السيمر / الاثنين 12 . 03 . 2018
عبدالرضا الساعدي
في معظم الدول الديمقراطية المتحضرة التي تنبثق حكوماتها من خلال الانتخابات الشعبية ، يتبارى المرشحون لهذه الانتخابات للتنافس فيما بينهم من خلال مشاريعهم وخططهم واستراتيجياتهم ، وتبدأ من خلال رؤية مدروسة وشاملة وحكيمة تراعي مصالح الناس وسياسة البلد ، انطلاقا من فكر المرشح أو الحزب و الجهة المتصدية لهذه القضايا المهمة والمصيرية التي يعول عليها الناس والدولة في البناء والتطور وتلبية حاجات المجتمع والحياة عموما، وليس عبر الخطابات والدعاية والشعارات أو كثرة الملصقات والصور فقط .. لهذا كلّه ، وعلى هذا الأساس يتنافس المتنافسون بشرط أن تكون خطوط الشروع متساوية وعادلة للجميع ، كي تكون المنافسة شريفة ونزيهة من أجل تحقيق الأهداف الحقيقية من الانتخابات ومن مفهوم الديمقراطية بوصفها سلطة الشعب ، ومن أهدافها المعروفة يمكن إيجازها بما يلي : تطوير المجتمع على أسس ثقافية واقتصادية وسياسية يتبناها أشخاص منتخبون يتمتعون بالكفاءة والجدارة والاستحقاق ، كما من بين أهدافها تحقيق الحرية والعدالة والمساواة ، مع تحقيق الأمن والأمان واحترام المال العام واحترام الرأي الآخر والعمل من أجل ترسيخ المصلحة العامة وجعلها الأولوية في العمل والرؤية ، تشريعا وتطبيقا .. من كل هذا ، ينبغي للمرشح أن يبدأ وينطلق ويمضي في سبيل تسويق انتخابي يليق به وبالناس التي يمثلها ..
هل يحصل هذا عندنا ؟
معظم الدلائل والنماذج التي مرت علينا خلال 13 عاما تقريبا من المسيرة الانتخابية البرلمانية ، بدءا من 2005 ، تشير بشكل واضح وصادم أن معظم المرشحين والسياسيين لا يجيدون تسويق أنفسهم ، ولا يتمتعون بمستويات مهنية وشخصية ومهارات وكاريزما تؤهلهم لكي ينالوا ثقة الناس ، وأن أغلبهم جاءوا للبرلمان أو السلطة بفضل أساليب ليست ديمقراطية ، ربما من خلال التلاعب والاحتيال والتزوير ، أو بفضل جهته و كتلته التي لها أهداف ضيقة من ترشيحه لهذا (المكان ) وذاك المنصب .. والنتيجة ماذا ؟ : مجموعة من الكوارث المتراكمة بحق الناس والديمقراطية والحياة عموما !! .
هكذا ..عدم كفاءة بعضهم وغياب المهنية والاستحقاق مع الارتجال غير المبرمج والمدروس ، صفات تفضح بعضهم على الملأ ولم يعد سراً خافيا ، لاسيما حين يقترب موعد الانتخابات شيئا فشيئا ، فيقع هذا البعض في سوءة تصرفاته وصفاته ليقدم نفسه أمام وسائل الإعلام بطريقة هزلية ، مرة ، ومرة بطريقة مكررة وبائسة ولا تحمل أي أفق ومنظور صادق يمكن أن يدعو لجلب الثقة والقناعة لدى الناخبين أبدا ، فكيف بمن يقدم نفسه بطريقة معيبة ومخزية ؛ مقترباً من حدود ما هو مقدس وشريف ومعصوم ، بل ومتشبها به ، لا لشيء سوى أنه لا يحمل شيئا في جعبته ما يقنع الآخرين ، بعد أن أصبح مكشوفا واضحا ، مفلسا من المؤهلات ، سوى لقلقة لسان معرّض للهفوات والسقطات دائما .. وهناك حكمة مهمة صالحة للبقاء والتداول في هذا المجال وفي غيره وهي : ” تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقتوتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت لكن لا تستطيع خداع كل الناس .. كل الوقت ”
لهذا يمكن أن نشبّه تسويق بعضهم لأنفسهم وكتلهم وأحزابهم ، بمصائب إضافية تضاف إلى مصابات كثيرة نمر بها ، تسويق يفوح منه الاستغفال والدجل وروائح المصالح الشخصية والفساد عموما ، يُنفق من خلاله ملايين الدولارات ، فهل يمكن لمصدر السلطات -ونعني الشعب- أن يعيد هكذا نماذج إلى قبة البرلمان ، كي يتنعموا ومن معه ، من جهته التي جلبته ، بالثروات والجاه والسلطة والمغانم بدون وجه حق ، ومن خلال الاحتيال أو التلاعب بمفاهيم الديمقراطية وأهدافها ، وترتيب الشروط والقوانين والفرص الانتخابية التي تسمح بمرور المرشحين غير المؤهلين أو غير القادرين على خدمة البلد ، فكيف يمكن لسياسي لا يجيد تسويق نفسه أمام الناس أن يكون مقنعا في خدمتهم ، وإلى متى يستمر بقاء الوجوه المرفوضة ، المكررة والمجربة التي لا جدوى من بقائها ؟ والأدهى من ذلك أيضا كيف يسوّق شخص نفسه ، وهو متهم بالفساد والإرهاب ليعود إلى الساحة السياسية والانتخابية من خلال عفو خاص أو عام أو ما شابه ، تحت صفقات وطبخات سياسية معدة ومعروفة تداولها الكتل والأحزاب فيما بينهم لأغراض لا صلة لها بمصالح الشعب والبلد ؟؟ ..
كلها أسئلة تحتاج إلى حسم ووقفة جادة من جميع الأطراف ، وأولها مصدر السلطات : الشعب .