” الجنسي للنساء لأول مرة في تاريخ العرب . وفي ذلك قال الخليفة الورع: “من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية، ومن أراد أن يتخذ جارية للولد فليتخذها فارسية، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية “.
بيد أن مئات الجواري والسراري مضافاً إليهن أربعة زوجات وعدد لا محدود من ما ملكت الأيمان والعبيد لم تعد كافية لتطفئ نار شهوة الخلفاء ولهيبها، فإتجه بعضهم إلي الغلمان لممارسة اللواط وإرتكاب الفحشاء !. وتغاضى رجال السيرة الحديث عن ” أمير المؤمنين ” الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، الذي وصل الحد به ان راود اخاه عن نفسه رغم الكم الهائل من الجواري والإماء . واراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة . وتم الخروج عليه وقتله من قبل يزيد الناقص ” يزيد بن الوليد بن عبد الملك ” ، وعبر الوليد بن يزيد بن عبد الملك عن رغباتة الشاذة تلك بشعر فقال :
أدنيا مني خليلي عبد اللإه من دون الإزار
فـلـقـد أيـقـنـت أنـي غــيـر مـبـعـوث لـنـار
وأتركا من يطلب الجنة يسعي في خسار
وفي مرحلة من المراحل بدا للخليفة هشام زحزحة ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك عن ولاية العهد ، لصالح ابنه (مسلمة بن هشام) الذي كان مشهوراً بالعبث شهرة كبيرة ، وكان (الوليد بن يزيد) عندما يرميه عمه الخليفة هشام بتهمة الفساد ، يردّ عليه بأنه على (دين ابنه مسلمة) (أبي شاكر) … وهذا وَرَدَ صريحاً حين عمد هشام للتشكيك في دين الوليد .. فأرسل إليه ردًّا فيه بيت من الشعر:
يا أيها السائل عن ديننا .. نحن على دين أبي شاكر
وكان الطريق للسلطة التي دمغت باسم الخلافة العديد من المؤامرات والدسائس ، وقتل الابن لابيه ، والاخ لاخيه ، والنزو على ازواج الأب ، والاخوات من قبل ” الخلفاء ” ، وتسميل عيون الابناء والاباء . وقد وصل المجون بالخلفاء حدا لا يوصف ، وكان ظلم الرعية شاملا في دولة اعرابية بدوية بدائية ساذجة ، تنقل من البلاد المفتوحة عاداتها فقط في الهو والمجون وتصبغها بطابعها البدوي المتخلف ، وتترك ما سواها من علوم وفنون .
لذلك كان من المسلم به انهيار نظام ” الخلافة ” الوراثي الذي أسس لامبراطورية مشوهة ، لا تحمل قيما حضارية ، ولا تهتم سوى ببهارج فوقية واحضار اكبر عدد من الجواري والعبيد لاشباع شهوات الخليفة والمحيطين به في قصره.
وقامت على اعتاب انهيار دولة بنو أمية ، دولة بنو العباس التي إنتقل الخلفاء فيها من مرحلة “مئات” الجواري إلي مرحلة “ألاف” الجواري . وانتقل اللواط من خانة الحوادث الفردية إلي خانة “الظاهرة” المميزة لخلفاء الدولة وانتقلت الخلاعة والمجون من داخل القصور إلي خارجها حتي صارت بغداد في ذلك عَلَم بين جميع المدن وعبر الشاعر العربي عن حال بغداد فقال:
إلزم الثغر والتواضع فيه.. ليس بغداد بمنزل للعُباد
وأصبحت قصور الخلفاء مثل المهدي والهادي والرشيد والأمين والمامون والواثق والمتوكل، أصبحت ساحات للشرب وملاهي للرقص ومقاصف للهو، ومراكز لآلاف من الجواري والغلمان ، والمخانيث والخصيان والقيان . وخرج الخلفاء العباسيون من دائرة السرية التي كانت زمن خلفاء بنو امية لدائرة العلن ، وأسقطوا بتبجحهم ما تبقي من حياء، وبفجورهم ما تبقي من خجل، حتي صارت كل الموبقات تمارس في الجهر والعلن ، وبدون حياء او وجل .
