السيمر / فيينا / الجمعة 16 . 10 . 2020 —- يتزامن الاتفاق الذي أبرم أخيراً بين الحكومة العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، بشأن الإدارة المشتركة لمدينة سنجار الواقعة غربي محافظة نينوى، شمالي العراق، مع الذكرى الثالثة لاستعادة القوات العراقية السيطرة على محافظة كركوك وبلدات ومدن أخرى ضمن ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها. ففي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، مهمة السيطرة على هذه المناطق، إثر تنظيم أربيل استفتاءً للانفصال عن العراق في 25 سبتمبر/ أيلول من العام عينه، شمل جميع القوميات والمذاهب. وجاءت سيطرة بغداد بعد أن كانت هذه المناطق خاضعة لسيطرة شبه كاملة من قبل القوات الكردية منذ احتلال الأميركيين للعراق عام 2003. وأصدر القضاء العراقي في بغداد مذكرات قبض بحق مسؤولين أكراد خلال الحملة بمثل هذا اليوم، بسبب مواجهتهم الجيش العراقي وإعطاء أوامر بضرب وحداته المتقدمة باتجاه كركوك، لكن أياً من تلك المذكرات لم تنفذ بفعل اتفاقات تهدئة سياسية أعقبت ذلك بأسابيع عدة.
هناك محاولات من الحكومة لتكرار تجربة التفاهم حول سنجار في مناطق أخرى متنازع عليها
وتمّ الاتفاق الأخير وسط مخاوف أُطلقها سياسيون ونواب، تحذيراً من احتمال تمدد اتفاق سنجار إلى مناطق أخرى متنازع عليها. وخلال الساعات الماضية أوصلت كتل سياسية في بغداد، أبرزها الفتح ودولة القانون بزعامة هادي العامري ونوري المالكي، رسائل لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مهددة من أن اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار، لا يمكن أن تتكرر في كركوك. وأكدت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد”، أن هناك محاولات من الحكومة لتكرار تجربة التفاهم حول سنجار بين الجيش العراقي والبشمركة في مناطق أخرى متنازع عليها. كما تمّ إبلاغ الكاظمي بأن ذلك غير ممكن في كركوك أو أي منطقة أخرى، وأن عليه الالتزام بأهداف حكومته التي تشكلت من أجلها، وهي التحضير للانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في 6 يونيو/ حزيران المقبل، وتجاوز الأزمتين المالية والصحية في البلاد.
وما يؤكد ذلك هو تحذير النائب عن تحالف الفتح، عدي شعلان، من أن اتفاق سنجار قد يكون تمهيداً لآخر مماثل في كركوك، مشيراً في إيجاز صحافي قدمه أول من أمس الثلاثاء، إلى أن “هذا الاتفاق لربما قد يكون بادرة لجس النبض تمهيداً لإعادة البشمركة إلى كركوك في الأيام المقبلة، وهو ما نعتبره خطوات خطرة، وعلى الحكومة أن تعلم موقفنا الرافض لتقديم تنازلات لمكون على حساب آخر”.
وتسيطر حالياً قوات الأمن العراقية الاتحادية على محافظة كركوك بشكل كامل، بما فيها حقول النفط الأضخم بالعراق التي كانت لسنوات تحت سيطرة أربيل. ويدير المحافظة وللمرة الأولى منذ الغزو الأميركي للعراق شخص عربي من أهالي كركوك، هو راكان الجبوري، بالوكالة، وسط استمرار مطالبة القوى السياسية الكردية بالمنصب.
ويرى عضو في البرلمان عن التحالف الكردستاني، في حديثٍ لـ “العربي الجديد”، أن الضجة التي أثيرت بعد اتفاق سنجار مبالغ بها، وبعضها يهدف لتحقيق أهداف سياسية، معتبراً أن الحديث عن تمدد الاتفاق إلى مناطق أخرى متنازع عليها سابق لأوانه. ويلفت إلى أن الأكراد ينظرون إلى ما حدث خلال حكومة العبادي عام 2017، على أنه مثل استهداف للوجود الكردي في المناطق المتنازع عليها، بخلاف مكونات أخرى تعتبره استعادة لهيبة الدولة. ويشير إلى أن “أي اتفاق يجب أن يكون تحت سقف الدستور، وهذا ما حدث بالفعل في سنجار”، ويلفت إلى أن الدستور تحدث عن المناطق المتنازع عليها وخصص مادة هي (المادة 140) لتطبيع الأوضاع في هذه المناطق، إلا أن تطبيق المادة تأخر بسبب الخلافات السياسية.
