الرئيسية / مقالات / كتاب عاشوراء بين الصلح والكيد للسيد العاملي والقرآن الكريم (ح 2)

كتاب عاشوراء بين الصلح والكيد للسيد العاملي والقرآن الكريم (ح 2)

فيينا / الأربعاء 17. 07 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب عاشوراء بين الصّلح الحسني والكيد السّفياني للسيد جعفر مرتضى العاملي: عن البكاء: فإن القرآن قد صرح بأنّ النبي يعقوب عليه‌ السلام قد بكى على ولده النبي يوسف عليه‌ السلام ـ الذي كان حياً ـ حتّى ابيضّت عيناه من الحزن، بل هو قد كاد أن يهلك من ذلك، قال تعالى: “وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُواْ تَالله تَفْتؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ” (يوسف 84-85).
وعن عاشوراء عيد الشامتين بأهل البيت عليهم‌ السلام يقول السيد جعفر مرتضى العاملي: وإذا أردنا أن نسلّم بما يقال من أنّ عمل السلف حجة وإن لم يكن المعصوم داخلاً فيهم. وإذا فرضنا صحة قولهم: إنّ عصر الصحابة والتابعين هو العصر الذي تنعقد فيه الإجماعات، وتصير حجة، وتشريعاً متّبعاً. وإذا كان الإجماع معصوماً، ونبوّة بعد نبوّة حسبما يدّعون. وإذا كان يحلّ لمسلم أن يدّعي وجود نبوّة بعد نبوّة خاتم النبيّين، خلافاً لنص القرآن الكريم: “مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ” (الأحزاب 40). وإذا كان يجوز عند هؤلاء اطّراح القرآن، وكل ما قاله النبي الأعظم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله لمجرد أنه انعقد الإجماع بعد عصر النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله على خلافهما، مع التصريح بأن الأمة معصومة. إذا جاز كل ذلك جاز أن يقال لهؤلاء: لقد سُبَّ أمير المؤمنين عليه‌ السلام على اُلوف المنابر في جميع أقطار العالم الإسلامي من قبل وعّاظ السلاطين طيلة عشرات السنين، وشارك في ذلك العديد بل العشرات من الصحابة . فهل يجوِّز هؤلاء العودة إلى سبه، وهل يعتبرون ذلك شريعة مرضية لله ولرسوله؟ كما أن بني اُميّة وكلّ أتباعهم، ومَن كان تحت سيطرتهم، وكذلك بنو أيّوب، ولمدة عشرات السنين قد اتخذوا يوم عاشوراء عيداً، وأوّل من فعل ذلك الحجاج برضا و بمرأى ومسمع من الخليفة عبد الملك بن مروان، و بمرأى ومسمع من بقايا الصحابة وجميع التابعين. ولم نجد اعتراضاً من أحدٍ منهم، ولا من أيٍّ من علماء الاُمّة وصلحائها باستثناء أهل البيت عليهم‌ السلام الذين كانوا يعملون بمبدأ التقية آنئذٍ لا في تلك الفترة في عهد الاُمويّين، ولا في زمان بني أيوب وبعده.
وعن ابن تيمية يقول السيد العاملي في كتابه: حتّى ابن تيمية، وهو المتعصب المتحامل على أهل البيت عليهم‌ السلام وشيعتهم، لم يستطع أن يظهر الرضا بهذا الأمر، فهو يقول: (وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة، المقابلة للرافضة). وأضاف ابن تيمية إلى عبارته الآنفة الذكر قوله:  وقد وُضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه، من الاغتسال والاكتحال إلخ. وقال: وأحدث فيه بعض الناس أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها، مثل فضل الاغتسال فيه، أو التكحّل، أو المصافحة. وهذه الأشياء ونحوها من الاُمور المبتدعة، كلها مكروهة، وإنما المستحب صومه. وقد روي في التوسع على العيال آثار معروفة، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمّد بن المنتشر، عن أبيه قال: بلغنا أنه مَن وسّع على أهله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته. رواه ابن عيينة. وهذا بلاغ منقطع لا يُعرف قائله. والأشبه أنّ هذا وُضع لمّا ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة، فإنّ هؤلاء عدّوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع اُولئك فيه آثاراً تقتضي التوسّع فيه، واتخاذه عيداً. ونقول: قد عرفت أنّ صومه مكذوب أيضاً. بل لقد بلغ بهم الأمر:أن رووا عن ابن عباس في تفسير آية: “مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ” (طه 59). أنه قال: يوم الزينة يوم عاشوراء. وعن ابن عمر، عنه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: مَن صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة، ومَن تصدّق يومئذ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة. يعني يوم عاشوراء. بل تقدّم أنّ أهل السنّة يزعمون: (أنّ الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة) أمّا ابن الحاج فذكر عن يوم عاشوراء: (أنه يستحب التوسعة فيه على الأهل والأقارب، واليتامى والمساكين، وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها، بحيث لا يجهل ذلك). وبعد أن ذكر أشياء تُفعل في هذا اليوم لم تُعرف عن السلف، كذبح الدجاج، وطبخ الحبوب، وزيارة القبور، ودخول النساء الجامع العتيق بمصر وهنّ في حال الزينة الحسنة، والتحلّي، والتبرّج للرجال، وكشف بعض أبدانهنّ، ويقمن فيه من أول النهار إلى الزوال، بعد أن ذكر ذلك قال: ومن البدع أيضاً محرهن فيه الكتان، وتسريحه، وغزله، وتبييضه في ذلك اليوم بعينه، ويشلنه ليخطن به الكفن، ويزعمن أنّ منكراً ونكيراً لا يأتيان من كفنها مخيط بذلك الغزل.
وعن كلمة أخيرة في نهاية كتابه يقول السيد العاملي: فإننا نحسب أنّ ما ذكرناه في هذه الإطلالة كافٍ ووافٍ لإعطاء الانطباع الصحيح عن الحقِّ والحقيقة في أمر يعتبر من البديهيات التي لا تحتاج لاكتشافها والتعرف عليها إلى هذا الحشد الكثير، ولا إلى ذلك جهد كبير. ولكن التجارب والأيام قد علّمتنا أنّ هؤلاء الناس لا يقتنعون بالمنطق وبالعلم الصحيح، ولا يريدون أن يقنعوا الناس به. ثمَّ هم يريدون أن يصدّوهم عنه، ولو بأن يتلاعبوا بعواطفهم ومشاعرهم، وأن يشحنوهم بالكراهية والضغينة على إخوانهم، وأن تكون الأحقاد التي يغذيها الكذب والتزوير هي سيدة الموقف، وهي التي تحكم الحركة والسلوك والعلاقات بين المسلمين. إنّهم يريدون أن يزيّنوا آراءهم الباطلة وضلالاتهم للناس بترّهات خادعة، وبشعارات لامعة، وإثارات بارعة ومائعة، حتّى إذا فشلت في التضليل وفي التجهيل، كان البديل عنها لديهم هو أساليب القمع الفظة واللإنسانيّة، وفرض رأيهم وطاعتهم، والانقياد الأعمى لهم على الناس لهم ولو بالقوة وبالقهر ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين.

اترك تعليقاً