السيمر / فيينا / السبت 02 . 10 . 2021
د. صلاح الصافي
إن الحكم على صلاحية وجدوى أي نظام انتخابي يعتمد على مدى قدرة هذا النظام على الاستجابة للأوضاع السياسية والاجتماعية التي تمر بها الدولة المعنية بتطبيق ذلك النظام، وماهية القيم والأولويات التي يراد تحقيقها وتعزيزها، فمن خلال النظام الانتخابي يتم الاتجاه نحو تعزيز الاستقرار والمنافسة السياسية وشكل السلطة السياسية.
اعتمد العراق منذ التغيير عام ٢٠٠٣ في نظامه الانتخابي على نظام التمثيل النسبي، الذي يعتمد على مبدأ مفاده حصول كل حزب على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الاصوات التي حصل عليها ذلك الحزب في الانتخابات، وكلما كانت التناسبية أكبر كان ذلك اقرب إلى مبدأ العدالة الانتخابية، والعكس بالعكس، وهناك العديد من طرق توزيع المقاعد ضمن نظام التمثيل النسبي، منها ما يقسٌم عملية التوزيع على مرحلتين، تعتمد المرحلة الأولى على القاسم الانتخابي وتعتمد المرحلة الثانية على واحدة من الطرق المعروفة لتوزيع المقاعد (الباقي الأقوى، المعدل الأقوى)، وهناك طرق يتم بواسطتها تقسيم المقاعد من خلال مرحلة واحدة فقط، ومن هذه الطرق ( هوندت، سانت ليغو، سانت ليغو المعدلة).
أما القانون الانتخابي السابق (سانت ليغو المعدل)، لتوزيع المقاعد البرلمانية بين المرشحين الفائزين فهو من النظم التي تحقق نوعاً من العدالة في توزيع المقاعد البرلمانية بالعراق في الظاهر، إلا أنها في الحقيقة تخدم القوائم الكبيرة لاستحواذها على نتائج التقسيم لتخدم القوائم الكبيرة صراحة، وقد استخدم هذا النظام الأغلبية البسيطة لتحديد الفائز من نتائج استخدام نظام سانت ليغو على أن تعاد تسلسلات المرشحين وفق ما حصلوا عليه من أصوات الأعلى فالأقل فالأقل، وتستخدم القرعة كوسيلة لتحديد الفائز في حالة تساوي أصوات المرشحين، لذلك نرى تمسك الكتل الكبيرة واستقتالها من أجل استمرار هذا النظام الانتخابي، لكن تأثير وضغط الشارع العراقي وفوضى تشرين كانت السبب الأكبر لرضوخهم واقرارهم قانون انتخابي جديد.
ومن إيجابيات القانون الجديد أنه ألغى واحدة من أكثر النقاط المثيرة للجدل، تلك المتعلقة بآلية “سانت ليغو” (التي تسحب أصوات الناخبين وتوزعها بين القوى السياسية بطريقة أقرب ما يكون إلى التقاسم بينها)، وهي الطريقة التي طالما أثارت حفيظة الناخبين العراقيين وأفقدت الناخب الثقة في العملية الانتخابية بأكملها.
والقانون الجديد يساعد في زيادة فرص دخول القوى المدنية والحركات الوطنية الناشئة للبرلمان، وإنهاء احتكار القوى الحالية للعملية السياسية في العراق، وهو أحد أبرز المكاسب التي تضمنتها التعديلات الجديدة، إذ سيكون الفوز لمن يحصل على أعلى عدد من الأصوات دون أي ألغام وفخاخ تسمح بمصادرة صوت الناخب وتحويله لمرشح آخر لمجرد أن هذا المرشح يشترك مع الآخر بقائمة واحدة.
إضافة إلى أن إقرار الدوائر المتعددة هو الأفضل لأسباب مختلفة، منها: حسن الاختيار والشفافية، وإبعاد هيمنة الكتل السياسية الكبيرة، إضافة إلى سهولة الانتخاب وضمان مشاركة واسعة.
إن القانون الانتخابي الجديد أعاد للعراقيين الثقة بعملية الاقتراع بعد آخر انتخابات جرت 2018 والتي لم يشارك بها أكثر من 25% في أحسن التقديرات، فيما أجريت انتخابات 2005، و2010، و2014، و2018، بقانون اعتبر مفصلاً على مقاس الأحزاب السياسية الطائفية الرئيسة في البلاد.
بعد هذه المقارنة بين القانون الانتخابي السابق والقانون الجديد الذي سوف يطبق في الانتخابات المزمع اجراؤها يوم 10 من هذا الشهر، أصبح من الواجب علينا الذهاب بقوة إلى صناديق الانتخاب لأنها فرصة مواتية من أجل الخلاص من وجوه فاسدة جثمت على صدورنا وعاثت بالأرض فساداً وأصبحت يضرب المثل بها الذي فاق حد الخيال.
على شعبنا الذي ذاق الأمرين من هذه الكتل السياسية منذ 2003 لحد الآن، أن يستثمر هذه الانتخابات، ويكون الاختيار صحيحاً لإنقاذ الوطن، وهو على شفا حفرة، ولا عذر بعد ذلك، ولات حين مندم.