الرئيسية / مقالات / الكاريزما والسلطة الحزبية

الكاريزما والسلطة الحزبية

السيمر / الجمعة 29 . 01 . 2021

د. ماجد احمد الزاملي

 

يُمثل الحزب تجمعاً من الأفراد الذين يعتنقون ذات المباديء ويؤمنون بها، ويسعون عبر مجموعة من الأليات إلى إقناع جموع المواطنين ببرنامج محدد وواضح، سعياً للوصول إلى السلطة، وتنفيذ هذا البرنامج الذى إختار المواطنون الحزب على أساسه. وقد أعقب ثورة تموز 1958  بقيادة الضباط الاحرار بعد الإطاحة بالنظام الملكي وظهور الأحزاب السياسية إلى العلن نتيجة للأجواء الديمقراطية  والاتجاه إلى تبني مفهوم التنظيم السياسى ، ولعبت هذه التنظيمات مجتمعة – على اختلاف مسمياتها – دوراً فى الحشد لصالح السياسات الثورية، التى استهدفت بناء مجتمع أكثر عدالة مُختلف عما قبل الثورة ,التى أفضت إلى تجانس وتكافل وتعاون  المجتمع , حيث أصبح الجميع متساوين أمام القانون وليس سادة وعبيد، وكانت الممارسات السياسية الإيجابية  عبر تدخل واستجابة زعماء الأحزاب، ما قبل الثورة عاملا من عوامل هذه الثورة المجيدة. وتُعد الأحزاب السياسية من أكبر القوى غير الرسمية النشطة  في مجال جَس  نبض الجماهير والتعبئة السياسية ضد الفساد .وقد ساهمت الأحزاب السياسية في تحسيس الرأي العام الوطني وتوعية المواطن داخل المجتمع وطالبت بتدخل السلطات لوضع حد للمفسدين وجماعات المصالح ، بالصرامة في تطبيق القانون وتفكيك شبكات الفساد والإجرام. ارتبطت نشأة الأحزاب السياسية بتطور النظام الديمقراطي الذي طَبَّق حق الإقتراع العام ، وبتكوين المجالس النيابية ، التي كان أعضائها يسعون الي إعادة انتخابهم مرة أخرى . وكلما زاد عدد الناخبين ، زادت اهمية التنسيق مع المرشحين الذين يتفقون في الإتجاهات والآراء والمواقف السياسية والفكرية. ومن خلال هذا الإلتقاء على اساس انتخابي مَهَّد تأسيس أحزاب سياسية. وهكذا ارتبطت نشأة الأحزاب في الدول الأوروبية بالإنتخابات والعمل البرلماني في معظم الأحوال. عادةً ما تُنظم أحزاب الكوادر عددًا صغيرًا نسبيًا من أتباع الحزب. والأحزاب الجماهيرية ، توحد مئات الآلاف من المتابعين، وأحيانًا الملايين. لكن عدد الأعضاء ليس المعيار الوحيد للحزب الجماهيري. العامل الأساسي هو أن مثل هذا الحزب يحاول أن يرتكز على مناشدة الجماهير. إنها تحاول ليس فقط تنظيم الأشخاص المؤثرين أو المعروفين أو أولئك الذين يمثلون مجموعات المصالح الخاصة ولكن بالأحرى أي مواطن مستعد للانضمام إلى الحزب, فإذا نجح مثل هذا الحزب في جمع عدد قليل من الأتباع، فعندئذٍ يكون جماهيريًا فقط في الإمكانات. والحزب الديمقراطي الذي ينتهج مزيدا من المشاركة الفعالة في صنع القرار من خلال انطواء هيكله التنظيمي علي توزيع معين للسلطات والإختصاصات الحزبية على مستوياته التنظيمية المختلفة ولا تحصرها في مستواه القيادي فقط، ومن ثم تحظى عملية صنع القرار فيه بمشاركة حقيقية من كافة مستوياته التنظيمية، أو علي الأقل تحظى القرارات المتخذة بالرضا العام من كافة مستويات الحزب التي لم تشارك في صنعها ؛ والسلطة المركزية  لا تحتكر عملية صنع القرار، بل تتيح هيكل توزيع السلطة فيه لفروع ووحدات الحزب في الأقاليم سلطات واختصاصات حقيقية ، بحيث تكون السلطات الحزبية موزعة ما بين الوحدات الجغرافية المختلفة للحزب.

