السيمر / فيينا / الاربعاء 05 . 02 . 2020
د. مصطفى يوسف اللداوي/ فلسطين
هل يثبت السودانيون فعلاً لا قولاً، أن ما قام به رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لا يمثلهم ولا يعبر عنهم، وأنهم يرفضونه ويدينونه، ويستنكرونه ويعيبونه، فهو لا يعكس حقيقتهم القومية، ولا يتوافق مع عقيدتهم الدينية، ولا ينسجم مع قيمهم الأصيلة ومفاهيمهم الموروثة، إذ هو انقلابٌ على ما يؤمن به السودانيون وما يعتقد به شعبهم، وانحرافٌ خطيرٌ عن مسيرتهم الوطنية، واعوجاجٌ سقيمٌ عن فطرتهم السليمة، إنها خطيئةٌ وكبيرة، وسقطةٌ وجريمةٌ، وزلةٌ وسخيمةٌ، أصابت السودان بلوثةٍ وألحقت به معرةً، وأساءت إليه وهو صاحب المواقف الرائدة والولاءات الصادقة واللاءات العربية الخالدة، فلا يتطهر منها إلا بالبراءة منها، ولا يغفر له إلا بإعلان التوبة عنها والندم عليها.
لا يمنعنا حبُنا للسودانِ العظيمِ وشعبِه الكريمِ وأهلِه الشُمِ الأُباةِ الصِيدِ الكُمَاةِ، أن نقول له بشجاعةٍ وصراحةٍ ومحبةٍ صادقةٍ وغيرةٍ خائفةٍ، أن رئيس مجلس السيادة قد أخطأ بما قام به، وجانبه الصواب عندما قبل الاجتماع برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووافق على الجلوس معه والحديث إليه، وإن ظن أنه بما أقدم عليه إنما يخدم السودان ويخذل عنه، ويدافع عنه ويحميه، ويسعى لمصالحه ويعمل من أجله، ويسعى للتخفيف عنه ورفع الحصار المفروض عليه.
اجتهاد البرهان غير صحيح ونواياه غير مبررة، وقراره باطلٌ ولقاؤه مفسدةٌ، إذ لا يصح التطهر بنجس، ولا الاستنصار بكافرٍ أو الاستجارة بعدو، ولا نعتقد أن عدواً جاهر بعدوانه على السودان قبل فلسطين كما الكيان الصهيوني، الذي اعتاد على قصف أهدافٍ سودانية وتدمير مؤسساتٍ مدنيةٍ واجتماعية، وعمل على مدى سنواتٍ طويلةٍ على تمزيق وحدة السودان وتفتيته، فهو الذي يساند الحركات الانفصالية، ويمدها بالمال والسلاح، ويزودها بالخبرة والتقانة، ويقدم لها المعلومات ويكشف لها عن الأسرار بواسطة أقماره الصناعية، ومؤسساته التي تعمل في جنوب السودان تحت شعار هيئات المساعدة والإغاثة الصحية والإنسانية، وهي في حقيقتها بؤر تجسس ومراكز قيادة عملياتٍ عسكريةٍ وأمنية، يديرها ضباطٌ أمنيون وعسكريون إسرائيليون سابقون أو ممن ما زالوا في الخدمة العسكرية والأمنية.
فهي نسي السودان جرائم العدو الصهيوني وغاراته على قوافله التجارية في بور سودان، وقصفه المدمر لدار الشفاء ومستودعات الأدوية في الخرطوم، وتآمره عليه وتحريضه المجتمع الدولي ضده، ودفعه الإدارة الأمريكية للحفاظ عليه ضمن قوائم الإرهاب، وفرض العقوبات وتشديد الحصار الاقتصادي عليه، وملاحقاته أمام المحاكم الأممية والجنائية الدولية.
أم نسي أن لشعبه في فلسطين المحتلة شهداءٌ عظام، وبقايا رفات طاهرة، إثر مشاركتهم في حروب الدفاع عن فلسطين واستنقاذها، فمستوطنو العدو لا ينسون أبداً الخيالة السودانية وركبان الإبل والهجن، الذين كان لهم شرف القتال في فلسطين، والرباط على جبهاتها، وحراسة ثغورها وحماية حدودها، وقد خبروا بأسهم في القتال، وصبرهم في الحروب وجلدهم في المعارك، التي أثبتوا فيها جدارةً وأسبقيةً ضمن دوريات الفدائيين العرب، التي كان للسودانيين فيها سهمٌ ومشاركةٌ.
