السيمر / فيينا / السبت 26 . 06 . 2021
علي محسن التميمي
( ولا تَحْسَبَنَّ الَّذين قُتِلوا في سَبيِلِ اللّهِ أمْوَاتاً بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقون )
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم :
( لَئِن تزول السماوات والأرض أهون على الله من قطرة دم حرام تُسْفك).
قال الجواهري :
يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ … بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً … علمُ الحساب ، وتفخر الأرقام
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم … تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام
بك يُبعَث ” الجيلُ ” المحتَّمُ بعثُه … وبك” القيامةُ” للطُغاة تُقام
وبك العُتاة سيُحشَرون، وجوهُهُم … سودٌ، وحَشْوُ أُنوفهم إرغام
1 . مات أحمد راضي ببغداد ، واستشهد صبيح راضي بهولندا بطريقة بشعة عام 1984 وحيداً فريداً، وهو الذي سخر حياته لتطهير العراق من دنس البعث، فأثار موت الأول ضجة اعلامية وسياسية وبرلمانية داخل العراق وخارجه ورثاه الكثيرون وطلب بعضعهم تشكيل لجنة تحقيقية لمعاقبة من تسببواو بقتله بإزالة الأوكسجين، وأغرب ما قرأت ما كتبه عمار البازي ( وصية أحمد راضي كوصية النبي العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيتم بناء جوامع بثوابك ووزعت الأموال للفقراء بثوابك وآباراً لشرب الماء… ). أستغفر الله من إفك هؤلاء الذين هم بالأمس جعلوا من فرعون وهامان وصدام إله ..!
ألا لعنة الله على القوم الظالمين.
2 . أستغرب أشد الغرابة عدم رثاء مئات وربما الألاف من الأطباء والممرضين والعاملين بالمستشفيات ، أليس هؤلاء هم الأجدر بالرثاء والأحترام والتبجيل ؟ هل عمل أحد الكتاب احصائية باسمائهم ، والكثير منهم اطباء اختصاص من هؤلاء مجاهدون في العراق ؟
مفارقات عجيبة غريبة ، أتذكر قبل أن أترك العراق شاعر صدام اللعين الذي قُتِلَ في النجف الأشرف ، كان يهاجم الجمهورية الفتية ويمدحً
صداما :
(كَلّي بروح ابوك اشراح منه الدين، هذا جامع الخضراء وذاك جامع الهندي ، فهذه كانت تطبيلاتهم ودبكاتهم وخستهم)
“انت نبي والله نبي والنبي لازم عربي .”
فولى صدام الجبان فارّأ الى جحره الذي وُلِدَ فيه، وقد ترك العراق مستباحاً لأسياده الأمريكان وأعوانهم الظلمة الذين هم اوصلوه لحكم العراق ، وهذا باعتراف السي اي ايه وهو مثبت في وثائقها ، وليس تهمة نلصقها نحن به . والشئ بالشئ يُذكر ، أقتبس هنا مما كتبه الدكتور علي الثويني في مقالة له بعنوان (هل كان الزعيم عبدالكريم قاسم عميلا لجهة أو مخابرات أجنبية؟) المنشورة في صحيفة مركز النور بتاريخ 2/7/2015 ، يقول فيها:” مازال العروبيون والكروديون “يزعمون أن عبدالكريم قاسم كان عميل لجهة خارجية ، وهنا جدير أن اضرب لكم دليل نستقه من جملة قالها الجاسوس المصري(إيليا كوهين) قبل أن يعدم بحق الزعيم ،وكان آخر إعتراف له بأن كل القيادات العربية عميلة لأسرائيل ماعدا عبدالكريم قاسم الذي لم يكن إلا عدو إسرائيل اللدود. وهذه حقيقة لا شكَّ فيها ولا نقاش ولا جدال
أمّا صدام فهو واحد من تلك الزمرة التي أشتركت في إغتيال الشهيد عبد الكريم قاسم ، وبحمد الله وحفظه ، لم تنل تلك العصابة البعثية العميلة مرادها حينها ، سوى اصابة الزعيم بإطلاق ناري شُفي بعده ، وفر صدام الى أحضان اسيادة.
