السيمر / الخميس 28 . 09 . 2017
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
هل يختتم الرئيس الفلسطيني محمود عباس حياته الطويلة بأعمالٍ عظيمةٍ وإنجازاتٍ كبيرة، يعوض فيها بعض ما خسر، ويستدرك شيئاً مما فقد، ويحبر بها ما كسر، ويحقق بها ما تمنى شعبه وحلم به أبناء وطنه، فيبلسم جراحاتهم، ويخفف من آلامهم، ويقف معهم وإلى جانبهم، ويرفع عنهم العقوبات التي أثقلت كواهلهم وكسرت ظهورهم، وتسببت في الكثير من معاناتهم، فتجعل خواتيم أعماله له بين المواطنين في فلسطين ذكراً حسناً، وعند الله يوم القيامة ذخراً وأجراً، يرجو بها وجه الله ويلتمس رضاه، ويبرأ إليه سبحانه وتعالى من جرم ما فعل، وفحش ما ارتكب، وسوء ما خطط ونفذ، إذ ساهم في تجويع المواطنين، وحصار الفلسطينيين، ومعاناة سكان القطاع، الذين ما كان ينقصهم قيدٌ آخر، ولا يلزمهم حصارٌ جديدٌ.
هل يكون الرئيس الفلسطيني جاداً في المصالحة الوطنية، وصادقاً في تحقيق الوحدة الفلسطينية، ومسؤولاً في متابعة هموم وشجون شعبه، فلا يتهم الطرف الآخر بالعرقلة والتعطيل، والمماطلة والمراوغة، ولا يشكك في نواياهم وحقيقة أهدافهم، ولا يتهمهم بعدم الصدق والوفاء في تنفيذ بنود المصالحة الأخيرة، ولا يحاول بنفسه متعمداً عرقلة ما تم الاتفاق عليه، أو تعطيل ما تم التوصل إليه، ولا يفرض شروطاً جديدة، ولا يطلق العنان للناطقين باسمه والمتحدثين في سلطته، والمشرفين على ملف المصالحة والحوار الوطني، لإطلاق تصريحاتٍ تجهض المصالحة، وتقتل الاتفاق، وتعيد الأزمة إلى بداياتها، والانقسام إلى جذوره الأولى، خاصةً أن جذوة الانقسام ما زالت تحت الرماد متقدة، وأنها ما انطفأت بعد ولا خمدت نارها ولا بردت سخونتها.
هل تكون أفضل أعمال الرئيس الفلسطيني محمود عباس خواتيمها، وأرجأها خيراً وأعظمها فضلاً آخرها، وهل تكون أيامه الباقية أفضلها، ويكون شجاعاً بالقدر الكافي، وصادقاً كما يجب، وجاداً كما ينبغي، وجريئاً كما نأمل، فتكون صفحته الأخيرة ناصعة بيضاء، يسطر فيها أماني الشعب وأحلامه، ويطوي بها سجل الانقسام الأسود، ويضع خاتمةً لمسلسل الأحزان المرير، ويمد يده للمصافحة، ويبسط كفه للمسامحة، ويساعد في صفاء النفوس، وإرضاء القلوب، وتلطيف الأجواء بين أبناء الشعب المنقسمين، لتعود إليهم وحدتهم وألفتهم، ولحمتهم ومحبتهم، وترابطهم واتصالهم، فهذا لعمري أعظم ما يقوم به رجلٌ قائدٌ ورئيس مسؤول، وأرجأ ما ينهي به حياته عاقلٌ متزنٌ حصيفٌ حكيمٌ، يريد الآخرة ويرجو رحمة ربه.
الفلسطينيون يتوقعون من رئيس سلطتهم الوطنية ألا يتأخر في تكليف حكومته بالذهاب إلى قطاع غزة، ومباشرة أعمالها في محافظات الوطن الجنوبية، فالأمر لا يتطلب تأنٍ ودراسة، ولا طول بحثٍ وعناء إعدادٍ، فالقطاع قريب والوزراء حاضرون وجاهزون، والمواطنون فيه ينتظرون حكومتهم بشغفٍ، ويتوقعون قدومها على أحر من الجمر، لتمارس دورها المنشود، وتأخذ صلاحياتها المنصوص عليها، وتباشر في حل أزمات القطاع وحل مشاكل السكان، فقد استعصت المشاكل وتشعبت الأزمات، وضاق المواطنون ذرعاً بحالهم، ويأسوا من أوضاعهم، وظنوا أن الأرض قد ضاقت بهم، وأن الحياة الكريمة لم تعد لهم، ولكنهم يأملون في هذه المصالحة خيراً، فلا يخيبن الرئيس رجاءهم، ولا يقتلن الأمل الأخير الباقي في قلوبهم.
