الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / “الغاز ” الأب الرسمي للصراع على سوريا

“الغاز ” الأب الرسمي للصراع على سوريا

متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الخميس 26 . 11 . 2015 — إن كل ما يحدث في “سوريا” يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمصالح الدولية ، ولذا شكلت اكتشافات الغاز حدثاً جللاً في مواقع القرار العالمية ، فألقت بثقلها في حوض المشرق من البحر المتوسط لتعيد اصطفاف القوى بحسب المتغيرات العسكرية ، وترتب العروض وترسم الحدود الاقليمية ، فساحات الصراع مشتعلة والأسواق العالمية متعطشة ، ونهب الثروات للدول في مخططات بعيدة المدى قائم على قدم وساق ، والفرص الاستثمارية تؤدي للعب أدوار متعاكسة ومتضادة تغير من وطأة التحالفات التاريخية .
فبعد سقوط “الاتحاد السوفييتي” أدرك الروس أهمية الطاقة بالإضافة للتسلح العسكري في نهوض الدول الصناعية ، وأدى اكتشاف الغاز الطبيعي في بحر قزوين والبحر المتوسط وبدء مشروع «السيل الجنوبي والشمالي » بإعادة “روسيا” لمراكز صنع القرار كقوة عظمى تسيطر على أهم مصادر الطاقة النظيفة التي يقوم عليها الاقتصاد الأوروبي ، وساهم إنشاء شركة «بروم» باحتكارها للغاز في مناطق انتاجها ونقلها وتسويقها ، وقد تم بموجبها رفع الأيادي الأمريكية والأوروبية عن استثمارات وسط آسيا .
في حين انشأت أمريكا شركة «نابوكو» لاستخراج الغاز الطبيعي من البحر الأسود و”أذربيجان” أيضاً، لينافس المشروع الروسي بالسيطرة على الغاز لأنه يشكل رأس الحربة في الصراع القطبي العالمي المتعثر منذ 1991م بعكس التسلح النووي الذي أنهك الدولة الاشتراكية.
من هنا يأتي التصعيد الأمريكي والأوروبي على “روسيا” لاستيلائها على جزيرة القرم أحد أهم منفذي تصدير الغاز والطاقة للعالم، كما يبرر تراجع المعسكر الغربي في تشدده ضد “إيران” والعودة لطاولة المفاوضات وإبرام الاتفاق النووي، وذلك بهدف مواءمة أموره معها حيث أنها تمتلك مفتاح المنفذ الباقي للغاز الأمريكي من بلاد الاتحاد السوفيتي القديم عبر مضيق جبل هرمز بعد ضياع منفذ جزيرة القرم .
ولأن رائحة الغاز شهية فقد تلقت “سوريا” العائمة على بحر الغاز عروضاً مغرية لمرور أنابيب الغاز عبر أراضيها لتحييد النفوذ الروسي ولكن “بوتين” يعرف قواعد اللعبة جيداً ويدرك أنه يخوض حرباً فعلية في الدفاع عن مصالح بلاده وليس حرب إعلامية ببغائية لذا ستسعى قواته لإسقاط المنطقة العازلة التي تريد “تركيا” إقامتها ومعه احتمال أي تدخل أجنبي عسكري مباشر وستفرض حظر جوي لتقليم أظافر الطيران التركي والإسرائيلي ولتنهي القطبية الواحدة بفرض شروطها ومعادلاتها ، وتفشل بذلك الخطط الغربية بخلق كيانات متصارعة طائفياً غير قادرة على امساك زمام المبادرة والتحكم بمصيرها وإنما منشغلة بحروب السيطرة .
ومع تغيير توازن القوى الجيوسياسية الراهنة في حوض المشرق يسعى “أوباما” لردع القيصر الروسي عبر تعزيز قدرات حلفائه العسكرية ، وتحديث القدرات النووية وصنع أسلحة جديدة كقاذفات القنابل الاستراتيجية وأسلحة الليزر وزيادة المساعدات العسكرية لحلفاء “واشنطن” ، وحماية المصالح الامريكية الاقتصادية في “كردستان” و”الخليج العبري” ، ومن ثم عزل “روسيا” اقتصادياً وسياسياً بجانب الضغط عليها عسكرياً عبر الجماعات التكفيرية ، وهذه الخُطة تمثل «سيناريو مُحدّثاً» لاستراتيجية الحرب الباردة، فسياسة الردع تحدد مدى جدية “موسكو” بحربها في سوريا وبالتالي فرصتها في الحفاظ على موقعها كقوة في زعامة العالم مما يفسر حجم الصراع في منطقة شرق المتوسط على الغاز الجديد في شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط.
في حين تأتي زيارة “بوتين” لـ “إيران” ضمن اجتماع الدول المصدرة للغاز ليؤكد ثبات مواقفهما الداعمة لسوريا في حربها ضد الإرهاب وأهمية التواجد العسكري على الأرض ، فالتفاهمات الجديدة ستعزز العلاقات وتغير الواقع السوري بعيداً عن التدخلات والاملاءات الخارجية وخارج المساومات والصفقات ومع إدراك واضح أن صناعة الغاز على شواطئ المتوسط ستكون ذات ثقل سياسي واقتصادي واستراتيجي للطاقة العالمية تنتزع فيه سيطرة “دول الخليج” على أسواق النفط العالمية في فترة قصيرة جداً وتقضي على الهيمنة الأمريكية وستحدد آفاق القرن المقبل سياسياً واستراتيجياً .
فـ “إيران” اتخذت قرارها منذ وقعت اتفاقية لنقل الغاز عبر “العراق” لـ “سوريا” ، ولم تتخلى يوماً عن حلفائها النظام السوري وحزب الله في المنطقة ، ولن تنفع مغازلة الدول الغربية لها لجرها بعيداً عن محور المقاومة لإدراكها عجز الغرب قطف ثمار مؤامراته باستخدامه الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية .
“فرنسا” التي تعتبر “سوريا” جزء من مستعمراتها السابقة تسعى للحصة الأكبر من الكعكة السورية ، ووجدت في تفجيرات “باريس” دوراً مناسباً لعودتها وتفويض قوي لفرض سيطرتها باسم مكافحة الإرهاب.
“إسرائيل” تسعى للتنقيب عن الغاز وتمريره لأوروبا ولتحقيق ذلك عليها أن تقضي نهائياً على وجود حزب الله في “لبنان” واسقاط النظام السوري ، ومن هنا كان دعمها للجماعات المسلحة وجبهة النصرة ورقتها للدخول لعصر الطاقة النظيفة .
“تركيا” بعيدة عن مشروع “نابوكو” ومستبعدة عن مشروع« السيل الشمالي والجنوبي » الروسيين ، ومع اسقاط الطائرة التركية للسوخوي الروسية تبدو كمن يبحث عن بوليصة تأمين للحياة في الصراعات العالمية لإدراكها أن من يمتلك مفاتيح “دمشق” سيملك قوة المستقبل .
التطورات العسكرية الأخيرة تنبئ بتغييرات لتحويل “سوريا” لبحيرة تغص بالأساطيل الحربية بعيداً عن داعش وأخواتها ومكافحة الإرهاب ، لتنصب الأولويات على ترويض الواقع الجيوسياسي والعسكري السوري الذي يسير بعكس مصالح الغرب .

وفاء نزار سلطان /دمشق