السيمر / الاثنين 30 . 04 . 2018 — ترحيل ملف المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل إلى البرلمان المقبل المقررة ولادته بعد أسابيع قليلة من الآن، يعني بالضرورة أن أولى الأزمات التي تنتظر البرلمان تتعلق بالمادة 140 من الدستور الخاصة بتحديد مصير هذه المناطق. ويتوعد مسؤولون أكراد بفتح ملف المناطق المتنازع عليها بعد تشكيل البرلمان والحكومة عقب انتخابات مايو/ أيار المقبل والدفع لتطبيق المادة 140 من الدستور، في حين يريد مسؤولون في بغداد تعديل المادة وإلغاء مصطلح المناطق المتنازع عليها، على اعتبار أن السيطرة على هذه المناطق وإدارتها من قبل الحكومة الاتحادية مسألة محسومة، وأن أي بلدة من تلك البلدات لا تقل أهمية عن بغداد أو النجف أو الفلوجة.
وتُشكل المناطق “المتنازع عليها” شريطاً يبلغ طوله أكثر من ألف كيلومتر يمتد من الحدود مع سورية حتى الحدود الإيرانية، وتبلغ مساحتها نحو 48 ألف كيلومتر. يمرّ هذا الشريط إلى جنوب محافظات الإقليم الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، التي تتمتع بحكم ذاتي، ويشمل أراضي في محافظات نينوى وأربيل وصلاح الدين وديالى، إلى جانب محافظة كركوك، وهذه الأخيرة تُعد الأبرز كونها الأغنى باحتوائها على النفط. وتمتلك هذه المناطق أهمية خاصة، إذ يتوفر فيها نحو ثلث النفط العراقي، فضلاً عن حقول غاز ضخمة، عدا عن كونها مناطق حدودية مع تركيا وإيران ذات طبيعة تجارية جيدة.
“تريد القوى الكردية تطبيق المادة 140 من الدستور الخاصة بتحديد مصير هذه المناطق”
تاريخياً، فإن غالبية تلك المناطق ذات أصول عربية إما مسيحية أو إسلامية، لكنها تغيّرت خلال القرن الماضي بفعل الهجرة الكردية من مناطق حدودية إيرانية وتركية، وشملت هذه الهجرة مناطق سورية مجاورة للعراق أيضاً غالبيتها ذات طبيعة جبلية صعبة. ويقطن حالياً في هذه المناطق خليط من القوميات والطوائف العراقية من عرب وأكراد وتركمان ومسلمين ومسيحيين.
وعمد الدستور الذي أقرّ عام 2005، من خلال المادة 140، إلى تحديد صيغة لحسم مصير المناطق المختلطة التي تقول أربيل إنها كردية أو إنها ذات غالبية كردية، تقضي بتنظيم إحصاء عام للسكان ومن ثم إجراء استفتاء يخيّر السكان هناك بين البقاء تحت سلطة الدولة المركزية أو الانضواء تحت إدارة كردستان. لكن لم تطبق المادة بسبب مشاكل سياسية واتهامات من بغداد لأربيل بتنفيذ عمليات تغيير ديمغرافية لصالحها وطرد العرب المسلمين والمسيحيين وتوطين أكراد من مناطق داخل إقليم كردستان في المناطق المتنازع عليها. وتصرّ بغداد على أن يحتفظ إقليم كردستان بحدود عام 2003 الرئيسية أو ما يعرف بالخط الأخضر الذي يتمثل بحدود محافظات كردستان الثلاث، أربيل ودهوك والسليمانية الإدارية، في حين تكون المناطق التي تضم المكون الكردي خارج حدود الإقليم المعروفة تحت إدارة الحكومة الاتحادية بما فيها كركوك، وعدم التلاعب بالحدود الإدارية لمحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين.
وعلى الرغم من أن أربيل أدخلت تلك المناطق في الاستفتاء الذي نظمته للانفصال عن العراق في عام 2017، إلا أن الحملة العسكرية الضخمة التي أطلقتها بغداد بمشاركة عشرات الآلاف من الجنود وبغطاء جوي أدى إلى طرد القوات الكردية (البشمركة) منتصف أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي من غالبية تلك المناطق وعودتهم إلى حدود عام 2003.