في المقابل، يصف عضو البرلمان عن محافظة صلاح الدين محمد البلداوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، اتفاق سنجار بأنه “كلمة حق أريد بها باطل”، معبّراً عن استغرابه من العودة إلى المربع الأول وخلق أزمات جديدة. ويلفت إلى أن حل المشاكل مع إقليم كردستان الذي هو جزء من العراق، ينبغي أن لا يكون على حساب الأقليات الموجودة في سنجار، لافتاً إلى أن الاعتراض على ما جرى في سنجار، لا يعني غبن حق الأكراد في التعايش السلمي بالمناطق المتنازع عليها. ويتحدث البلداوي عن عدم القبول بحرمان أبناء المناطق (المتنازع عليها) من إدارة مناطقهم، ومنح هذا الحق للقوات الكردية، مشدّداً على ضرورة التوصل إلى حلول ترضي الجميع، وعدم ترجيح كفة على أخرى، لأن في ذلك ظلم.
من جهته، يؤكد عضو مجلس محافظة كركوك السابق نجاة حسين، أن بعض الأطراف تريد أن تحقق مكاسب سياسية من مشاكل المناطق المتنازع عليها. ويضيف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “بعض السياسيين تحدثوا عن وجود تفاهمات بين البشمركة والقوات العراقية بشأن العودة إلى كركوك، قبل أن يخرج المتحدث باسم الحكومة العراقية لينفي وجود مثل هذه التفاهمات”.
ويرى أن الحل في كركوك يكمن في تشكيل إدارة مشتركة من قبل العرب والتركمان والأكراد، وعدم إقصاء أي مكون، مشيراً إلى أن المحافظة كانت تدار من قبل الأكراد قبل أن تتحول إدارتها إلى محافظ عربي بعد أحداث 2017. ويضيف حسين أنه “لا يمكن القبول بسلب كركوك من مكون ومنحها إلى مكون آخر”، معتبراً أن الاستقرار الأمني في المحافظة يكون بتشكيل قوة محلية من قبل أبناء المحافظة تضم عناصر من المكونات الثلاثة (العرب، الأكراد، التركمان).
اتفاق سنجار يمثل خطة لإعادة قوات البشمركة الكردية إلى المدينة
ويوضح أن أهالي كركوك لن يسمحوا بأن تكون المحافظة بيد طرف واحد، لأن كركوك تمثل حالة خاصة وتحتاج في الوقت الحاضر إلى سياسيين من طراز خاص لديهم القدرة على إدارة المحافظة بشكل عادل، مضيفاً “حتى تحقيق ذلك الأمر نحن بحاجة إلى إدارة مشتركة لخلق الإحساس لدى الجميع بأن كركوك لهم ويشتركون بإدارتها”.
بدوره، يعتبر عضو البرلمان عن محافظة نينوى أحمد الجربا، أن اتفاق سنجار يمثل خطة لإعادة قوات البشمركة الكردية إلى المدينة وبقية المناطق المتنازع عليها، مشيراً في تصريح صحافي، إلى وجود بنود خفية في هذا الاتفاق، ويلفت إلى قيام نواب محافظة نينوى بالمطالبة بعرض بنود الاتفاق، إلا أن الحكومة أهملت هذا الطلب بسبب وجود شيء خفي لا تريد عرضه.
ويتوقع عضو مجلس النواب عن تحالف الفتح مختار الموسوي، تمدد اتفاق سنجار إلى مناطق أخرى متنازع عليها بين بغداد وأربيل، مؤكداً رفض تحالفه لذلك. ويلفت إلى أن ما حدث في سنجار يشير إلى عجز الحكومة العراقية عن حل مشكلة مدينة صغيرة، متسائلاً: “فكيف بها في معالجة الملفات الأخرى الكبيرة؟”.
المصدر / المورد