والشخصية الكاريزمية ينبغي أن  تستطيع بالتنبوء بالمستقبل وسلوك هذا الحزب عندما يصل إلى السلطة، وذلك من خلال قراءة تأريخه وسلوكيات قادة ونخب هذا الحزب والجماهير المُنظَمَّة إليه، فالحزب الذي لا يؤمن بالنقد هو مستقبلاً حتماً سيلجأ للقمع، كذلك الحزب الذي لاتوجد فيه إنتخابات داخلية بالنتيجة سوف يستأثر بالسلطة ويستبد بها عند الوصول إليها، وأيضا أسلوب الكراهية والعنف والثأر والانتقام من الآخر وسعت الصدر وتحمل الآخر، وهل هذا الحزب لديه القدرة على التحالف والتوافق وتأسيس عقد إجتماعي، كل ذلك يتم قراءته من خلال السلوكيات الداخلية ومن خلال خطابات الحزب وافراده. لذلك ينبغي اللجوء  الى تأسيس مركز مختص بعلم النفس السياسي لدراسة السلوكيات السياسية عن كثب، وإيجاد قنوات لترشيح الأحزاب وإجراء تقييم دوري لتلك الشخصيات وبما ينسجم مع المعايير الحقيقية للعمل الديمقراطي والسياسي. وقراءة سيرة الأحزاب الرصينة التي تسعى إلى إيجاد المؤسسات وكما هو معمول به في الغرب. وتغيير القيادات السياسية بين فترة وأخرى.وصياغة أنظمة داخلية للأحزاب قائمة على تبني النظام الديمقراطي والتداول السلمي لقيادة الحزب وعضوية الهيئة العليا أو العامة للحزب بين فترة وأخرى.إضافة الى  إخضاع جميع الزعامات السياسية لدراسة علم النفس.  وفي حالات التحرر الوطني يمكن تًقبل فكرة القيادة الكاريزمية ما دام الزعيم يقود حركة تحرر وطني، ولكن عندما تُنجز حركة التحرر الوطني أهدافها وتنال البلاد الاستقلال، أو تتحول حركة التحرر إلى سلطة وحكومة في ظل الاحتلال كما هو الأمر في فلسطين، فإن الأمر يحتاج لإعمال مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية أيضا يحتاج للفصل بين الرئاسات وإعادة توزيع المناصب القيادية وآلية الوصول لها. فالكاريزما بما تعبر عنه إنما تشكل ظاهرة استثنائية ومؤقتة؛ تتعلق بقصة البطل والزعيم. فمن المهم أن نُذّكِر بتلك القاعدة الذهبية أن “الكاريزما قد تملأ الفراغ ولكنها من المؤسف حقا أنها تترك بعدها كل فراغ”. ومن ثم فإن الحذر من ذلك الخطر لا بد وأن يشكل فرصة لتلمس وصناعة لتأسيس وبناء رؤية حول استثمار الكاريزما في بناء عملية المستقبل من دون كاريزما، أو على الأقل فلتتحول كاريزما الزعامة أو القيادة إلى كاريزما السياسة أو القرار، أو إن شئت الدقة بناء المؤسسة.

