السيمر / الاربعاء 11 . 03 . 2020 —- اعتمدت السلطات الدينية العراقية “بيان الأديان” حول ضحايا داعش، مؤكدة تبرؤها من عنف تنظيم داعش وإدانته، معتبرة إياه مخالفا تماما لتعاليمها.
وفي حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة، أوضح السيد كريم خان، المستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة المعني بتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش في العراق، أن الزعماء الدينيين تحدثوا، عبر هذا البيان الذي وصفه ب “التاريخي” بصوت واحد مقرين بالمعاناة الهائلة التي تعرض لها أفراد مجتمعاتهم نتيجة العنف المبني على الجنس.
George Fakhry/UNITADالمستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية، أداما ديانغ، والمستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش في العراق، كريم خان يتحدثان إلى بابا الشيخ، الزعيم الروحي الأعلى للمجتمع الإزيدي في العراق.
ويأتي هذا البيان بعد جهد حثيث قام به السيد خان وفريقه في الميدان مع السلطات المحلية والدينية. كما يتزامن مع زيارة السيد أداما ديانع، وكيل الأمين العام ومستشاره الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية، إلى العراق، الذي جال على المعنيين ووقف على بينة من شواغلهم، مؤكدا دعم الأمم المتحدة لهم في سعيهم إلى تحقيق العدالة للضحايا والناجين وعائلاتهم ومجتمعاتهم.
فيما يلي تفاصيل الحوار الخاص مع السيد كريم خان:
- بادئ ذي بدء، ما هي أهمية هذه الخطوة في مسار استعادة العراق لعافيته؟
كريم خان: إنها مهمة على عدة أصعدة. ولكن بشكل أساسي من أجل أن يتعافى البلد، ومن أجل تحقيق العدالة. يجب التأكيد على القواسم المشتركة بدلا من أوجه الاختلاف. نحتاج في بعض الأحيان إلى التركيز على ما يوحدنا بدلا مما يفرقنا.
يمثل هذا البيان بين الأديان الأرضية المشتركة التي حولها يمكن أن تتجمع الجماعات الدينية الرئيسية في العراق على الأقل من الشيعة والسنة والكاثوليك والإيزيديين، لتقول وبصوت واحد لا لبس فيه، إن العدالة ضرورية للضحايا والناجين، وإن احترامهم ضروري، وإن المساءلة شرط أساسي لتحقيق الاستقرار.
- أخبار الأمم المتحدة: ما هي النقاط الرئيسية في البيان؟ وإلى ماذا يدعو؟
كريم خان: إن النقاط الرئيسية في الحقيقة هي في فقرة واضحة وموجزة مفادها بأن جميع الأديان تنبذ وتندد أيديولوجية تنظيم داعش باعتبارها تتعارض تماما مع التعاليم الدينية الأساسية التي تمثلها (تلك الأديان). إنه التقاء بين الأديان المختلفة التي ترفض، بكل إيمانها، أيديولوجية داعش باعتبارها مضادة تماما، ليس فقط لهذا الإيمان، بل للقيم الأساسية للإنسانية.
ثانيا، يشدد البيان على ضرورة احترام الناجين ودعمهم حتى يتمكنوا من الاستمرار في حياتهم على الرغم من الندوب التي يحملونها والصدمات النفسية التي يعانون منها. ثالثا، يشدد على أنه حتى في خضم تجريم داعش، هناك أمثلة على بطولات يجب الحديث عنها والتي تعرض خلالها عدة أفراد من مختلف الطوائف الدينية إلى خطر كبير فيما كانوا يساعدون ويحمونهم ويدافعون عن أفراد الجماعات الدينية الأخرى.
أعتقد أنه في فقرة مستنيرة وضرورية للغاية، تم الاعتراف بمعاناة جميع الضحايا، ولكن بشكل خاص ضحايا العنف الجنسي والجنساني. وتم التأكيد على أن وصمة العار يجب ألا تعلّق على صدر هؤلاء الناجين على الإطلاق، بل ينبغي أن يوصم بها مرتكبو تلك الأعمال الشنيعة. في الوضع الفريد للعراق، كان من المهم أيضا الإقرار بوضع الأطفال.
واتفق جميع الزعماء الدينيين حول مبدأ أن الأطفال يولدون أبرياء -بغض النظر عن الكيفية التي جاءوا بها أو كيف تأثروا بجرائم داعش-، إنه الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية للقانون الدولي بأن يُعاملوا بلطف ومحبة. وقد أكد جميع الزعماء الدينيين ذلك.