لا شك أن رئيس مجلس السيادة السوداني يعرف أن نتنياهو راحل، وأنه في المرحلة الأخيرة من حياته السياسية، وأنه عما قريب سيضطر إلى التخلي عن منصبه وخسارة مواقعه، وسيذهب لا محالة إلى المحاكمة والسجن، ولكنه يحاول الهروب من هذه الخاتمة والخلاص من هذا المصير، فاعتقد أن الانفتاح على الأنظمة العربية، وكسب علاقاتٍ جديدةٍ معها، وكشف المستور منها، وتحقيق إنجازاتٍ أمنية واقتصادية لكيانه، ستخدمه في معركته الانتخابية، وستزيد في نسبة المصوتين له ولائتلافه اليميني الديني المتطرف، ولهذا أسرع بتلبية دعوة الوسيط والمضيف، وشد رحاله مع عشراتٍ من كبار ضباط وقادة جهاز الموساد الإسرائيلي، الذي سبق له أن عبث بالسودان وأمنه، ليلتقي بزعيم دولةٍ تصنف أنها قريبة من محور المقاومة، ومتوافقة مع تياره، رغم العثرات التي وقعت فيها، وطمح أن يحدث بلقائه في صف الأمة شقاً، وأن يصدع جدرانها التاريخية، وأن يستفيد من هذا اللقاء لحسابه الشخصي فضلاً عن حساب ومصلحة كيانه.
لقد خدع البرهانَ من نصحه، وغرر به من إلى أوغندا جلبه، وضحك عليه من بالأماني وعده، وبالمغريات شجعه، فقد أسرَّ إليه الغارقون في وحل التطبيع والخيانة، الماضون في السقوط إلى قعر التبعية والعمالة، الذين يبحثون عن أوراقٍ تستر عورتهم، وأدواتٍ تشرع جريمتهم، وجهاتٍ تعمم سقطتهم، لئلا يكونوا وحدهم في مستنقع الرذيلة وحمأة الوبيئة، فأرادوا أن يشركوا معهم بلداً طيباً وأهلاً كراماً، ليسيئوا إليهم ويشوهوا سمعتهم ويحرفوا عن جادة الحق طريقهم، فأخطأ البرهان إذ سمعهم وأصغى إليهم، وأجرم إذ صدقهم ومشى معهم، وغامر بسمعته الوطنية وشرفه العسكري، وفرط بما أمنه عليه شعبه، وبما عاهد عليه من قبل ربه، ورضي أن يكون قريناً للشيطان وشريكاً له، ونسي أنهم سيتخلون عنه وسيكفرون به، لعلمهم التام أنهم سلكوا معه طريق الهلاك، وارتضوا أن يكونوا مع الضالين والمغضوب عليهم من بني إسرائيل.
ما زلنا نأمل خيراً في الشعب السوداني الأصيل، ونحفظ له مواقفه وتضحياته، ونذكر صفحاته المجيدة ومساهماته الكبيرة، ونعلم أنه وقّافٌ عند الحق وأوابٌ إليه، لا يصر على الخطيئة ولا يتمسك بالمعصية، فلا نقبل أن نحكم عليه بزلة رجلٍ أصابته نشوة السلطة بالسكر، وزلت قدمه أماني الشياطين ومغرياتهم، بل نعتقد أنه مثل كل الشعوب العربية والإسلامية، يرفضون ما حدث، ويبرأون إلى الله عز وجل منه، ولعلهم يطالبون سلطاتهم بالتراجع عنه وعدم الالتزام بما ورد فيه أو نص عليه، ففلسطين تستحق منهم في مواجهة صفقة العصر كل نصرةٍ وتأييد، والمسجد الأقصى يستصرخهم من جديد، أن هبوا لنجدته أيها الأماجد الصناديد.
بيروت في 5/2/202