متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / 24 . 11 . 2015 — تبادل الذين لقّبوا أنفسهم بـ”زعماء” التظاهرات، الشتائم والاتّهامات الرخيصة، في انشقاق واضح توقعته “المسلة” في تقرير لها الأسبوع الماضي، بعدما حوّل أولئك المرتزقة، هذه الفعالية الجماهيرية العفوية، إلى مكان للتسكّع لا التظاهر، وإبراز الذات، والفوز بمناصب افتراضية، حيث أدى سوء التخطيط والنيات المغرضة والأنانية، إلى بعثرة الكتل البشرية، في منطقة ساحة التحرير، من دون جدوى.
وكان منتفعون في التظاهرات العفوية، قد خطّطوا إلى احتجاجات لا نهاية لها، بتأليب الجماهير على مطالب تعجيزية لا يمكن للحكومة تحقيقها بين ليلة وضحاها، بسبب الظروف المالية والأمنية التي تمر بها البلاد.
وفي حين اتّهم كاتب العمود في صحيفة “المدى” العراقية عدنان حسين، أحد منظّمي التظاهرات بانه “شعرور” وكان مداحا لنظام البعث وصدام حسين الذي أطاح به اجتياح عسكري في 2003، ردّ مجموعة من المتظاهرين على عدنان حسين، بانه يقصد الشاعر حمزة الحلفي، ليثيروا موجة من الانتقادات والهجوم على عدنان حسين.
واعترف الكاتب عدنان حسين في عمود اليومي في صحيفة “المدى”، بان تظاهرة الجمعة الأخيرة في بغداد، كانت مفرحة ومشجعة، في بدايتها فقط، فقد حدث شيء مزعج أطاح بالفرحة وبالشعور بالثقة بسبب أحد “الشواعر” الذين لم يتركوا صفة تبجيل وتمجيد وتأليه تعرفها اللغة العربية واللهجة العراقية إلا وقالوها في الدكتاتور المقبور صدام حسين، أُعطي مكاناً على المنصة الرئيسة لساحة التحرير.
وبدا الكاتب عدنان حسين في مقاله مدافعا عن التظاهرات وضرورة ابعادها عن التشوهات، وتحريفها عن مسارها وابعاد ابواق البعث من بين صفوفها ، حيث يسعون من جديد الى تسيّد المشهد السياسي والثقافي من جديد.
وقال عدنان “أظن أنه عمل تنقصه الكياسة وتنقصه الحكمة، اجتماعياً أو سياسياً “، ليرد عليه الملحن والمطرب العراقي حسن بريسم على صفحته التفاعلية في “فيسبوك” بالقول “أعجب من اتهام عدنان حسين للشاعر حمزة الحلفي من قبل (المدعو) عدنان حسين – على حد تعبيره- الذي يكتب في صحيفة (المدى) ويشغل منصب رئيس التحرير فيها، بأن الحلفي كتب قصائد يمدح فيها المقبور صدام وحزبه”.
وقال بريسم “أقول لهذا الصحفي، هل نحن مجبرين لتبرير مواقفنا من الطاغية لك؟، بالتأكيد لا، لكنني أكتب لك جملة واحدة، لحن واحد مني، وقصيدة واحدة من حمزة الحلفي تشرفك وتشرف أمثالك من الجهلة الذين لم ولن يعرفوا ما عانيناه زمن الطاغية، وبالرغم من ذلك بقينا ننحاز للوطن، الوطن الذي أضعت بوصلته أيها الصحفي المأجور”.
وقال متظاهر لـ”المسلة” إن الذين تصوروا انفسهم قادة للتظاهرات انقسموا إلى جماعة تأتمر بأوامر المال السياسي المحلي، وفريق آخر يدعمه رجال أعمال يقيمون خارج العراق، ويضخون الأموال الشهرية لمجموعة من الإعلاميين الكتاب الذي تصدروا التظاهرات.
وأضاف: ادركت الشريحة الأكبر من الشباب ذلك وشرعت في الانسحاب.
وتوقع المدون شبيب عيدان ان انسحاب عدنان حسين من التظاهرات سوف يؤدي الى عزوف الجزء الاكبر من المتظاهرين عن المشاركات المقبلة.
فيما دوّن الكاتب والإعلامي علي السومري، راداً على عدنان حسين، “حتى كتابتك هذا العمود، كنت بنظري محترفاً، لكنّ خيبتي كانت كبيرة وأنا أراك تسقط في فخ لا يسقط فيه حتى هواة الكتابة الصحفية، الطامحون للشهرة حتى ولو على حساب الحقيقة والشرف المهني”.
وتابع “وإلا بماذا تفسّر عمودك هذا، وأنت تتهم أحد القلائل الذين لم يكتبوا حرفا واحدا عن صدام”.
ودعا السومري عدنان حسين، الى “الاعتذار من الحلفي، وأن تعتذر منّا نحن الذين اتهمتنا بمهادنة البعث وشاعره”.
