السيمر / الخميس 26 . 04 . 2018 — بعد تحرير الموصل في تشرين الثاني/نوفمبر2017 والتخلص من عصابات تنظيم داعش الإرهابي ترأس العراق جلسة خاصة لمؤتمر جمعية البرلمانات لدول حلف الشمال الأطلسي (الناتو) حول (مستقبل العراق وسوريا بعد تنظيم داعش)، ورجح أغلب المراقبين أن هذه الخطوة هي مهمة بالنسبة للعراق، لأنها تأتي للمرة الأولى التي يشرف الوفد العراقي على جلسات المؤتمر، وأستعراض وجهات النظر والدول المشاركة في هذا المحفل الدولي الكبير.
ويسعى حلف الناتو إلى أثبات حضوره في العراق بعد داعش من الباب العسكري وكل ماله علاقة بالمؤسسة العسكرية العراقية، أذ يقول (ينس ستولتنبرغ) الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)(أننا نقوم بتدريب القوات العراقية، ومستمرون بدعم بغداد، ومساندتها، والتعاون معها في التدريب، وبناء الأكاديميات العسكرية، والتزويد بالخبرات).
ويأتي الدور الذي يلعبه الناتو من أجل منع تسلل مقاتلي داعش إلى أوروبا، وجعله محصورا في منطقة الشرق الأوسط حصرا، ولذلك جاء دور الناتو لتدريب الجيش العراقي ليكون على أستعداد لمواجهة أي تنظيم، مسلح قد يظهر مستقبلا، لكن الملفت للنظر أن وجود الناتو سيقتصر على تدريب العسكريين العراقيين على عمليات إزالة القنابل، والقذائف التي زرعها تنظيم داعش الإرهابي، ولم تنفجر، لكنه لن يرسل عسكريين لمهام قتالية.
وخلق وجود الناتو في العراق إشكالية قانونية داخلية عراقية خاصة بعد أن أكدت اللجنة القانونية النيابية أن تواجدا، وبقاء قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العراق يحتاج إلى قرار من الأمم المتحدة، وموافقة مجلس النواب العراقي، وقالت عضو اللجنة عالية نصيف (أن حلف الشمال الأطلسي (الناتو) يجب أن يحصل على قرار من الأمم المتحدة لبقاء قواته في العراق)، مؤكدة (أن أي تواجد عسكري يحتاج لشرعية دولية)، وأضافت (أنه ليس من حق الحكومة العراقية أن تطلب البقاء على الوضع العسكري الاجنبي مع أعلانها الانتهاء من حرب داعش)، مشيرة إلى أن (مثل هذه المواقف تحتاج إلى قرارات دولة، وشعب، وليس علاقات أشخاص)، في الوقت الذي أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ستولنتبرغ (أن قوات الحلف ستبقى في العراق إلى أجل غير مسمى بناء على طلب حكومي).
حسم الجدل
وقد حسم النائب العراقي (جاسم محمد جعفر) الجدل على وجود قوات الناتو في العراق بالقول(أن موضوع بقاء القوات الأجنبية يحتاج إلى موافقة البرلمان، أما قضايا التدريب، والتأهيل، والتقنيات، والاستشارة، فمن صلاحيات رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي وليس في حاجة إلى موافقة البرلمان)، واضاف جعفر أنه (حتى وأن وجد طلب خطي من رئيس الوزراء لحلف الشمال الأطلسي للبقاء في العراق للتدريب، والاستشارة، والمساعدة التقنية وليس في الموضوع مخالفة قانونية). مؤكدا أن (هناك أتفاقية عسكرية بين العراق وأمريكا لعدم أفساح المجال لإقامة معسكرات داخل الأراضي العراقية، أما حاجة المدربين من صلاحية العبادي).
والأكثر من ذلك سبب تواجد الناتو في العراق منذ عام2003 ولحد الان تخلل في الاجماع الأوروبي في تأييد وجود قوات الناتو في العراق بسبب عدم وجود ارادة سياسية في تقسيم مهام الناتو لأن فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، وأسبانيا لازالت تصر على الفصل بين دور أطلسي محدود في العراق لتأهيل كوادر القوات العراقية خارج العراق وبين التزام فعلي، وصريح في هذا البلد، وتقول الدول الأربعة (أنه في الامكان التعامل بشكل ثنائي، أي بين كل دولة والعراق في المرحلة القادمة دون تمكين الناتو من دور رسمي، وبين موقف يرفض الحلف والذي بات أكثر قدرة حاليا على تجـاوز الانشـقاق في صـفوفه).
