السيمر / الاحد 11 . 03 . 2018 — في خطوة تعتبر إعلاناً صريحاً من رئيس الوزراء العراقي، “حيدر العبادي”، عن رهانه على قوات “الحشد الشعبي” لخوض انتخابات آيار/مايو المقبل؛ وتقطع الطريق أمام منافسه رئيس الوزراء السابق، “نوري المالكي”، أصدر “العبادي” مرسوماً، الخميس 8 آذار/مارس 2018، يضفي الصفة الرسمية على ضم فصائل شيعية مسلحة إلى قوات الأمن في البلاد.
ويقضي المرسوم بأن يحصل مقاتلو قوات “الحشد الشعبي”، الذين تدعمهم وتدربهم إيران في الأغلب، على الكثير من حقوق أفراد الجيش.
آليات الدمج الإداري لقوات «الحشد» داخل الجيش العراقي.. سيحصل المقاتلون على رواتب تتساوى مع ما يتقاضاه أقرانهم من أفراد الجيش؛ كما ستطبق عليهم قوانين الخدمة العسكرية؛ وسيقبل منتسبو “الحشد الشعبي” في الكليات والمعاهد العسكرية.
وحدد الأمر الديواني رئيساً أعلى للهيئة ونائبين له على أن يتم تسميتهم مع بقية منتسبي الهيئة بأمر ديواني يصدره القائد العام للقوات المسلحة، وطبقا لشروط محددة تشمل العمر والمستوى الدراسي والسلامة القانونية.
وفيما يتعلق بعناصر “الحشد الشعبي”، المنخرطين حالياً فيه ولا تنطبق عليهم الشروط السابقة، فسيتم إستيعابهم “ضمن النصاب المدني” للهيئة ويسري بحقهم قانون الخدمة المدنية العراقي وقوانين موظفي الدولة.
واشترط الأمر الديواني بمن يشغل منصب “آمر تشكيل” في “الحشد” فما فوق؛ أن يكون خريج دورات كلية القيادة أو كلية الأركان التابعة لوزارة الدفاع، وأن لا يكون قد شغل المناصب المذكورة إلا بموافقة القائد العام للقوات المسلحة.
وكان المرسوم متوقعاً منذ بعض الوقت، ويأتي قبل شهرين من انتخابات عامة مرتقبة.
وتحظى قوات “الحشد الشعبي” بالتأييد في أوساط الأغلبية الشيعية في العراق، ومن المتوقع أن تؤثر في الأصوات.
قدموا الدعم للجيش العراقي حتى تم طرد تنظيم «داعش»..
كان عشرات الآلاف من العراقيين قد إستجابوا، في 2014، لدعوة إلى حمل السلاح وشكلوا قوات “الحشد الشعبي”، وذلك بعد أن سيطر تنظيم (داعش) على ثلث أراضي العراق. وقدم مقاتلو “الحشد” الدعم للجيش العراقي في طرد التنظيم المتشدد من المناطق التي سيطر عليها عام 2014، عندما تركت وحدات من الجيش والشرطة العراقية مواقعها.
وأعلن العراق النصر على المتشددين في كانون أول/ديسمبر الماضي، لكن قوات “الحشد الشعبي”، التي يقدر أنها تضم ما يربو على 60 ألف مقاتل، ما زالت منتشرة في العديد من المناطق ذات الأغلبية السنية التي شهدت قتالاً عنيفاً خلال الصراع الذي استمر ثلاث سنوات لطرد الدولة الإسلامية.
قانون دمج «الحشد الشعبي» منذ 2016..
كان البرلمان العراقي قد أقر قانوناً، عام 2016، لإدماج قوات “الحشد الشعبي” في أجهزة الدولة على أن تكون القوات تحت سلطة رئيس الوزراء مباشرة. ويقضي نظام الحكم في العراق بأن يكون رئيس الوزراء شيعياً.
ولإيران دور واضح في تنسيق قيادة قوات “الحشد الشعبي”، التي تلتقي كثيراً بـ”قاسم سليماني”، قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وتستشيره.
وفي تشرين أول/أكتوبر الماضي قال وزير الخارجية الأميركي، “ريكس تيلرسون”، إن الوقت قد حان لعودة الفصائل المدعومة من إيران إلى ديارها في ظل هدوء وتيرة قتال تنظيم داعش.
وشكلت قضية رواتب ومخصصات مقاتلي “الحشد”، مادة للجدل والمزايدات لدى مناقشة الموازنة المالية للعام الجاري، التي تأخر إقرارها 3 شهور بسبب الخلافات السياسية بشأن حصص كل من الشيعة والسنة والأكراد. ولم تلب الموازنة طلبات قادة في “الحشد الشعبي”، بمساواة رواتبهم ومقاتليهم بعناصر الجيش العراقي، لأن البرلمان لا يملك حق إضافة أي أعباء مالية إلى الموازنة.
خيانة حقيقية..
كانت فصائل من “الحشد الشعبي” قد هاجمت الحكومة العراقية لعدم التعرض لهم في الميزانية، حيث أبدت حركة “عصائب أهل الحق”، إحدى فصائل “الحشد الشعبي”، استغرابها من عدم مساواة منتسبي “الحشد” بأقرانهم في القوات المسلحة في موازنة 2018 من حيث الراتب والمخصصات.