3 . كما اتذكر ان احمد راضي جاء مع فريقنا الى المغرب وكان بامكانه طلب اللجوء في أي بلد ويفضح جرائم صدام وعدي بحق العراقيين ، لكنه آثر الخنوع في ظل أجرم عصابة .
لكني لن أنسى صديقي مدرس الرياضيات رحمه الله سامي عبد الغني عبد اللطيف الذي توفى ودفن بالمغرب ، جاء شقيقه الدكتور طارق، استاذ الأقتصاد بجامعة البصرة ، للمغرب مع وفد رسمي ، فرفض الرجوع وحصل على عمل بجامعة موريتانيا، وبهذا سجّل موقفا عظيما.ً
4 .ذكر الأخ نعيم الخفاجي وهو شاهد عيان على أحمد راضي ، ان قناة الـ (بي بي سي) العربية عملت مقابلة معه وكان محاوره أحمد راضي ، وطلب الأخ نعيم من أحمد راضي أن يتبرّأ من جرائم عدي بحق العراقيين والعراقييات فرفض ذلك وبكل وقاحة ، كما كشف انه ساعد المجرم محمد الدايني الذي فجّرت حمايته البرلمان على الهروب الى الخارج.
5 .الشهيد صبيح راضي زيارة من أبناء مدينة الثورة ومن أبناء عمومة الشهيد البطل حسن سريع ( أعدمه المجرمون عام 1963)
كان الشهيد صبيح راضي رحمه الله في السنة الرابعة بكلية العلوم ، وعندما شرعت عصابة البعث قانون الأدخار واصدرت سندات الصمود اقتطعت من كل موظف ديناراً، وكان المرحوم يتقاضى سلفة شهرية( 7,5 دينار ) تعطى لطلبة القسم الداخلي، وتُستقطع منهم بعد التخرج، ولما ذهب للمحاسب بالقسم الداخلي لتسلم المبلغ أعطاه المحاسب 6,5 – الدينار 3,3 للدولار ) وأعطاه سند الصمود بدينار، فمزّق الشهيد البطل صبيح السند ووضعه تحت حذائه وقال بصوت عال نحن طلاب، مبلغ السلفة لا يكفينا شهرياً وتستقطعون منا ديناراً، هذا ظلم ، فاستدعاه العميد ودافع الشهيد صبيح عن حقه، وذلك بعد أن كتب أزلام البعث وجواسيسهم السفلة التقارير، فمنعوه حينها من أن يوظف كمدرس في ثانويات العراق، مما إضطره الحال للعمل في المستشفى بقسم المختبر، وسافر في نيسان 1977 لسوريا وراجع سفارة الجزائر للحصول على عمل بالجزائر، فطلبوا منه رسالة تأييد من سفارة العراق، فاضطر للذهاب للسفارة، فأخذوا جوازه، وإذا بالقنصل خرج من مكتبه قائلاً له :” أنت خريج جامعة ، كيف تخرج ؟ ان خروجك من العراق غير قانوني..
أنت خريج جامعة، فنحن لا نعيد لك الجواز، ارجع للعراق هناك ستستلمه ” فقال الشهيد صبيح : “إذا أنت شجاع خذ الجواز ، فأنا سأنتظرك عند باب السفارة وسترى ماذا سأفعل بك
فارتبك القنصل ، وقال مرتبكاً:
أنا أمزح معك،فإن جوازك فيه تاشيرة خروج ، تفضل اشرب شاياً وأعطاه الجواز، وحالاً سافر للجزائر عام 1977 ، ومن ثم تركها ، فالتقيت به بوزارة التربية المغربية في الرباط عام 1978، فصدق الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف:(ميلوا الى مَنْ مالت اليه قلوبكم )
كان الشهيد صبيح راضي حذراً جداً من العراقيين في الخارج، لأن كثيراً من المدرسين كانوا جواسيس على المعارضين
فنحن كنا نجلس بمقهى البرلمان وبرلين في الرباط ، وكنا نتحاور مع المغاربة ونفضح جرائم البعث . وحين عَلِمَ الشهيد صبيح ان أخي كان قد سُجِنَ عام 1963 لمدة سبع سنوات تقريباً ، اطمأنَّ لي ، وحكا لي قصته ، وجاءنا صديق شيوعي كان معي بكلية التربية ، فقال لي : أخي علي لا يجوز التهجم على حكومتنا ، لأننا عملنا معهم جبهة وطنية منذ 1973 ، فقلت له: لقد سُجِنْتُ وعُذّبْتُ دون محاكمة بدائرة أمن الحي من دون أية جريمة أقترفتها ، وأطلق سراحي بكفالة، وهربت الى خارج العراق.
