السيمر / فيينا / السبت 27 . 06 . 2020 — من المستفيد من حادثة «البُعيثة»؟ لماذا الآن؟ لماذا لم تُسند المهمّة إلى رئاسة «الحشد»؟ أسئلة تعجّ بها بغداد في الساعات الأخيرة. المحرّك الأساسي «معلومات عن استهداف المجموعة لأهداف أميركيّة»، أو «التهيئة لانقلاب ما» (كما يعبّر مقرّبون من مصطفى الكاظمي)، وخاصّة أن هذه المجموعة هي واحدة من مجموعات متهمة باستهداف «المصالح الأميركيّة». «فتنة» كادت أن تقع وتشعل بغداد. قدّمت «العمليّات المشتركة» رواية لم تُقنع قادة «الحشد»، وبعض المعارضين للكاظمي، المتسلّح بضرورة «استعادة هيبة الدولة» وإنجاح الحوار العراقي ــــ الأميركي، ليحافظ على نفسه كواحدة من «أفضل» قنوات التواصل الإيراني ــــ الأميركي.
فتنة كادت أن تُشعل العاصمة بغداد. «جهاز مكافحة الإرهاب» يعتقل 14 منتسباً إلى «الحشد الشعبي». قوّة من الأخير تردّ بمحاصرة مقارّ الأوّل، في «المنطقة الخضراء». شبح التوتّر مخيّم على بغداد، وكأنّ مناخها ينقصه مزيد من الاحتقان والتأزيم. ثمّة روايتان؛ الأولى «رسميّة»، تنقلها مصادر مقرّبة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والأجهزة الأمنيّة، والثانية تنقلها مصادر مقرّبة من الفصائل المكوّنة لـ«الحشد». التناقض بين الروايتين لافت، يقابله إجماع بأن ثمّة «فتنة وقى الله بغداد شرّها».
«قيادة العمليات المشتركة»، نشرت أمس، بياناً أوجزت فيه ما جرى، بُعيد «البلبلة» التي أثارتها الحادثة الأخيرة. يشير البيان إلى «توفّر معلومات استخبارية دقيقة عن الأشخاص، الذين سبق وأن استهدفوا الخضراء ومطار بغداد الدولي بالنيران مرّات عدّة»، لافتاً إلى أن «الأجهزة المعنيّة رصدت نوايا جديدة لاستهداف مقارّ حكوميّة في الخضراء». وأوضح أنّه «تم تحديد أماكن تواجد المجموعة المنفّذة لإطلاق النيران، وقد أُعدّت مذكرات إلقاء قبض بحقهم من قبل القضاء العراقي، وفق قانون مكافحة الإرهاب»، وفي هذا السياق «كُلّف جهاز مكافحة الإرهاب بتنفيذ واجب إلقاء القبض، والحيلولة دون تنفيذ العمل الإرهابي، وقد نفّذ العمليّة بمهنيّة عالية، ملقياً القبض على 14 متهماً مع المبرزات الجرميّة المتمثّلة بقاعدتين للإطلاق» (صواريخ محلّية الصنع). ويضيف البيان أنّه «ومع إتمام العمليّة، شُكّلت لجنة تحقيق خاصّة، برئاسة وزارة الداخلية وعضوية الأجهزة الأمنيّة، وقد أودعت المتهمين لدى الجهة الأمنيّة المختصّة… حتى يبتّ القضاء في موضوعهم». في الأثناء، و«بُعيد إتمام العملية، تحرّكت جهات مسلّحة بعجلات حكومية، من داخل الخضراء وخارجها – دون موافقات رسمية – نحو أحد مقارّ الجهاز، واحتكت به تجاوزاً». وفيما رأى البيان أن «هذه الجهات لا تريد أن تكون جزءاً من الدولة والتزاماتها، وتسعى إلى البقاء خارج سلطة القائد العام للقوّات المسلّحة الدستورية والقانونية»، وصف ما جرى بـ «الخطير، ويهدّد أمن الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي». وخُتم بالعبارة التالية «هذه الجهات استخدمت قدرات الدولة، ولا يمكن السماح بذلك تحت أيّ ذريعة كانت…».
في المقلب الآخر، تصف مصادر سياسيّة البيان بـ«السيّئ جدّاً والاستفزازي»، موضحة في حديث إلى «الأخبار» بعض النقاط التي «غفل عنها البيان»:
– المقرّ الذي دوهم في منطقة البُعيثة (جنوبي بغداد)، تابعٌ لـ«اللواء الثامن» (سرايا عاشوراء)، وقد أُنشئ منذ عام 2014، في حين تؤكّد المعلومات الأمنيّة أن المنشأة التي دوهمت ليست مقرّاً، إنما منزل يشغله بعض المنتسبين إلى «كتائب حزب الله».
– لم تبلّغ قيادة «الحشد» أو «أمن الحشد» بالعمليّة؛ ترفض المصادر ما يُقال عن أن الكاظمي أبلغ «دوائر القرار في الحشد» عنها، أو أنّها أعربت عن قبولها الخطوة.
– قوّة من «كتائب حزب الله»، وفي رد فعل على ما جرى، حاصرت مقرّ «مكافحة الإرهاب»، وكادت أن تقع مواجهتان، الأولى في «الخضراء» والثانية في البُعيثة.
– أسفرت الاتصالات عن ضبط نسبي للأوضاع في الميدان، لكنّها اشتعلت على منصات التواصل الاجتماعي، بين المؤيدين لـ«الجهاز» و«الحشد»، ما يُنذر بانتقال المواجهة، فجأة، من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع.
– لعب البعض دوراً مشبوهاً في تأجيج «الفتنة» خاصّة على منصات التواصل، وتحديداً من قِبل الوجوه المحسوبة على السفارة الأميركيّة، بترويجها أن «الحشد» مسؤول عن صليات الصواريخ التي تستهدف المنشآت الحكوميّة والسفارات/ البعثات الأجنبيّة.
وفي قراءة لأبعاد الحادثة، عبّر الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، عن موقف قادة «الحشد»، باعتبار ما جرى «خطيراً جدّاً»، ويثبت وجود محاولات أجنبيّة لضرب قوات «الحشد». الخزعلي، أسف من بيان «المشتركة»، إذ اعتبر أن «الأميركيين هم من كتبوه»، موجّهاً سهامه إلى الكاظمي، متهماً إيّاه بإثارة «الفوضى العارمة».
دلالات ما جرى عديدة، توجب الوقوف عندها، أبرزها:
– يرى الكاظمي أنه يحاول «استعادة هيبة الدولة»، معتقداً أنه متسلّح بغطاء إيراني مفاده أن طهران «مع قيام الدولة بواجباتها الأمنيّة، ولن تمنح غطاءها لأي حليف».
– يسعى الكاظمي إلى «توفير البيئة الآمنة» لإنجاح الحوار الاستراتيجي العراقي – الأميركي، قبل زيارته إلى طهران وواشنطن، في الأسابيع المقبلة.
– لم يعد هناك «خطوط حمراء»، إذ بات «جهاز مكافحة الإرهاب»، إلى جانب جهاز المخابرات، ذراعاً إضافية «يضرب» بها رئيس الوزراء.
– ثمّة خشية جدّية من تكرار حادثة مماثلة يصعب حينها «ضبط ردّات الفعل».
– مَن المستفيد الفعليّ من حادثة البُعيثة؟ سؤال يتكرّر في بغداد على لسان من يعتقد أن «توقيت أي عمليّة مماثلة ليس مناسباً أبداً، فظروف الفتنة جاهزة».
الاخبار اللبنانية