وقد بادر ” خليفة المسلمين محمد الامين ” بإبتياع “الخصيان” وجعلهم لخلوته في ليله ونهاره، ورفض الجواري والسراري . وعبثاً حاولت أمه أن تثنيه عن عادته هذه. فقد أتت له بفتيات يتمثلن بالغلمان، وسمتهم “الغلاميات”، فما أستطاعت أن تصرفه عن شذوذه !.
وكان الهادي العباسي مغرماً بجارية تسمى غادراً وقبل وفاتة ضمن عدم زواج اخيه الرشيد منها وطلب منه ان يقسم بذلك ، لكن بعد شهر من وفاتة تزوجها الرشيد وفتن بها رغم قسمه ، حتى كانت تسكر وتنام في حجره فلا يتحرك حتى تقوم!! .
وكان لـ ” خليفة” المسلمين وأمير المؤمنين “الأمين” غلام هو الأقرب له ، طار له عقله وتعلق به فؤاده ، وكان هذا الغلام يدعي “كوثر” وبلغ في عشقه لغلامه أن نظم فيه شعراً يصف به حبه له فقال:
كـوثـر ديني ودنـيـاي وسقـمي وطبـيبـي
أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيبِ
لذلك ففي العصر العبّاسي صارت المثليّة الجنسيّة ممارسة أقرب ما تكون إلى الطبيعيّة. ويبدو أنه ندر أن ’تفلّت من شراكها خليفة . وقال الطبري أيضاً عن محمد الأمين في تاريخه: ” لما ملك محمد… طلب الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيّرهم لخلوته في ليله ونهاره، وقوام طعامه وشرابه وأمره ونهيه؛ وفرض لهم فرضاً سمّاهم الجراديّة، وفرضاً من الحبشان وسمّاهم الغرابيّة؛ ورفض النساء الحرائر والإماء حتى رمى بهن” .
ويورد الطبري أنه ” لمّا طال حبس أبي نواس [ من قبل الأمين ]؛ قال في حبسه:
احمدوا الله جــــــــميعاً يــــــا جميع المسلمينا
ثـــــــــمّ قولوا لا تملّوا ربّــــــنا: أبق الأمينا
صيّر الخصيان حتى صيّر الــــــتعنين ديناً
فاقتدى الناس جميعاً بأميـــــــــر المؤمنينا
ومثل ما حكي عن مثلية ” خليفة المسلمين محمد الامين ” ، فقد كانت هناك حكايات عن مثلية اخاه ” محمد المأمون ” ، فرغم كثرة ما يحكى عن علاقاته النسائيّة، ثمة أشعار تنسب لهذا الخليفة، تشير في اتجاه المثليّة الجنسيّة. في المرجع الأدبي، المحاضرات، يقال: ” نظر المأمون إلى غلام؛ فقال له:ما اسمك؟ قال: لا أدري! فقال: لم أر مثل هذا “؛ وأنشد:
تسمّيت لا أدري لأنك لا تدري
بما فعل الحبّ المبرّح في صدري
واشتهر عن ” الخليفة ” المتوكل بأنه أكثر من اقتنى من النساء بين كل خلفاء المسلمين. لكن هذا لم يمنع الرجل من امتلاك عشيق، اسمه شاهك. وفي ديارات الشابشتي، يقال: ” أن الفتح بن خاقان، كان يعشق شاهك، خادم المتوكّل، واشتهر الأمر فيه حتى بلغه “؛ وله فيه أشعار منها:
أشاهك ليلي مذ هجرت طويل .. وعيني وما بعد الدموع تسيل
ومن مشاهد اللهو والعبث ومظاهر الترف ما روي عن ترف الخليفة المقتدر, فقد كان مبذرا مؤثرا للشهوات, وقد وزع جواهر الخلافة ونفائسها على حظاياه .
ولم تقتصر مجالس الخلفاء ومن سار سيرتهم من السلاطين على مشاهد الترف والسرف بل كانت تحفل باللهو والعبث, فكان الندماء يقومون بضروب اللهو الماجن, وربما تحلل الحضور من أبهة الملك لمزيد من العبث. وقد تأسى الوزراء والكبراء بسيرتهم ومنهم من كانت تجري في مجالسهم مشاهد فيها نوع طريف من اللهو, من ذلك ما رواه ابن خلكان وغيره عن الوزير المهلبي, وزير معز الدولة البويهي سلطان بغداد .