على الرئيس الفلسطيني أن يقف على منبر الوطن العالي، يوجه منه بحماسةٍ وسعادةٍ، ورضى وقبولٍ، إلى شعبه كلمةً صادقةً صريحة، يكون فيها مباشراً وشفافاً، يزف إليهم حقيقة المصالحة، ويعدهم بمستقبلٍ أفضلٍ، وينعي إليهم نبأ أفول الانقسام وانتهاء عهد القطيعة، ودفن حقبة الفرقة إلى الأبد، ويعلن بوضوحٍ عن نواياه الطيبة كرئيسٍ تجاه أهله في غزة، يبشرهم بأمل، ويحدثهم برجاء، ويعلن إلغاء كل القرارات الجائرة، ومباشرة المصالحة العادلة، ويأمر أجهزته وحكومته بإعلان حال الطوارئ للنهوض بالقطاع وأهله، وتقديم كل ما يمكن لتعويضه وسكانه عما أصابهم وحل بهم، فهذه بشرى ينتظرها الشعب ويتوقعها، فلا يضيعها الرئيس ولا يفقدها، ولا يؤخرها ولا يعطلها، فإنها ستكون له إن قام بها، وستحسب له إن صدق فيها، وسيطوي بها سجلاً أسوداً ويفتح بها سفراً جديداً بصفحاته البيضاء وغده المشرق.
وعلى الرئيس الفلسطيني ألا يتوقع أن زيارة رئيس حكومته والوزراء المرافقين له إلى قطاع غزة ستكون زيارة سهلة، وأن طريقها ستكون معبدة، وأن العقبات التي أمامها قد زالت أو ذللت وكأنها لم تكن، إذ أن واقع العشرية المرة التي مضت على سكان قطاع غزة قد صنعت سدوداً محكمة وأسواراً عاليةً، وخلقت مشاكل كبيرة وتحدياتٍ خطيرة، لا يمكن تجاهل أو إنكار حقيقة وجودها، أو نفي مفاعيلها وآثارها النفسية والمادية، ولهذا فإن على الرئيس الفلسطيني ألا يتوقع أن ينتظر سكان غزة رئيس حكومته ومعاونيه عند مداخل القطاع، ولا أن يقفوا له في طوابير على جانبي الطريق لتحيته، ولا يحلم أن تقوم النساء بنثر الأرز على موكبه، أو أن تقدم إليه الفتيات باقات الورد، فهذا لعمري آخر ما يمكن أن يقوم به سكان قطاع غزة، وإن كانوا يأملون ذلك ويتمنونه، إذ أنهم أهل جودٍ وكرمٍ، وأهل السخاء والندى، ولكن جرحهم غائر وألمهم بليغ.
التحدي الذي ينتظر الرئيس الفلسطيني تحدي كبير، والمهام التي يواجهها جسيمة وخطيرة، ولكن حجم الإنجاز أكبر وقيمة الثمرة أعظم بكثير، إن هو أمضى المصالحة وأتم الاتفاق، ولعله يعلم أنه بالمصالحة يرضي شعبه ويسخط عدوه، وهنيئاً لمن أرضى بعمله شعبه وأسعد أهله، ورسم على شفاههم بسمة الأمل، وأضفى على وجوههم إشراقة الحياة، وطوبى لمن أغضب عدوه وأسخطه، وضيق عليه وأربكه، وأسقط مشاريعه وأفشل مخططاته وأحبط نفسه، ولا شيء يحزنه كاجتماع الأهل ووحدة الشعب، فهل يغيظه الرئيس محمود عباس، ويتركه يعض أصابعه غيضاً ويموت قهراً.