“تُشكل المناطق “المتنازع عليها” شريطاً يبلغ طوله أكثر من ألف كيلومتر يمتد من الحدود مع سورية حتى الحدود الإيرانية”
وفرضت بغداد سلطتها على هذه المناطق بعد أربع سنوات من سيطرة أربيل إثر اجتياح داعش للعراق، وذلك بتفويض البرلمان العراقي لرئيس الوزراء حيدر العبادي حيال هذا التحرك العسكري الذي شمل أيضاً المئات من آبار النفط وحقول الغاز في تلك المنطقة.
وتشهد هذه المناطق منذ أسابيع توتراً ملحوظاً، مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية، وسط تصريحات لسياسيين أكراد بشأن تعرّضهم لضغوط من قبل قوات “الحشد الشعبي” ونفي الأخيرة لذلك.
ويقول مسؤول كردي بارز في أربيل، سبق أن شغل منصباً وزارياً في حكومة نوري المالكي، إنه توجد مؤامرة جرت حياكتها في بغداد سلفاً للبرلمان المقبل. ويلفت إلى أن “العرب السنة والشيعة وكذلك المسيحيين في سهل نينوى سيتحدون ضد الأكراد كعادتهم في مثل هذه القضايا، وهناك اتفاق على المناطق المتنازع عليها”. ويضيف المسؤول الكردي، الذي فضل عدم ذكر اسمه: “نحاول أن نشكل لجنة من الآن للاستعداد لهذا الملف قانونياً وأمام المحافل الدولية”. ويشير إلى أن التسريبات تقول إن “القوى السنية والشيعية اتفقت على أن يكون المعيار في تحديد عائدية تلك المناطق هو إحصاء عام 1998، بذريعة أن أربيل نفذت تغييرات ديمغرافية ضخمة في تلك المناطق ويريدون منا العودة إلى حدود صدام حسين”، وفقاً لقوله.
في السياق، تؤكد القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم السابق مسعود البارزاني، نجيبة نجيب، أن “الأحزاب الكردية ولا سيما الحاكمة الآن في كردستان، ستعمل خلال المرحلة البرلمانية المقبلة على تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، ومعالجة ملف الإدارة المشتركة للمناطق المتنازع عليها”. وتلفت في حديثها مع “العربي الجديد”، إلى أن “البرلمان المقبل سيتوجه نحو تطبيق المادة وتفعليها بعد أن طالت المدة التي جُمدت خلالها حركة القوات الكردية في المناطق المحاذية للإقليم”. وتحذر من أنه “من دون تفعيل هذه المادة، فإن المناطق المتنازع لن تنعم بالاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي”.
من جهته، يقول عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، صادق اللبان، إن “القرار الحكومي بخصوص المادة 140، دستوري ولا تشوبه أي شائبة. وفي حال فتح الأكراد ملف هذه المادة في البرلمان من أجل قراءتها أو اتخاذ إجراء جديد بخصوص المناطق التي تسعى الحكومة في كردستان للسيطرة عليها، فالقانون سيكون هو الحكم، ومن خلاله نستطيع أن نُرضي الأكراد أو نقنعهم بأن ما يريدون غير قانوني”. ويضيف اللبان، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “الأمور مرهوبة بالزمن، فخطوات المكونات العراقية خلال المرحلة المقبلة قد تتغير أو تتطور. لا أحد يعرف توجهات الأكراد في المرحلة المقبلة، لكن ما نعرفه هو أن القانون سيُطبق وسيكون فوق الجميع. ونؤكد أن قرار بغداد بنشر قواتها العسكرية في المناطق العراقية المنضوية ضمن المادة 140 هو دستوري ولا غبار عليه”.
في موازاة ذلك، يرفض ممثل المكون العربي في المجلس المحلي بمدينة كركوك برهان العاصي، عودة قوات “البشمركة” الكردية إلى مدينته. ويقول، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “القوات الكردية دخلت إلى كركوك والمناطق المتنازع عليها حين كانت الدولة العراقية ضعيفة، والجماعات الإرهابية تعبث بالأمن المحلي، وجاءت لكي تحمي إقليم كردستان وليس لحماية المناطق العراقية”. ويعتبر العاصي أن “الوضع الاجتماعي في كركوك حالياً لا يتقبل فكرة عودة البشمركة إليها، وحتى باقي المناطق مثل سنجار وأخرى في محافظة صلاح الدين”. وأشار إلى أن “كركوك وفق الدستور العراقي تعتبر عراقية، ولا مكان لسلطة غير الاتحادية المركزية المتمثلة ببغداد وقراراتها، سواء على الصعيد الأمني أو السياسي فيها”.
المصدر: العربي الجديد