وبالرغم من كل ماذكر فأن تأريخ وجود الناتو في العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003ولحد الان كان له العديد من التداعيات على العراق وكما تحددها إحدى الدراسات وكما يأتي:
1. تنطلق رؤية الناتو من موقف سلبي، مسبق من شيعة العراق، مبني على أساس صبغة طائفية سنية تصب في المشروع الأمريكي لإقامة إقليم سني في المنطقة الغربية، تلعب فيه تركيا، والسعودية دورا مؤثرا وهو مايترتب عنه هدرا للسيادة الوطنية العراقية، ومحاولة للإخلال بالتوازنات الإقليمية.
2. أن تجاهل الغرب للواقع السكاني العراقي، حيث الأغلبية الشيعية، والتداخل الجغرافي، والإنصهار الاجتماعي، وتوزيع النشاط الاقتصادي الخ قد يزيد الأزمات العراقية تعقيدا، وينسف العديد من مشاريع التوافقات السياسية القائمة، وينأى بالعراق بعيدا عن أي فرص أستقرار ممكنة.
3. تراهن الولايات المتحدة الأمريكية على تسليح المناطق السنية، ومنحها نفوذ سياسي أكبر للعب دور أساسي في الحرب على الإرهاب، غير أنها تكاد تجهل طبيعة الصراعات الداخلية للاقليم السني نفسه، فهناك تنافس في النفوذ العشائري، وتنافس حتى على مستوى التبعية الإقليمية، وكل هذه التناقضات وغيرها ستترجم نفسها (بفوضى خلاقة) تشمل الساحة السنية، وتعزز فرص عودة الجماعات الإرهابية مجـددا.
ويحاول الناتو تغيير الصورة السابقة له عبر تبني دور جديد في العراق محل التحالف الدولي بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، إذ أكدت(أور سولا فون دير لاين) وزيرة الدفاع الألمانية (بعد الهزيمة التي مني بها التنظيم في العراق يجب أن نركز الآن على إعادة أعماره كي تكون الحكومة العراقية قادرة في السنوات المقبلة على العودة إلى الاستقرار) مؤكدة أن (الجيش الألماني سيلبي طلبا للحكومة المركزية في بغداد لتقديم المساعدة للعراقيين تتضمن بناء وزارة للدفاع، وطرق تقديم الامدادات الطبية).
تحسس إقليمي
وبالرغم من تبرير الناتو لوجوده في العراق في مجال التدريب، ومساعدة الجيش العراقي لوجستيا، ورفع كفاءته القتالية، ألا أن وجوده هناك أحدث نوعا من التحسس الإقليمي وخاصة من إيران، حيث أعلنت عن رفضها بشكل صريح مساعي حلف الشمال الأطلسي (الناتو) إقامة قاعدة عسكرية دائمة في العراق حيث أكد (علي أكبرولايتي) مستشار قائد الثورة الإسلامية في إيران للشؤون الدولية (أنه من غير الممكن أن يكون للامريكان حضور في شرق الفرات، وأن جبهة المقاومة لاتسمح بوجود قاعدة للناتو في الشرق الأوسط).
ولم تقف الولايات المتحدة الأمريكية على الحياد من هذا التحسس الإيراني من وجود الناتو في العراق، بل تؤكد في كل مناسبة أن وجوده في العراق مهم، وتدعم توسيع دوره هناك، لأنها بنظرها تعد ركيزة أساسية جديدة للأمن عبر الأطلسي، وغايتها الرئيسية من ذلك هو الحفاظ على قوتها، ومصالحها التي تمتلكها وهذا ماأكده مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق (أنتوني ليك) بقوله (أننا سنقوم بكل مايلزم للدفاع عن هذه المصالح الحيوية، وهي سبب وجود قواتنا العسكرية، وستبقى كذلك مادامت هناك دول، ومادامت طبيعة البشر لم تتغير )، وعليه وظفت واشنطن الحلف عسكريا ليديم لها أنتشارها الخارجي، ويوفر لها القواعد الضرورية لخدمة ذلك الانتشار، كما أنه ومن خلاله يتم قيادتها للعالم الرأسمالي بوجودها في أكثر مناطق الأكثر حيوية، فضلا عن مايوفر لها هذا الحلف من ميزات للحيلولة دون تكون إئتلافات، أو تحالفات ضدها، فضلا عما يقدم لها الحلف من مساعدات في حربها ضد الإرهاب.
المصدر: القدس العربي