السيمر / فيينا / الخميس 19 . 08 . 2021
قال التاريخ: وقعتْ معركة كربلاء قُتل فيها الحسين وأصحابه.
قال الزمان: وُلِدتْ أمة في كربلاء. معذور أنت يا كتاب التاريخ. ترى بعض ما كان. سلْني أنا. أنا الشاهد على الخلق منذ آدم وحتى تقوم الساعة. أنا رحّالة الدنيا الأمين. اطّلعتُ على كتب السماء. على جبريل يحاكي الأنبياء. على موسى يشقّ البحر بعصاه، وعيسى يكلم الناس في المهد. وشهدتُ محمداً يدخل غار حراء، وعلياً يخرج من جوف الكعبة.
أنت يا تاريخ تكتب يومك، ترى ما بين يديك. أما أنا فالشاهد على ما جرى، والعارف بما كان في الخفاء. رأيتُ الملائكة يسجدون لآدم، وقرأتُ على العرش اسم الحسين، وكان اسم كربلاء مكتوباً هناك.
لم تُحسنْ وصفَ كربلاء. صححْ يا تاريخ أقوالك. فما كان على الرمح رأس الحسين، بل كتاب الله كان على الرمح مرفوعاً. ومع السبايا سار الأنبياء، وكاد غضب الله أن يسحق الأرض ومن عليها.
لم تُحسنْ الوصف يا تاريخ ولم تنصفْ كربلاء. كتبتَها بسجلّاتك أرضاً قُتل فيها الحسين. حِبرُك شحيح يا تاريخ. كربلاء التي أعرفها قطعة قدسية منحوتة على الأرض. يطوف بها الملائكة بأجنحتهم. يُصلّون لله فيها ويسبحون. انتظروا طويلاً حتى وصل الحسين. ثم رافقوه وأصحابه الى السماوات العلى.
كربلاء يا تاريخ ليست كما تقول، فاجعة أليمة، بل هي بركانٌ تفجّر كرامةً، فتناثر عليها روحٌ وريحانٌ، وانشقَّ منها درب للنعيم.
كتبتَ في أوراقك عن عطش الحسين وسكينة والأكبر والقاسم. فأنت ترى في العطش شفاهاً يابسةً، لكني أراه رواءً بارداً أينعَ أمة.
حدّقْ جيداً يا تاريخ في أصحاب الحسين. لم يُقتل منهم أحد. أما ترى النور يشق الظلام على السواتر حول كربلاء؟ أليسَ هذا ابن عوسجة يحمل بندقيته على ساتر جرف الصخر؟ وذاك ابن مظاهر يرابط منذ سنين في خندقه؟ أما ترى زهير بن القين وجون معه ثابتين كالجبل لا يبرحان مكانهما؟
وكيف تقول: قطعوا كفّ العباس؟ أما ترى الراية مرفوعة تُحرّك الريح عن اليمين وعن الشمال؟
وما أعجب قولك حين كتبتَ بأوراقك، عن نصف نهار دامت فيه المعركة. أعدْ حساب الوقت مرة أخرى، وأرجع البصر فيها، ستجد الحرب دائرة، تجول على أرضها الخيول. فهذا القاسم قرب المطار يحتضن جمال الأكبر. وانظر الى هؤلاء، فتية الحسين واصحابه في العراق ولبنان واليمن، يقتحمون الموت يرتجزون: أميري حسين ونعم الأمير.
مزوِّرٌ من يقول انتهت كربلاء، هتافها لا زال مسموعاً مدوياً: هيهات منا الذلة.
أمويّ من يقسّم أنصار الحسين على البلدان، إنهم أمة الحسين، أبناء كربلاء، ونهج سيد الشهداء في قلوبهم وأرواحهم ووجدانهم، نهج متوارث لا يضعف ولا ولا ينقطع، لأنه درب الحسين.
١٩ آب ٢٠٢١