وكتب “قيس الخزعلي”، الأمين العام للحركة، على (تويتر): إن “عدم مساواة أبطال الحشد الشعبي بإخوانهم في الأجهزة الأمنية وعدم تثبيتهم على ملاك الدولة الدائم وبقائهم بصيغة عقود على الرغم من كل التضحيات التي قدموها، وعلى الرغم من توصيات المرجعية الدينية، خيانة حقيقية بكل معنى الكلمة”.
كما اعتبرت “حركة النجباء”، أن الصراعات السياسية و”الصفقات ذبحت” حقوق “الحشد الشعبي” في موازنة عام 2018، مشيراً إلى أن ما جرى في البرلمان العراقي “أسقط أقنعة المتسترين” بغطاء المرجعية وهموم الشعب.
تقضي على ما يثار بشأن مشروعية «الحشد الشعبي»..
رحب الدكتور “محمود الأنور”، السياسي والقيادي في حركة “كلنا عراق”، بقرار رئيس الوزراء العراقي، “حيدر العبادي”، الذي أضفى الصفة الرسمية على قوات “الحشد الشعبي”، بضمها إلى قوات الأمن في البلاد.
وقال “الأنور” إن هذه الخطوة من شأنها أن تقضي على كافة ما يثار داخلياً وخارجياً بشأن مشروعية وقانونية وضع قوات “الحشد الشعبي”، كما أنها تعتبر تحركاً ذكياً من الحكومة الاتحادية، يضمن استمرار القوات في حالة جاهزية وقوة دائمتين.
ولفت إلى أن المرسوم كان متوقعاً منذ فترة، ولكن التوقيت الذي جاء فيه يدل على “حنكة القيادة السياسية، حيث أن إنتهاء العمليات في وقت قريب قد يتيح الفرصة لنمو نزاعات، خاصة مع تربص البعض بوحدة العراق، وبالتالي فصدوره الآن يوحد الجبهة الداخلية، في ظل إقبال العراق على انتخابات تشريعية، مقرر إجراؤها في 12 آيار/مايو المقبل”.
ليست حالة صحية مستقبلياً..
فيما علق المحلل السياسي العراقي، “عماد الدين الجبوري”، على ضم “الحشد الشعبي” للمؤسسة الأمنية، قائلاً: “هذه حالة ليست صحية من الناحية المستقبلية، لأنه بذلك يتم التأسيس إلى نمطية جديدة تَجعل البنية السياسية غير مستقرة، التي هي أصلاً العملية السياسية بعد هذه الأعوام أثبتت فشلها وأن الطبقة السياسية عبر الفساد المالي والإداري أثبتت الفجوة الكبيرة بينها وبين عموم الشعب”، مضيفاً: “أنت تؤسس لحالة غير صحية وتريد مستقبل مستقراً لها”.
وأضاف “الجبوري”، أنه كما هو معلوم بالصوت والصورة، أن هذه العناصر إرتكبت جرائم قتل وإرهاب ونسف للمساجد ونهب للمحلات وحرق للمنازل وحرق للأجساد، ولم يُحاسب شخص ما، مُتساءلًا: “كيف يتم دمج هذه الفئة التي إرتكبت كل هذه الجرائم ؟”.
برغبة إيرانية وبضغط من أطراف شيعية..
لكن مراقباً سياسياً عراقياً آخر؛ يقول إن كل ما يفعله “العبادي”، في الأيام الأخيرة من ولايته الأولى، يمكن تفسيره على أساس انتخابي، غير أن إقرار وضع ثابت لـ”الحشد الشعبي” من ناحية الإمتيازات المالية ليس كذلك، فهو يتعلق بدرجة أساسية برغبة إيرانية أولاً وبضغط مارسته أطراف شيعية متشددة؛ كانت ورقة “الحشد الشعبي” تمثل واحداً من خياراتها في إضعاف موقع “العبادي” انتخابياً.
وأضاف، المراقب، أن “العبادي” نجح من خلال قراراته الأخيرة في حرق تلك الورقة، غير أنه لن ينجح في عزل قيادات “الحشد الشعبي”، التي صارت جزءاً من المشهد السياسي المضطرب، معتقداً أن ما سيجري مستقبلاً هو أن تلك القيادات ستعزز مواقعها داخل “الحشد” ولن يجرؤ “العبادي” أو سواه على المس بتلك المواقع التي هي من إختصاص “قاسم سليماني”، (قائد الحرس الثوري الإيراني)، الزعيم الحقيقي للحشد.
من غير المستبعد أن يهيمن «الحشد» على الجيش..
أشار إلى أن القرارات الجديدة للعبادي سمحت لأفراد في “الحشد الشعبي” بالتغلغل في الجيش العراقي، وأنه ليس من المستبعد أن يهيمن “الحشد” على الجيش، ما يمكن أن يشكل ضربة عنيفة لكيان الدولة العراقية، لافتاً إلى أن “الحشد” سيحتفظ باستقلاله بغض النظر عن القوانين التي ستكون مجرد حبر على ورق، وأن ما يقال عن تابعية “الحشد” للقائد العام للقوات المسلحة ليس سوى كلام مرسل يُراد منه إضفاء الشرعية على وجود ميليشيات طائفية، لها مشروعها الخاص الذي لا يلتقي مع بناء الدولة.
ويعتقد المراقب أن “العبادي”، من خلال قراراته الأخيرة، قد أقر بضعفه أمام قيادات “الحشد الشعبي”، وأن “الحشد” لن يكون مصدراً لقوته، بل العكس هو الصحيح، والدليل على ذلك أن تحالفه مع تلك القيادات لم يصمد إلا ساعات قليلة.