George Fakhry/UNITADالمستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية، أداما ديانغ، والمستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش في العراق، كريم خان يصافحان غبطة البطريرك لويس رافائيل آي ساكو، البطريرك بابل للكلدان ورئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية.
كما تم التأكيد على أهمية عودة المجتمعات النازحة التي أجبرت على الفرار.
وأعتقد أن هناك خطوة إيجابية للغاية تتمثل في أن هؤلاء القادة الدينيين (البطريرك ساكو، بابا الشيخ الإزيديين، الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه، سماحة الشيخ عبد المهدي) – قد شددوا على ثقتهم في يونيتاد وولايتها لتحقيق العدالة. أعتقد أن هذا جانب مهم من بيان الأديان.
وأخيرا، يقر البيان بالحاجة إلى القدرة على التحمل، والحاجة إلى الصبر لأن تحقيق العدالة والتسامح والمصالحة والغفران، لا يتم بين ليلة وضحاها. إنه يتطلب وحدة الهدف والقدرة على التحمل والمثابرة من أجل مواجهة الصعوبات، حتى يتحسن الوضع في العراق لجميع الأفراد في الأيام المقبلة.
- أخبار الأمم المتحدة: أنا متأكدة من أنه قد تم القيام بالكثير للوصول إلى هذه المرحلة. هل يمكن أن تخبر مستمعينا كيف ساعد فريق يونيتاد في التحضير لبلوغ هذه اللحظة؟
كريم خان: حسنا، في العام الماضي ذهبنا واجتمعنا مع الزعماء الدينيين، وكان ذلك من أول ما قمت به عندما تم تعييني رئيسا لفريق التحقيق. في أوائل العام الماضي تشرفت بلقاء صاحب السمو آية الله السيد علي السيستاني، وغبطة البطريرك ساكو، وبابا الشيخ الإيزيديين، وسعادة الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه. ومنذ ذلك الحين بالطبع قمت بالتواصل مع المجتمعات الدينية الأخرى كذلك. وسارت الأمور إلى الأمام هذا العام لأننا تلقينا مساعدة كبيرة أيضا من السيد أداما ديانغ المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية.
لذلك، من المفيد للغاية تفعيل ما كرره الأمين العام حول مبدأ “أمم متحدة واحدة”. حيث قمت والسيد أداما ديانغ بالتجول معا كمكلفيْن بولايتيْن منفصلتين ولكن يتحدثان بصوت واحد حول قضية أعطاها الأمين العام نفسه الكثير من الاهتمام ووضعها من ضمن الأولويات للتأكد من أننا نجحنا في التواصل الفعال مع هؤلاء الرؤساء الدينيين. وهكذا تمكنا من الحصول على تأييد لأول مرة من قبل هؤلاء القادة الدينيين الرئيسيين في العراق بشأن رسالة مشتركة تتعلق بجرائم داعش. لقد كان حقا جهدا مشتركا مع الزعماء الدينيين في العراق. إنهم يستحقون الثناء وأعتقد أننا محظوظون للغاية كأمم متحدة لأننا تمكنا من لعب دور، مهما كان صغيرا، في تسهيل هذا الحدث الهام.
- أخبار الأمم المتحدة: كيف يمكنك متابعة هذا الجهد؟ بمعنى آخر، ما هي الخطوات التالية؟
كريم خان: أكدت في اجتماعاتي المختلفة وكذلك فعل أداما ديانغ أن هذا البيان تاريخي، رغم أنه على حد تعبير شيخ كربلائي يمثل أرضية حقوق، وليس سقفا. وبالفعل، كما هو موضح في البيان، أوضحنا للمجموعات الدينية الأخرى، سواء كانت الكنيسة الأرثوذكسية أو الكاكا أن مجال التوقيع على البيان مازال مفتوحا. يمكن للآخرين التوقيع عليه. هو ليس وثيقة مغلقة. هناك فسيفساء غنية تدعى التقاليد الدينية في العراق. ونريد أن تكون هذه هي الأرضية المشتركة التي يمكن أن يجتمعوا عليها جميعا من خلال تلك الإنسانية المشتركة، ويجتمعون بصوت واحد، -صوت يجب أن يتردد صداه على نطاق أوسع من العراق، ليقولوا إننا نحتاج إلى العدالة ونرفض أيديولوجية شنيعة زائفة تم تبنيها باسم الدين الذي اسمه “سلام”. وأعتقد أن ما نعتزم القيام به في الوقت المناسب هو أن نقوم بموجة ثانية من التوقيعات. لقد أجريت بالفعل مع أداما ديانغ بعض المناقشات مع بعض المجتمعات الدينية، ونأمل في دفع ذلك إلى الأمام في الفترة المقبلة. ولكن بطبيعة الحال، لا يمكن النظر إلى أي من هذا بمعزل عن الصورة العامة.