الكاريزما  هي قدرة القائد السياسى بمعاونة النخبة السياسية في تحديد أهداف المجتمع السياسي وترتيبها تصاعدياً حسب أولياتها واختيار الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف بما يتوافق مع القدرات الحقيقية للمجتمع وتقدير أبعاد المواقف التى تواجهه واتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة المشكلات والأزمات التى تفرزها هذه المواقف ويتم ذلك كله في اطار تفاعلى تحكمه القيم والمبادئ العليا. لذلك فإن القيادة السياسية ليست في جوهرها ظاهرة فردية تتعلق بشخص القائد الذى يمارس السلطة السياسية في المجتمع , أي أنها تتضمن عنصرين هما القائد والنخبة السياسية . والقيادة كعملية تضم الى جانب هذين العنصرين الموقف والقيم . حتى عندما يزج الزعيم الشعب والدولة في حروب وصراعات تؤدي لضحايا ودمار للبلاد، فالفضل يعود للزعيم في حالة الانتصار وليس للشعب الذي عليه أن يخرج في مظاهرات ومسيرات تُمجد الزعيم وتشكره على انتصاراته( كما حصل في آب 1988 عندما انتهت حرب الثمان سنوات بين العراق وايران )، أما في حالة الهزائم والنكسات فالخطأ ليس خطأ الزعيم بل تقصير من الشعب أو نتيجة تآمر خارجي!.  ولا بد لنا أن نشير إلى أنه كيف ينظر عالم السياسة والاجتماع إلى “الظاهرة الكاريزمية”؛ لأن تحديد هذه الظاهرة غالبا ما يحيط بها جوانب معقدة تنبع من جوانب تركيب هذه الظاهرة، خاصة أن ما قد تستدعيه علامات زعامة كاريزمية في بلادنا يمكن أن تعتبره بعض بلاد الغرب علامات انفراد بالسلطة واحتكار لها والاستئثار بها؛ حتى أن البعض يفرط في ذلك فيشير إلى مؤشرات استبداد قد تحملها هذه الظاهرة. وعندما يتولى أحد الزعماء القيادة فإنه يصبح من السهل عليه التلاعب برأى الجماهير ويسهل عليه تغيير توجهات الرأى العام وأفكار الشعب وخاصة اذا كان يتمع بالكاريزما. وقد كان شارل ديجول زعيماً يتمتع بالجاذبية وهذا راجعاً الى الادوار التى لعبها سواءً فى الحرب العالمية الثانية او فيما يتعلق بأزمة الجزائر. وعُين شارل ديجول فى عام   1940وزيرا للحرب فى حكومة فيشى واثناء ذلك ذهب فى زيارة الى لندن ولكن عندما عاد إكتشف أن رئيس الوزراء يسعى الى عقد هدنة مع المانيا فرفض هذه الهدنة مما جعله عرضة للاعتقال من قبل الحكومة الفرنسية لذا عاد ديجول مرة أخرى الى انجلترا ودعا الشعب الفرنسى من خلال اذاعة ( بي.بي .سي) البريطانية الى ان يقدم الدعم له فى نضاله ودعاه الى مواصلة القتال ضد الجيش الالمانى , وقاد حركة فرنسا الحرة مما عَرَّضه للحكم عليه بالسجن غيابياً وكذلك حكم عليه بالاعدام بتهمة الخيانة العظمى.

والسلطة القانونية العقلانية هي الشكل المهيمن في الدول الغربية المتقدمة في عصر ماكس فيبر. وقد ارتبطت تلك السلطة ببيروقراطيات الأمم الحديثة وبحكومات الدول. في المقابل، احتاجت الدول إلى براعة تجريدية من أجل خلق شعور بالوحدة الاجتماعية، علمًا بأن الغالبية العظمى من الناس لم تكن تنظر إلى بعضها البعض من منظور المقارنة، برغم أن غالبية المجتمعات الأوروبية الحديثة في ذلك الوقت تألفت من عائلات ممتدة كبيرة. وقد تحققت البراعة التجريدية آن ذاك في إطار التثقيف الشامل، وهي حقيقة اجتماعية تاريخية هامة، لكن غالبًا ما يتم تجاهلها. مكنت تلك البراعة من بث شعور القوة في صفوف الأفراد؛ ذاك الشعور القوي الذي يطلق عليه بعض علماء النفس اسم “قوة الباطن”.

الوظائف التي تضطلع بها الأحزاب في النظم السياسية الحديثة، مثل التمثيل، والإتصال وربط المصالح وتجميعها، وقد تُصاغ تلك الوظائف في شكل أكثر تحديداً لتشمل تجنيد واختيار العناصر القيادية للمناصب الحكومية، ووضع البرامج والسياسات للحكومة، والتنسيق بين أفرع  الحكم والسيطرة عليها، وتحقيق التكامل المجتمعي من خلال إشباع مطالب الجماعات والتوفيق بينها، والقيام بأنشطة التعبئة السياسية والتنشئة السياسية.  الذي يحترم ثقافة الإختلاف وشرعية الإجتهاد ويحتضن الإتجاهات الفكرية المختلفة ويرعى حقها في الوجود والتعبير عن نفسها داخل الحزب وخارجه بكل الوسائل الممكنة بما يؤدي إلى إثراء الحزب بإبداعات أعضائه وتكريس حق الإختلاف داخل الوحدة الحزبية ويحول دون الإندفاع فيه إلى حد التناقض مع هوية الحزب وثوابت وجوده بحيث لا تأخذ ظاهرة الخلافات السياسية والفكرية طابع الأجنحة ولا تتحول إلى صراع على النفوذ يستقطب معظم النخبة الحزبية إليه بما قد يؤدي في النهاية إلى تفكك الحزب أو الإنشقاق عنه على الأقل. يؤسس فيه مبدأ الولاء على قواعد ومبادئ عقلانية تمثل كيان اعتباري يدين له الجميع بالإنتساب والدفاع عنه بما يجعل فكرة المؤسسة سائدة ومهيمنة على أداء الحزب وليس الولاء أو الطاعة والخضوع للقيادات أو الزعامات أو الشخصيات النافذة.

 

اترك تعليقاً