وفيما اعتبر الناشط المدني فاضل الحسني بان هؤلاء “أبواق”، كتب مدون آخر ان عدنان حسين، أدرك ان هناك مرتزقة في التظاهرات مدفوع لهم الاجر ، ماجرّه الى فضحهم”.
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي، قد خاطب العراقيين، بصراحة تدعو إلى الثقة بالنفس، وبالطريق الذي تسلكه الإصلاحات بعيداً عن التسويف والتهريج، داعيا إلى “جبهة إصلاح” تمضي إلى أهدافها المرجوة على رغم الفاسدين من أصحاب المشاريع الحزبية والفئوية.
وأدى السلوك النفعي وغير الرصين، من قبل أولئك الذي اعتبروا انفسهم قادة للتظاهرات، إلى تحول الاحتجاجات الى فعاليات غير حضارية، تحمل في طياتها دعوة إلى تأليب وعدائية غير مبررة.
واعتبر الإعلامي احمد عبد الحسين إن العمود الصحافي والمعنون بـ”شاعور ساحة التحرير”، لكاتبه عدنان حسين، سيء للغاية، لأنه متحامل أولاً، ولأن كاتبه أحاطه بغموض مفتعل حول شخص الشاعر الذي يقصده حين نعته بـ”الشاعور”، وبخاصة ان كثيراً من ناشطي التحرير هم شعراء. ويتأكد سوء العمود إذا ما صدق حدس بعض أصدقائي الذين قالوا بأن عدنان حسين يقصد الشاعر حمزة الحلفي بعموده السيء هذا”.
وكان الكاتب عدنان حسين قد ختم مقاله في المدى بالتأكيد على انه “لن يأتي الساحة مجدداً”، فيما عده نشطاء تملّصا من حضور التظاهرات تحت ذرائع مبتكرة وطريفة.
ويعتقد بعض من قادة التظاهرات انهم أصحاب مشروع الإصلاح متوهمين بان تواجدهم في الساحات، يجعلهم يصادرون أي عملية إصلاح باعتباره انجازا لهم، فيما قال محتجون لـ “المسلة” إن هؤلاء يشكلون جزءا غير مؤثر في عمليات الاحتجاج الجماهيري الواسعة، التي تشمل أبناء الشعب والشخصيات السياسية والدينية، وفي مقدمة هؤلاء كلهم المرجعية الرشيدة، هؤلاء هم جبهة الإصلاح الحقيقية التي تعمل في هدوء بعيدا عن الصخب والضجيج لتحقيق حلم العراقيين في دولة مدنية ديمقراطية.
ومثلما توقعت “المسلة” في تقرير لها الأسبوع الماضي، فانّ زخم التظاهرات تلاشى بشكل متسارع، بسبب ركوب موجة الاحتجاجات مجموعة من المرتزقة الذي قبضوا الثمن مقدما لقاء استمرارهم في التظاهرات، واستثمار حماس بعض الشباب الناقم من الأوضاع السياسية والاجتماعية، لصالح جهات سياسية محلية وإقليمية.
وبسبب نفور الشباب من المشاركة في التظاهرات، دعا احد المحتجين، وهو الكاتب حامد المالكي إلى ابتكار وسيلة رخيصة، لكسب الشباب الى الاحتجاج مرة أخرى، فدعا في مدونته الشباب الى التظاهر في كرادة مريم،، وسوف تكون لفات (فلافل) في انتظارهم، في استخفاف واضح بالمتظاهرين.
أن هذه المناكفات، والصراعات المصالحية تحت يافطة الاحتجاج الديماغوغي ، دفعت المرتزقة إلى نقلها بمحاذاة المنطقة الخضراء، لتلافي “عقْم” حركتهم مع مرور الأيام، حين انحسرت أعداد المتظاهرين، وانكشف أمر الداعمين الحقيقيين للاحتجاجات، بين جهات محلية تتصيّد في الماء العكر، وأخرى في أربيل، تسعى إلى إشغال العاصمة عن مؤامرات الأطراف، وبين قوة إقليمية، لا تريد للعراق الاستقرار.
جمهور من المتظاهرين الواعين، أصرّوا على البقاء، محتجيّن “شرفاء” تحت نصب الحرية، في ساحة التحرير، ورافضين الاحتكاك مع الجهات الأمنية، وهم جمهور عريض من المطالبين بالإصلاحات والرافضين لدعاوى المنتفعين الذين ركبوا الموجة لأهداف حزبية وسياسية مشبوهة.
لم يعد يمتلك أولئك الذي يسعون إلى “النجومية” و”جلب الانتباه”، بعدما انحسرت الأضواء عنهم سوى الاعتصام أمام المنطقة الخضراء، من دون هدف واضح، وصار الاحتجاج لأجل الاحتجاج، باعترافات العشرات من المتظاهرين المنسحبين.
لقد استنزفت التظاهرات نفسها زمنياً، وها هي تستنزف نفسها مكانياً، وسوف تُطلق الأيام رصاصة الرحمة على المحتجين المزيّفين الذي يسعون إلى التهويل عبر الاعلام، بعدما وعى الشباب العراقي، المقاصد المشبوهة.