حكومة العراق هي المحاور الرئيسي لنا فيما يتعلق بالمسؤولية عن القوانين التي يمكننا استخدامها والتغاضي عنها لمقاضاة جرائم داعش كإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. نحن بحاجة إلى بناء الثقة في مجتمعات الضحايا، سواء كانوا مسيحيين أو إيزيديين أو كاكيين أو شباك أو تركمان، بصرف النظر عن العرق، سواء كانوا أكرادا أم عربا. وفي النهاية ما نؤكده أن الأشخاص لا يعيشون في عزلة عن بعضهم البعض. لا يمكن لأي شخص أن يكون متفرجا عندما ترتكب جرائم بهذا الحجم وبهذه الطبيعة، جرائم مزقت روح الإنسانية. وكل فرد وكل مجتمع، مهما صغر أو كبر، له دور مهم في إسماع هذا الصوت، هذا المطلب الجماعي للعدالة. وأعتقد أن هذا يتطلب استخدام جميع الطرق ضمن التحقيقات المكلف بها وبناء القضايا، ومساعي التواصل، ووضع شواغل الناجين في الصدارة، وليس على هامش عملنا، للتأكد من أن يتم إعطاء الأولوية لجرائم ضد الأقليات والنساء والرجال والأطفال بغض النظر عن التوجه أو الجنس، بموجب ولاية السيد أداما ديانغ، وهي منع الإبادة الجماعية. لأجزاء أخرى من الأمم المتحدة بطبيعة الحال تفويضات خاصة بها ونحن بحاجة إلى العمل، حيث أكد الأمين العام ببلاغة وبشكل متكرر على أن نحاول كأمم متحدة أن نكون خدما للبشرية ولشعب العراق، حتى يكون الغد أفضل من الأمس.
- أخبار الأمم المتحدة: الكلمة الأخيرة لك سيد كريم خان، ما هي رسالتك إلى المجتمع العراقي؟
George Fakhry/UNITAD.كريم خان، المستشار الخاص ورئيس يونيتاد، يستعرض مع ممثل عن الطائفة الشيعية “بيان الأديان”.
كريم خان: رسالتي هي أن الطريق سوف يكون طويلا. وبينما أظهروا صبرا عظيما بالفعل وقدرة على التحمل تستحق الثناء في النجاة من داعش، -ولقد أخبرت بعض هذه المجتمعات مثل الإيزيديين والمسيحيين، أنها تمثل أمثلة حية على هزيمة أيديولوجية داعش، فكل حياة، كل نَفَس هو نبذ لكل ما قد سعى داعش إلى تحقيقه-، لكننا بحاجة إلى أن نعمل معا. وهذه هي رسالتي.
إن الأمر يتطلب صبرا لأن العملية القانونية ليست سهلة. نحتاج إلى قوانين، نحتاج إلى محاكمات عادلة، نحتاج إلى أدلة من الشهود، نحتاج إلى أن تثق بنا كافة المجتمعات، وتتحدث إلينا. لكننا نحتاج أيضا إلى إقامة علاقة أوثق مع حكومة العراق حتى يتسنى تحليل المعلومات الضخمة التي تم جمعها حول داعش، بشكل صحيح وتكون جزءا من التحقيقات الجنائية حتى يمثل المسؤولون عن الجرائم أمام العدالة، بدلا من تحميل ذنب جماعي (إلى فئة معينة)، مما يؤدي إلى الإقصاء، مما يؤدي إلى فراغ قد يمتلئ بنفس السموم التي استغلها داعش في المقام الأول.
هذه هي رسالتي. هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. لا يمكن أن يتم ذلك من قبل أي فرد أو أي دين أو أي جزء من الأمم المتحدة. يتطلب جهدا جماعيا يشركنا جميعا: الأمم المتحدة، حكومة العراق، المجتمع المدني، الضحايا والناجون. وكما قلت، فإن هذه الجرائم الضخمة تدخل في نطاق اختصاصنا، الإبادة الجماعية، جرائم الحرب. لا يمكن لأي رجل أو امرأة أو حتى طفل أن يبقى متفرجا.وأعتقد أن هناك خطوة إيجابية للغاية تتمثل في أن هؤلاء القادة الدينيين (البطريرك ساكو، بابا الشيخ الإزيديين، الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه، سماحة الشيخ عبد المهدي) – قد شددوا على ثقتهم في يونيتاد وولايتها لتحقيق العدالة. أعتقد أن هذا جانب مهم من بيان الأديان.
المصدر / اخبار الامم المتحدة