الرئيسية / دراسات ادبية وعلمية / المنهج والأفكار / في كتاب قراءات انطباعية في حكايات أدبية للدكتور صالح الطائي

المنهج والأفكار / في كتاب قراءات انطباعية في حكايات أدبية للدكتور صالح الطائي

السيمر / الاحد 20 . 08 . 2017

د. رحيم الغرباوي

المنهج الانطباعي أو التاثري هو أقدمُ منهجٍ للنقد ظهر في التاريخ القديم , فقد صاحبَ ظهورَ فنونِ الأدبِ المختلفةِ , وخاصة فنون الشعر , ولكن هذا المنهج لم يختفِ بل ظلَّ قائماً وضرورياً على الرغم من أنَّ التجربة البشرية العامة قد أثبتتْ أنَّ الفن لايحيا بغيرِ قيودٍ أو أصولِ ومباديء , اذ لاتكتفي فيه العبقريةُ أوالموهبةُ الغُفل أو الإلهام ؛ ولذلك اشتغلتْ القرونُ اللاحقةُ , لاسيما القرن التاسع عشر بالبحث عن مذاهبَ أو مناهج للأدبِ والفنّ , وتشعَّبتْ تلك المذاهبُ والمناهجُ تشعُّباً لم تشهدِ الإنسانيةُ له مثيلاً من قبل حتى لَيَصُحَّ القول بأنَّ القرن التاسع عشر , ثمَّ القرن العشرين بعده كانا عصري ظهور المذاهب والمناهج الأدبية والفنية وتنوِّعها تنوّعاً شديداً ثم تَعدُّدِ مناهج النقد الأدبي وتنوعها واتساع وظائفِها ، ولكننا مع ذلك نجد ومنذ أواخر القرن التاسع عشر عدداً من النقَّاد يعودون إلى المنهج الانطباعي , ويقصرون عليه نقدَهم , وإنْ كانوا قد توسَّعوا في هذا المنهج , فلم يتخذوه وسيلةً ؛ لتقييم الأعمالِ الأدبية حسب , بل اتخذوه أيضاً وسيلةً لخلق أدبٍ خاص بهم يستوحونه من الأعمالِ التي ينتقدونها , وكأنّهم يسجِّلون على هامشِها ماتوحي إليهم به .
ولمَّا كانوا يملكون ثقافاتٍ واسعة و يملكون هِبةَ الأسلوبِ , فقد كتبوا عِدّة مجلَّدات تجمعُ بين النقد أي الأدب الوصفي الانطباعي والأدب الإنشائي , وذلك مِثل كبيرِ الانطباعيين ( جيل لوميتر ) الذي خلَّف عدَّة مجلَّدات باسم ( انطباعات مسرحية ) ثم الناقد الانطباعي الآخر إيميل فاجيه منها على ( هامش مولير ) وآخر على هامش فولتير , وهكذا .
ويعتمدُ هذا المنهجُ على التأثر الذاتي للناقد بالنص , ولكن هذا لايعني عدم اعتماده على عناصرَ موضوعيةٍ , وعلى أصولٍ فنيَّة لها حظٌّ من الاستقرار , فهو منهجٌ ذاتي موضوعي , وهو أقرب المناهج إلى طبيعة الأدب , وعلى طبيعة الفنون على وجه العموم .
ويبدو كتاب الناقد الفاضل الدكتور صالح الطائي قراءاتٌ انطباعية في حكايات أدبية إنَّهُ قد وظَّفَ المنهجَ الانطباعي ؛ ليضيفَ على النصوصِ التي يقرأُها فسحةً من ثقافتةِ المتنوعةِ التي ملأتْ بعضَ الفجوات لكتبِ ثلاثةِ كتَّابٍ في التاريخ ؛ كونه المختص في شؤونِ فلسفةِ التاريخ ,
ولثقافتهِ العالية وشغفهِ بالأدب ولَعاً وهاجِساً وكتابةً ؛ ولارتباطِ الأدبِ لاسيما الشعر بالفلسفةِ , فقد شَغَلَ النقدُ الأدبي الانطباعي معظمَ مساحةِ كتابه المُحتفى به , فالكتابُ هو عبارةٌ عن مقالاتٍ في النقد الأدبي بوصفِ النصوص المقروءةِ هي مُعظمها في الأدب ، فقد بلغَ عددُ الأدباءِ المقروءةَ نتاجاتِهم ثلاثةً وثلاثين أديباً بعضهم كُتب عن نتاجاتِهم الأدبيةِ أكثر من مقالٍ .