فإن العشرات ، بل المئات من خريجي الجامعات الذين كانوا يؤدون الخدمة الألزامية أُعدموا، بحجة خلفيتهم الماركسية، وعلى إعتبار انه يُمنع ممارسة أي نشاط حزبي في الجيش، ما عدا حزب المخصيين الذي كان يطاردنا، قلت للصديق الشيوعي : لقد خانتكم قيادتكم بعمل الجبهة مع حزب البعث الدموي القمعي الأرهابي، لقاء منصبين( وزارة الري ،ووزارة الدولة )، وكذلك قلت له: نحن لم نأت لجمع المال ( وما أنا طالب مالاً و جاهاً ) إنما نريد محاربة البعث وفضح جرائمه للعالم ، وهذا أيسر سلاح.
فعُيِّنَ صبيح بالقنيطرة ، وأنا عُيٍّنْتُ بورزازات ، وبقينا نتراسل ، وبعد ذلك سافر الشهيد صبيح الى هولندا عام 1979 ، وبقينا على تواصل ومراسلة ، كما أنّي عَرَّفّتَهُ بصديق لي ، نجفي كان قد سُجِنَ بدائرة أمن النجف الأشرف وبغداد تسعة أشهر ، حيث عُذِّب أشد تعذيب ،وبأقذر الوسائل وبأبشعها، فكسّروا أصابع يديه ، فكانوا يضربونه بأنبوب مطاطي وبداخله حصى ( صونده بداخلها حصو ) على رأسه ، مع استمرار الضرب على يديه ، كما مزقوا أمعاءه ، بإجلاسه على قنينة مكسورة الفوهه ( بطل مكسور ) ، مع العلم أن شقيق هذا الصديق قد استُشْهِدَ في النجف الأشرف . حيث كان مع المدرس النجفي شاب سجين ، كلما ازداد تعذيبهم له ازداد صلابة ، ولكن في احدى المرات خرج من زنزانة التعذيب باكياً ومحاولاً الأنتحار ، فسأله السجناء ماذا حصل له ، فأجاب ان المجرمين السفلة قد اعتدوا على شقيقته امامه . وهذا الشاب هو أحد الملتزمين دينياً ، وكان تعذيبهم له، لا لشئ، إلّا لأنه ملتزم.
كان الشهيد صبيح يتراسل معه ويحصل منه على معلومات الجرائم التي ترتكبها عصابة البعث بحق العراقيين نساءً ورجالاً وشيوخاً وأطفالاً ، فيرسلها الى منظمات حقوق الأنسان ومنظمة العفو الدولية ، مما عرفت ذلك السفارة العراقية بهولندا ، وفي ذات الوقت جاءني ضابط أمن من السفارة وجاسوس لهم ، الأول اسمه زيدان والثاني كان يدرس في المغرب اسمه عماد شومان ، ادعوا انهم تجار ، يريدون فتح محل تجاري، فقلت لهما : أفقر ان مدينة ورزازات هي افقر مدينة ، فمن أرسلكم لها ؟ وكُشِفَ أمرهما عندما سألني زيدان عن الشهيد صبيح ، فقلت له لا أعرفه ، تعرفت عليه بالوزارة ، وساعد على معرفة عنوان الشهيد صبيح بهولندا الجاسوس صلاح رشيد الصالحي . فأنا بدوري أخبرت الشهيد صبيح بالقصة وقلت له خذ الحيطة والحذر، فهو كان يسكن بشقة يملكها شخص يتعاون مع السفارة ومخابرات هولندا، لأن كل الغرب يكره الأمام والجمهورية، لأنه قطع أرزاقهم ومصالحهم، ووجد الشهيد صبيح الجرائد والمجلات التي تصله مبعثرة على الأرض، حين يفُتِحَ صندوق الرسائل ، فكتب الشهيد صبيح رسالة يقول فيها: أخي علي كأن السماء أطبقت عليّ، لقد بدأوا يضايقونني عملاء ومخابرات( السفالة )السفارة.
