الرئيسية / مقالات / مسعود لن يشق لكم البحر بل سيغرقكم فيه

مسعود لن يشق لكم البحر بل سيغرقكم فيه

السيمر / الخميس 31 . 08 . 2017

جعفر المظفر

بعيدا عن الإنتساب التاريخي لوطن واحد هو العراق فإن العلاقات الأخوية مع الكثيرين من الأخوة الكرد تعطيني قوة الثقة بانني حينما أتحدث عن الكورد وأعلن موقفا مناقضا لموقف بعض سياسيهم الرامي للإنفصال عن العراق, فإن ذلك لا يتأسس ولا ينطلق على اية قاعدة من الإنحيازات العرقية أو التضادات ذات الطابع الإنتمائي لغير العراق.
ثمة خطأ على بعض الأخوة الكورد تلافيه .. لقد كتبنا ضد طائفي الشيعة ونحن محسوبين عليها, كتبنا ضد الفقه السياسي الشيعي والسني الذي يتأسس على روح إفتراقية مع الوطن العراقي. كتبنا ضد الفدرالية الشيعية يوم نادى بها عبدالعزيز الحكيم. ثم كان هناك من حاول إقناعنا بضرورة العمل من أجل منح البصرة مدينتنا الحبيبة فدرالية أو حكما ذاتيا أو حتى تأسيس دولة خاصة بها, فرفضنا وحاربنا الفكرة إنطلاقا من هويتنا العراقية التي أنجبتها عصور وعصور تمتد إلى ما قبل التاريخ وما بعده, وهي هوية ليست محسوبة على عصر إلا إذا حملت أفضل ما فيه, أو على عرق إلا إذا تجذرت فيه الروح الصافية, ولا أدري كيف يقدر المرأ أن يتخلى عن هذه الهوية فيضع نفسه معاديا لإسم العراق ثم يعتبره حكرا لقومية دون أخرى ولدين دون آخر ولطائفة دون أختها.
أنا لا أكتب ضد محاولة إنفصال الأكراد عن العراق إنطلاقا من إنتمائي العربي وإنما إنطلاقا من عراقيتي التي أجد من بين صفوف الكورد من هو أكثر إلتصاقا بها مني.
أنا أكتب ضد تجزئة العراق سواء كان صاحب المشروع كرديا أو عربيا أو تركمانيا.
أنا عراقي قبل كل شيء, وقد علمتني التجارب المرة السابقة إنني بعد إعتباري لهذه الحقيقة فقط ومن خلالها سيكون أفضل لي لي أن أوزع إنتماءاتي الأخرى بالإتجاه الذي يخدم العراق, فإن تعارض المشروع مع مصلحة العراق رفضته.
كل مشروع يتحدث عن الديمقراطية واللبرالية والحرية والتقدمية والإنسانية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والمعتقد يمكن لوطن عراقي موحد أن يجعله أجمل وأروع وأقوى وأنفع.
قد يجعل الموروث السياسي الكردي صوتي باهتا, فثمة سهولة في الحديث عن مظلومية تعرض لها الكورد, لكن بإمكان سياسي الشيعة أن يتحدثوا عن مظلومية يعتقد البعض منهم أنها تمتد لألف وأربعمائة عام, وحتى لو كان ذلك صحيحا فإن العراق العراق ليس مسؤولا عن تلك المظلومية بل أراه في كينونته الحضارية كوطن جامع هو الحل. واليوم فإن بإمكان السنة أن يتحدثوا عن مظلومية بإمكانها أن تؤسس لدولة, وهل أن التركمان لا يملكون مثلها أو يزيد.
إن الظلم كان قد توزع على الجميع, وقد خضع له الجميع, وقد تساوى به الجميع. ولقد صار عليهم سوية أن يعيدوا بناء عقائدهم وإقتراباتهم على ضوء هذه الحقيقة.
تجربة الحكم ما بعد الإحتلال أثبتت من ناحيتها أن سياسي الكورد لم يكونوا بمعزل عن الحالة السيئة التي يعتمدون عليها الآن لتبرير تفعيلهم لدعوة الإنفصال.
من حقي كعراقي, لا كعربي, أن أسأل سياسي الكورد إلى أين أنتم ذاهبون بأهلي وأصدقائي وأخوتي الكورد.
أدري أن الوقت قد مضى على كلام كهذا, وأن الأغلبية من أخوتي الأكراد أنفسهم باتوا يتطلعون إلى قيام دولة مستقلة, وسيعتبرني هؤلاء إنني أضع كلامي موضع من فقد الإحساس بالزمن وحقائقه.
وأدري أن نسبة لا يستهان بها من العرب العراقيين باتت تتمنى أن يتخلص العراق من أكراده لكي يصبح قادرا على تحقيق وحدة الصف ووحدة الهدف.
أما أنا فمن قوم يؤمنون أن لا مقدس يعلو على مقدس الحق الإنساني, وليس بنيتي أن أُرْضي عربيا أو عراقيا على حساب الحق الكردي في الإستفتاء, وحتى في دولة مستقلة, لكن الذي أدريه أن هذا الحق يجب ان لا يتم الوصول إليه بطريقة ستحول المظلوم إلى ظالم بعد أن تجعله أوهام القوة يظن أن بإمكانه فرض الأمر الواقع في منطقة إقليمية ليس من السهولة هز ثوابتها الديموغرافية.
ونعلم أن دولة كردية بدون كركوك لن تقوم, وإن جيرة وديعة بين الأكراد المنفصلين وبين العراق لن تولد ما لم تحسم هوية هذه المدينة العراقية, فكيف إذا اضيفت إلى ذلك مشكلة باقي الأراضي كسهل نينوى وسنجار وخانقين وزرباطية نزولا حتى بدرة وجصان.
وأسأل : لو أنه قدر لكوردي عراقي أن يضع أهدافا جديدة من أجل حصوله على حقوقه الوطنية فهل سيظن أنه سيحصل على وضع أفضل من ما تحقق له في سنواته الأخيرة, أم أنه سيظن أن الذي يشجعه على الإنفصال هو الذي يتآمر عليه, وليس ذاك الذي ينصحه بعكسه.
إن العراقيين جميعا هم في أمس الحاجة إلى مراجعة ثوابتهم السياسية السابقة وتعديل إستراتيجياتهم القديمة على ضوء ما تحقق منها وما فشل, وفي المقدمة منها تلك التي تم وضعها في ظروف مغايرة جدا للظروف الحالية, وسوف تتأكد أغلبيتهم أنهم جميعا بحاجة إلى (العَرْقَنَة) التي توحدهم في دولة عمادها العلمانية والمساواة أمام القانون عِبْرَ عراق يمر من خلال مصالحه إلى العالم.
وبالأمس لم يكن لدى الكورد ما يخسرونه, وكانوا, يوم يعلو صوت النفير, أسرع من غزال جبلي في صعود الجبال, أما اليوم فصارت لهم حواضر يعز على المرأ أن يراها تذهب ضحية لهدف كان قد تم وضعه في ظرف لم يكن لدى الكوردي ما يخسره.
إنه البحر المتلاطم أمامكم ومسعود لا يملك عصا موسى لكي يشق البحر.
وحتى لو أنه ملكها فهو ليس موسى وعصرنا لم يعد عصر المعجزات.
إنه عراقكم كما هو عراق العرب والتركمان والكلدوآشوريين.
ولو أن عربيا قال لكم إذهبوا عنه فقولوا له إذهب أنت فنحن هنا قاعدون.

اترك تعليقاً