و قد مازج استاذنا الفاضل في انطباعاته بين رسالة الأدب والتاريخ وبعضها كان لطغيانِ الوجهةِ الفلسفية عليها , قد منحَها عُمقاً ينمُّ عن حملِ الباحثِ فكراً طيباً لما فيه من تنوّعٍ وإبانةٍ تؤازرُها حججُ أديبٍ يعلمُ لُعبةَ الأدبِ وفلسفتهِ التي أبْدَتها خبرتُه الشعوريةُ والذهنيةُ مَعاً ,
وقد وجدنا في مقالاتهِ دعواتِهِ المُتكررةَ ؛ لأهمية القراءةِ ودعوة الحكومة أنْ تقومَ بفرضِها فرضاً واجباً على أبنائها لاسيما الطروحاتِ المهمَّةِ التي تدفع بمساراتِ الوعي لِأنْ يعيشَ الإنسانُ إنسانيتَهُ من خلالِ الاطلاعِ على ما فيها من ستراتيجياتٍ كبرى يتبصَّرُها المجتمعُ ؛ كي يتَّجهَ نحو منابعِ الرقيِّ والتقدُّمِ في مضامير الحياة المختلفة
وتحفيزِهم على اتخاذها دساتيرَ لحياتِهم الحاضرةِ والمستقبليةْ , كما وناشدَ المهتمِّين بالعلومِ والثقافةِ ؛ لتوجيهِ الاهتمام بالشخصياتِ المبدعةِ في الوسط العراقي الأحْياءِ منهم والأمواتِ بالرِفدِ من نتاجاتِهم أو إخضاعِها للدرسِ , ومثاله على ذلك الأديب مصطفى جمال الدين … كما نجدُهُ يؤكِّد من خلال قراءاتهِ للنصوص الأدبيةِ وفي خضمِّ الظروفِ القاسيةِ على الجوانبِ الإنسانية التي تُحقِّقُ السلامَ , ومن ثُمَّ العيشَ تحت ظلِّ حياةٍ حُرَّةٍ كريمة , وتأكيدهُ على حبِّ الوطنِ العراق من خلال قراءاته لنصوصِ بعض الشعراءِ ، وفي قراءته لأدب الحرب جامعاً بذلك على تأثيرِ السياسةِ على حياةِ المُجتَمعِ وحياةِ الأدبِ ، وكأنَّهُ يُحيلُنا إلى تعضيدهِ لنظريةِ الفنِّ للمجتمع عبر تأثر الأدبِ بالسياسةِ التي تمثِّلُ اللاعبَ الأساسَ في حياةِ المُجتمعات .
أمَّا في مجال فكرهِ الفلسفي فلهُ مقارباتٌ فلسفيةٌ في صَوغ الفكرةِ من جديد وتقديمها باسلوب سهلٍ شيِّقٍ ، يضيفُ عليها من خلالِ الحوار والسؤالِ والإجابة لاسيما في مفهومِ الظاهراتيةِ والأساطير , وفي تفسيرِ المفاهيمِ التي لم تستقر إلى يومنا هذا , فيحاولُ أنْ يُضيفَ تعريفاتٍ تتعالقُ مع المفاهيمِ المطروحةِ ساعياً إلى لمِّ شتاتِها والخروج برأيٍ مُقارب لها , لاسيما مصطلح الرأي العام في التاريخ , كذلك إشكالية مصطلح الأدب النسوي , كما طرح أسباب قول الشعر من وجهة نظرهِ وكيفية الطرق التي بها يمكن لخلود الانسانية في موضوعات الأدب وإنْ كانت بعض من أفكاره قد تواردت لدى بعض النقاد إلا أنَّه طرحها حسب فهمهِ لها , كما تناولَ مصطلحَ الاستغرابِ وآراءَ المتخصصين في الإفادةِ منهُ كمنهج , فهو لايرفضُ الاستغرابَ كموردٍ , ولكنه يرفضُهُ إذا كان وحيداً دون باقي المناهج بحجَّة ِالتجديد والتحديث .
ومن الالتماساتِ التي تطلبُها قراءتُنا هذهِ من أستاذنا الفاضل الطائي أنْ يُقدِّم مشروعاً كهذا , لكن بعلميةِ الباحث , لا بوجدانيته ؛ ليقرأ أكبرَ كمٍّ ممكنٍ من الكتبِ المهمَّةِ في الساحةِ العربية ؛ ليقدِّمَ عنها ملخصاتٍ بأسلوبه السلس للقاريء العربي الكريم بكتابٍ يجمعُ فيه فسيفساءَ من الأفكارِ التي تضمُّها تلك الكتب ؛ ليختصرَ الطريق للقرَّاء ؛ ليقرأوا عشراتِ الكتب في مجلد واحد .

اترك تعليقاً