فقد روى “إنه كان من ندمائه قضاة وفقهاء, منهم القاضي علي بن محمد التنوخي والقاضي أبو بكر بن قريعة والقاضي ابن معروف وآخرون, فكان يجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على أطراح الحشمة والتبسط في القصف الخلاعة, فإذا أصبحوا عادوا كعادتهم إلى التوقر والحشمة” .
فهل تريد بنا أمريكا باخراجها ورقة بالية عتيقة أكل الدهر عليها وشرب كما يقال اسمها ” الخلافة ” ، لكي تعيد الزمن القهقري للوراء ، وهو ما حدث وما سمعناه وشاهدناه من اختطاف وقتل وسبي لنساء كما كان يحدث في الازمان الغابرة لعهود ” الخلافة ” السيئة السمعة ، عندما كان الخلفاء يسعون لتوسيع خارطة نفوذهم ، والهيمنة على ثروات البلدان ، والمجئ بالجواري والاموال والخصيان لقصور الخليفة ليوزعها على خاصته ومريديه . واول من إهتم قبل تنظيم داعش بهذا الامر، تنظيم ارهابي سبقه وهو ” الجيش الحر” الذي ابتدأ ما سمي بـ ” جهاد النكاح ” وفق فتاوى رجال المذهب الوهابي وسدنتة وفي مقدمتهم ” محمد العريفي ” . وهل صدق مؤذن بسيط روى عن سيرتة الشاذة العجب من قبل رجال المخابرات الامريكية ، بانه ” خليفة ” وختم على مؤخرتة بختم وكالة المخابرات المركزية الامريكية الشهير” MADE IN USA” ، لان الجميع يعلم وحتى ابسط مواطن بالعالم بأن لا المؤذن البسيط السابق إبراهيم السامرائي ” ابو بكر البغدادي ” ، ولا أي من ضباط صدام الذين جمعتهم أمريكا حوله ، لديه القدرة على التخطيط للمعارك والصمود والقتال ، والذين اثبتوا جبنهم وهلعهم في حربي الكويت وحرب امريكا الاخيرة لازاحة صدام عن سدة السلطة بعد ان خرج عن طوعها ، وهربوا من ساحات المعركة هاربين بجلودهم ، والقسم الكبير منهم نزع حتى سرواله ورفعه على قصبة دلالة على استسلامه . لكن أي منهم يستطيع أن يثبت لنا انه من يقود كل هذه المجازر الدموية ، وتخريب المدن ، وتشويه الثقافة ومحو الاثار كونه منفذ لا اكثر ولا اقل ليد اخرى مهيمنة ومسيطرة ، فهي من تخطط وتدبر وتنظم وتقود ، بينما ينفذ اولئك النفر الطامع بالبطش والسلطة كل ما يصدر من تعليمات واوامر كما عهدناهم أيام سيدهم المقبور صدام حسين .
لكن الامر المحير هو في السؤال : هل ان الامور قد فلتت من يد امريكا واصبح الابن الامريكي الغير شرعي وهو تنظيم
” داعش ” خارجا عن سلطة الاب كما فعل في السابق الأب الشرعي للتنظيم صدام حسين الذي اثار بعقوقه ماما امريكا فجاءت بنفسها لتأديبه بعد ان خرج عن طاعتها ؟ . لكن كل ذلك لا يصدق في ضوء ما تقوم به امريكا من تقديم العون والدعم اللوجستي والاسلحة والعتاد علانية للتنظيم الارهابي ” داعش ” فالخطة الامريكية بتقسيم المنطقة وخلق دويلات صغيرة وضعيفة أمام وجود دويلة اسرائيل التي ستكون هي الدولة العظمى في المنطقة هي النظرية الاصلية الطاغية ، بعد غزو العراق ومن ثم رفض سوريا اتفاق أنابيب نقل الغاز القطري لشرق المتوسط ، وهو ما قلب كل المعادلات في المنطقة ، واشعل حربا كونية لازاحة نظام الدكتور بشار الأسد فخط أنابيب الغاز يحتاج لحرب اكبر مما يتصور المرء ولو كان فيها ابادة كل شعوب المنطقة بدعم لوجستي ومالي تركي وسعودي وقطري وبتخطيط أمريكي .
* ناشط في مجال مكافحة الإرهاب