السيمر / فيينا / الأربعاء 07 . 07 . 2021
د. ماجد احمد الزاملي
اول تنظيم للضباط الاحرار تأسس عام 1942 لتغيير نظام الحكم في العراق غير ان السلطات تمكَّنت من القضاء عليه واحالة اعضاءه الى القضاء ، كما وقف الجيش الى جانب الحركة الوطنية وظهر ذلك من خلال التظاهرات التي شهدتها بغداد والمحافظات فدفع ذلك السلطة بعدم الاستعانة بالجيش لمنع وثبة كانون عام1948. وقامت نخبة من طلائع الضباط المستنيرين بتشكيل “تنظيم الضباط الوطنيين” الذي أسماه الإعلاميون لاحقا بتنظيم الضباط الأحرار أسوةً بتنظيم الضباط الأحرار في مصر وذلك في نهاية عام 1949 ، وبعد الهدنة مع إسرائيل وانسحاب الجيش العراقي. ومن وجهة نظر الدول الغربية؛ فإن سلسلة المعاهدات مع العراق وبعض الدول العربية وآخرها حلف بغداد ما هي إلا صفقة استراتيجية الغرض منها هيمنة بريطانيا وفرنسا ومن ثم لاحقاً أمريكا على المنطقة لدواعي استراتيجية أهمها الوقوف بوجه الإتحاد السوفيتي والسيطرة على منابع النفط واستيلاء الولايات المتحدة على أرث بريطانيا وفرنسا على الأخص بعد حرب السويس أو ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر، ووقوف حكومة نوري السعيد بشكل معلن مع دول العدوان. وكانت هناك ضرورة ماسَّة للتطور السياسي ليتناسب مع حاجة الشعب من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ، أي تحقيق تحسين الوضع الاقتصادي و العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات. فإذا كانت السلطة تسمح للتقدم والتطور حسب ما تفرضه المرحلة، يحصل هذا التقدم تدريجياً بدون ثورة ودون الحاجة إلى عنف , على الرغم من ان صبيحة 14 تموز 1958 لم تكن عنيفة ولم تسيل دماء كما حصل في جميع الثورات الضخمة ,فقط حصلت أخطاء فردية طفيفة رغم تهويل الاعلام . و إذا كان الحكّام لا يؤمنون بالتطور ولا يعترفون بالحاجة إلى التغيير لمواكبة التطور والاستجابة لحاجة الشعب إلى التغيير، فتكون هذه السلطة تعمل لمصلحتها والبقاء في الحكم وبالتالي فهي حكماً تخدم اجندة خارجية لكي تحميها من شعبها الذي سيثور عاجلاً أم آجلاً للإطاحة بها . ومع مرور الزمن تزداد الحاجة إلى التغيير ويحتدم الصراع بين قوى التجديد والسلطة, فتضطر السلطة ومن أجل بقائها في الحكم، إلى استخدام العنف والإرهاب والقوة لقمع القوى المطالبة بالتغيير، إلى أن تتراكم الحاجة إلى التغيير مع الزمن أكثر فأكثر وتصل حداً تصبح الحياة غير ممكنة مع الوضع القديم، عندئذٍ ينهار الجدار الذي يقف أمام الهبّة الجماهيرية المطالبة بالإنعتاق ، ويحصل العمل الثوري ، فتأتي سلطة تستجيب لحاجات التطور الاجتماعي ورغبات الشعب. فالعوامل التاريخية التي تراكمت وتمخضت عنها ثورة تموز 1958 عدة , منها إجهاض إنقلاب رشيد عالي الكيلاني وإخفاق الحكومات العربية في حرب فلسطين عام 1948 م، ثم دخول حكومة نوري السعيد في سلسلة من المعاهدات وآخرها حلف بغداد التي كبَّلت العراق ببنود هيمنة جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي، وبعد بروز المد الوطني المعادي للهيمنة البريطانية والفرنسية والأمريكية، والتأييد الجماهيري الكاسح لهذا المد الذي تزعمته القيادات الثورية الشابة في بعض بلدان الوطن العربي ، وتصاعد المد الجماهيري المؤيد للحركات الثورية الوطنية والقومية ليشمل دولاً عديدة ، وأصبحت حكومة نوري السعيد ورقة محروقة متهمة بل غارقة بالعمالة لبريطانيا. ثورة 14 تموز 1958 لها دور في تغيير الاستراتيجية الأمريكية في العراق فثورة 14 تموز 1958 في العراق هي مرحلة مهمة من المراحل التي مر بها تاريخ العراق الحديث والتي انعكست آثارها ليس على العراق وحده وانما على دول الجوار والدول الأجنبية التي كانت متغلغلة في العراق وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، فعلى الرغم من العلاقة الجيدة التي كانت قائمـة بين الحكومتان ومع وجود اجهزة المخابرات الأمريكية في العراق إلا أنها لم تستطع التنبؤ بالثورة ولا بزمان حدوثها، والأمر الذي شكَّلَ مفاجئة للامريكان هو مجيئ نظام حكم معادي لهم، ومثلما كانت هي ثورة ضد نظـام حكـم، كانت ثورة ضد الوجود الامريكي في العراق.