وبعد مدة تسلّمت رسالة كأنما كُتِبَتْ بخط طالب في الصف الأول ، يتعلم القراءة والكتابة، أخبرني أن عملاء ( السفالة ) السفارة ألقوا به من شقته الى الأرض، فكُسرت عظامه وهو راقد في المستشفى ويِؤخذ بالسدية لقضاء الحاجة ،
فذُهِلْتُ وشككت بالخط الذي كُتِبَت به الرسالة أول الأمر ، فبعثت برسالة له، وقلت فيها: أخي صبيح إذا كنت أنت قد كتبت الرسالة لي ، فلماذا لم تذكر لي اسمك المستعار الذي تراسلني به ؟ فذكر لي انه لا يستطيع ان يمسك القلم، وهو أشبه بميّت، وكذلك يضايقه الممرضون والممرضات وكتب اسمه المستعار ( عبود آل خلف ) وانقطعت الرسائل من ذلك الوقت، واخبرني صديقي علي مشكور، وكان مدرساً بطنجة، سافر الى الرباط بالقطار، وكان بجانبه مغربي يعمل في هولندا، وعندما عرف المغربي الأخ مشكور عراقي الأصل ، لعن صداماً والبعث وقال لقد ألقوا معارضاً عراقياً من شقته الى الأرض ، ولحقوا به بعد مدة للمستشفى وقتلوه وهربوا الى بلجيجا، ما أخس البعث العفلقي الصدامي ، ولا أظن أن عراقياً سمع بقصة هذا البطل الشهيد في الغربة الذي كان مدافعاً عن العراقيين طيلة حياته، ولم يكلف أحد المسؤولين الذين خانوا الأمانة أن يطلب من سفارتنا اسماء الذين استشهدوا وماتوا بدس الثاليوم في بلاد الغربة.
ألا يستحق مثل هؤلاء التبجيل والتكريم يا ترى؟
فإن دماؤهم هي التي أسقطت صداماً ، و لكن وللأسف الشديد جاء المرتزقة الذين كانوا يعتاشون على صدقات الدول، تربعوا على العروش بنفوسهم الدنيئة وحقارتها ، فلم يحترموا دماء الشهداء المقدسة التي اطاحت بصدام ، وقد يقول قائل أن امريكا هي التي أزاحت صدام ، فأقول على العكس ان الأمريكان والسعودية هم الذين ساعدوا صدام في قمع الأنتفاضة الشعبانية التي حررت اربع عشرة محافظة ، مما أطالوا في عمر الهيمنة والتسلط الصدامي بقمع الشعب وتجويعه بالحصار الأقتصادي الأمريكي الظالم الذي راح ضحيته أكثر من مليون ونصف المليون.
6 . أخيراً هذه شهادة للتأريخ والله يشهد ، كتب لي الشهيد صبيح رحمه الله بعد حرب صدام ضد الجمهورية مباشرة ( أخي علي أرجو منك أن تتزوج ، وتطلب من أخوتي العراقيين الزواج وانجاب الأولاد ، لأن صداماً اللعين قد نفذ مخططه القذر للقضاء على الشيعة ، لأن المقتول من الطرفين هو شيعي ، فلعنة الله على البعث وصدام وآل سعود الوهابيين ، هذا مخططهم ما زال قائماً ونفذوه منذ 2003 ، فعدد الشهداء والجرحى منذ 2003 ( 1,5 ) مليون ، وربما أكثر ،
هذه احصائية قديمة ، وان 93% منهم شيعة باحصائية الأمم المتحدة ، فاتعظوا يا من أعدتم المجتثين ، قتلة شعبنا للمناصب وكرّمتموهم بالتقاعد ، وهم مَنْ سببوا مأساة سبايكر وكل المآسي .. فلعنة الله على مَنْ أرجعهم.
كتبتُ هذه المقالة قبل سنة، وقد كنّا نتمنّى من وزير الخارجية الذي كان يقيم في هولندا ، أن يقوم بتكريم الشهيد صبيح راضي في كشف قتلته في السفارة العراقية هناك.
علما أن دم الشهيد صبيح ، وباقي الشهداء قد أصبحت جسرا لوصول حكام اليوم الى قمة السلطة في العراق ..!