إن ثورة 14 تموز في العراق وخوف السلطة الحاكمة في ايران والمتمثلة بالشاه محمد رضا بهلوي من ان تؤثر ثورة العراق عليه بشكل سلبي واندفاع الولايات المتحدة لتحل محل بريطانيا والخوف من الامتداد السـوفيتي الـى المنطقة كان لها الاثر الكبير في تقوية العلاقات الامريكية الايرانيـة، لـذلك طلب الشاه من الولايات المتحدة ان تتدخل في ايـران إذا ماتعرضـت إلـى هجوم من قبل السوفيت او اي جهة خارجيه بما في ذلك العـراق. ان الأمريكيين عندما يريدون السيطرة على بلد ما او احتلاله يطلقون شعارات الديمقراطيـة والحريـة لإنقاذ البلدان من الانظمة الحاكمة التي تحكمها، وهذا ما كان واضحا من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي ايزنهاور عنـدما تفاجـأ بـالثورة، والواقع ان هذا أسلوب من أساليب الاحتلال الأمريكي فهو يطلق حملـة دعائية كبيرة لحملته قبل تنفيذها لكي يبقي الرأي العام مشغولاً وهـذا الأسـلوب استخدمه الأمريكان قبل احتلالهم للعراق عام 2003 .
ونقول للذين يعتبرون 14 تموز إنقلاباً قادته مجموعة من الضباط , فيقول حنا بطاطو، أنَّ ما حدث يوم 14 تموز 1958 كان ثورة بكل معنى الكلمة ونزول آلاف المواطنون للشارع ومساندة الثورة . والمستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون يقول: “أن الثورة العراقية هي الثورة الوحيدة في البلاد العربية”. ومن الجهل بمكان القول أن ثورة تموز فتحت الباب للانقلابات العسكرية، فقد حصل في العهد الملكي ثمانية انقلابات عسكرية بعضها نجح مثل انقلاب الفريق بكر صدقي عام 1936، وهو بالمناسبة، أول إنقلاب عسكري في البلاد العربية، وما تلاه من انقلابات أخرى مثل انقلاب الأول من مايس 1941 حركة رشيد عالي الكيلاني، والذي انتهى بالاحتلال البريطاني الثاني للعراق في نفس العام.
عبّرت ثورة 14 تموز 1958 عن نضالات للشعب العراقي في تثبيت استقلاله السياسي والاقتصادي وما قدمه من شهداء لبناء مجتمع قائم على الرخاء والرفاهية والعدل الاجتماعي والنهوض السليم المعافى للبناء المؤسساتي, فالبيان الاول الصادر في 14 تموز 1958، عكس الطبيعة الوطنية والديمقراطية للثورة”ان الحكم يجب أن يعهد الى حكومة تنبثق من الشعب وتعمل بوحي منه،وهذا لا يتم الا بتأليف جمهورية شعبية تتمسك بالوحدة العراقية الكاملة”،توالت التشريعات الضامنة لحقوق الشعب العراقي المسحوق “الدستور المؤقت 1958،”بيان النفط”والحرص على استمرار تصدير النفط والشروع بالمفاوضات مع شركات النفط وتشريع قانون رقم (80) لسنة 1961 والذي حدد مناطق الاستثمار لشركات النفط الاحتكارية،قانون الاصلاح الزراعي لتصفية الاقطاع رقم (30) لسنة 1958 والغاء قانون المنازعات العشائرية،قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959،بيان لجنة التموين العليا رقم 1 لسنة 1959 الذي حدد منهاج الاستيراد الجديد ومنع استيراد المواد الكمالية الاستهلاكية والمواد المنتجة المحلية وتشجيع استيراد المنتجات والمكائن والمعدات الضرورية للتصنيع او للاستهلاك الشعبي. . وفي عهد ثورة تموز 1958 خاضت وزارة الخارجية العراقية وممثلي العراق في المنظمات الدولية معارك مُشرِّفة في طرح قضية كفاح الشعب الجزائري والدفاع عنها دون هوادة. كان الموقف الشعبي العراقي مكملاً وداعما للموقف الرسمي ففي الوقت الذي كان فيه السيد هاشم جواد 29/11/1960 يحضر لمناقشة القضية الجزائرية في الامم المتحدة كانت المظاهرات في شوارع بغداد هاتفة دون هوادة ” يا ديغول برة برة الجزائر صارت حرة ” ، وتطالب الحكومة بمزيد من الدعم المادي وارسال السلاح والمؤونة للثورة الجزائرية. وفي 19/12/1960 يقرر مجلس الوزراء مرة اخرى اهداء دفعة اخرى من ألاسلحة الى جيش التحرير الوطني الجزائري. وكان العراق زمن عبدالكريم قاسم قد سجَّل موقفاً تاريخياً سبق به مصر عبدالناصر فكان العراق البلد الاول في العالم الذي اعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة، وأُعلن الموقف العراقي قبل ان تنتهي قراءة بيان اعلان حكومة الجزائر في القاهرة. لكن الاقدار سجلت ايضا أن الجزائر كانت في مقدمة الدول التي اعترفت بانقلاب 8 شباط في العراق تقرُّباً من الموقف المصري، ولهذا تم تجاهل دور الزعيم عبد الكريم قاسم ونسيانه حتى طواه النسيان فلم ينصفه مؤرخوا الثورة الجزائرية حقه. إنه بطل من ابطال العراق، واضافة الى قيادته تفجير ثورة 14 تموز ووطنيته، فله دوره القومي أيضا في دعم ثورتي الجزائر وعُمان وبعدها ثورة فلسطين. وإلى يومنا هذا نرى الكثير من المنصفين الذين قالوا عن الزعيم انه عاش بسيطا وعفيفا ووطنيا مخلصا، ولم يزايد على غيره في دعم القضايا القومية التي وقف معها باخلاص وجدية وخاصة القضية الفلسطينية والثورة الجزائرية.