أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / آيات قرآنية في كتاب دعاء عاشوراء للسيد الحسني (ح 2)

آيات قرآنية في كتاب دعاء عاشوراء للسيد الحسني (ح 2)

فيينا / الخميس 18. 07 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: تكملة الدعاء في القرآن الكريم: ثالثاً: مدلول تفاضلي: مما لا شك فيه إن الأنبياء والمرسلين علیهم ‌السلام هم مثال حكم الله عز وجل في الأرض، وهم أعبدُ الخلق للخالق عزّ شأنه. ومن هنا: أشارت بعض الآيات إلى أنهم يتفاضلون فيما بينهم في العبودية والتقرب إلى الله تعالى في كثرة الدعاء له. وقد مرّ في المدلول التعبدي، بأن الدعاء أفضل أنواع العبادة، إذ ينطلق اللسان مترجماً لما يختزنه الفكر من معرفة بالله عز وجل. ولذلك: كانت أدعيتهم علیهم ‌السلام تفاضلية في الرتبة، بمعنى آخر: كانت كاشفة عن الرتبة المعرفية بالله تعالى وكاشفة أيضاً عن رتبة العبودية. فقد ورد في الرواية عن أبي عبد الله الصادق علیه‌ السلام في معرض بيانه للعقل والجهل وجنودهما، فقال: (والدعاء وضده الاستنكاف). فجعل الدعاء من خواص العقل وجنده وضده الاستنكاف وهو من خواص الجهل وأحد جنوده. إذن، فلننظر إلى القرآن كيف يعطي هذا التمايز والتفاضل المرتبي فيما بين الأنبياء عليهم السلام من خلال دعائهم وتقربهم إلى الله تعالى، في حين أن هناك آيات قد دلّت على هذا التمايز دون أن تتضمن لفظ (الدعاء) كتلقي آدم عليه السلام للكلمات التي نزل بها جبرائيل عليه السلام فكان يدعو الله بها كي يتوب عليه وهي قوله تعالى: “فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيم‌” (البقرة 37). وها هو نوح عليه السلام كيف يدعو الله ويسأله النصر على الظالمين. 1. قال تعالى: “فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر” (القمر 10). والآية الكريمة تتحدث عن السلاح الذي لا يملكه الخصم على مرّ الدهور وهو الدعاء لله عز وجل. فكان نبيّ الله نوح عليه السلام قد استخدم هذا السلاح فانتصر به على عدوه. 2. أما في شأن إبراهيم الخليل عليه السلام فتظهر الآية سمّو المعرفة عند الخليل بما للدعاء من إعجاز في تحقيق المستحيل، وفي خرق القوانين الطبيعية، وتظهر الآية كم كان عليه السلام موقناً بالإجابة من الله عز شأنه، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السموات. فوهب له إسماعيل وإسحاق على كبر سنه الذي ناهز التسعين. فقال تعالى في بيان حال نبيه إبراهيم: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي وَهَبَ لي‌ عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَميعُ الدُّعاء” (ابراهيم 39). وقال عزّ شأنه: “رَبِّ اجْعَلْني‌ مُقيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتي‌ رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاء” (ابراهيم 40). فكانت الصلاة دالةً على الدعاء، وكان الدعاء دالاً على قبول العمل وارتفاعه.
ويستمر السيد نبيل الحسني عن الدعاء في القرآن الكريم قائلا:  3. ثم يحدثنا القرآن الكريم عن نبي الله زكريا عليه السلام وهو يرى مريم J وقد تكفل الله تعالى برزقها. فكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً، وكان يرى فاكهة الصيف في موسم الشتاء، وفاكهة الشتاء في موسم الصيف فعندها توجه إلى الله تعالى وتقرب إليه داعياً. فقال عز وجل: “هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لي‌ مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَميعُ الدُّعاء” (آل عمران 38). 4. وفي توجه موسى وهارون علیهما‌ السلام إلى الله بالدعاء، قال عزّ شأنه: “قالَ قَدْ أُجيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقيما وَ لا تَتَّبِعانِ سَبيلَ الَّذينَ لا يَعْلَمُون‌” (يونس 89). 5. أما بخصوص الحبيب المصطفىصلى‌ الله ‌عليه وآله‌ وسلم فقد أعطي رتبة في أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى ألا وهو الدعاء، فقد قلده القرآن رتبة (داعي الله) وميزه بالعبودية لله عز وجل. فقال تعالى: “وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا” (الجن 19). وقال عز وجل: “يا قَوْمَنا أَجيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَ آمِنُوا بِهِ‌” (الأحقاف 31). وقوله تعالى: “وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْض‌” (الأحقاف 32). وقوله جل شأنه: “يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذيراً * وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنيراً” (الأحزاب 45-46). هذه الآيات وإن كانت تدل على الدعوة إلى الله عز وجل إلا أن لفظة (داعي الله) لتدل أيضاً على أن النبي الأعظم صلى‌ الله ‌عليه وآله‌ وسلم كثير الدعاء. أما بخصوص عترة النبي الأكرم صلى‌ الله ‌عليه وآله‌ وسلم فقد جاء في صفات علي أمير المؤمنين عليه السلام ما أخرجه العاملي رحمه‌ الله عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً دعّاءً).
رابعاً: مدلول جزائي أخروي: دلّت بعض الآيات على أن الدعاء في الآخرة، هو رتبة جزائية ينالها المؤمن في الجنة. ولأنه كان ينال من الحلاوة في مناجاة الله في الدنيا ما لم يكن ليستغني عنها في الآخرة. أو بمعنى آخر: قد أيقن أن الدعاء أفضل ما يتقرب به المؤمن إلى الله عز وجل في الدنيا والآخرة لأن النعيم كل النعيم هو القرب من الله وإحراز رضوانه. ولذا: عبّر القرآن عنه بما هو أكبر من نعيم الجنة، فقال عز وجل: “وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ” (التوبة 72). فكانت بعض الآيات تحمل مدلولاً جزائياً ورتبياً في الجنة للدعاء. 1.    قال تعالى: “إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْديهِمْ رَبُّهُمْ بِإيمانِهِمْ تَجْري مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ في‌ جَنَّاتِ النَّعيمِ” (يونس 9) “دَعْواهُمْ فيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ” (يونس 10). خامساً: مدلول سايكولوجي: يختلف الإنسان في التكوين النفسي عن جميع المخلوقات، فهو أضعف من جميع الكائنات في مراحل نموه ولاسيما مرحلة ما بعد الولادة، ولأن هذه الفترة طويلة فقد نشأت هذه النفس الإنسانية على الغيريّة والافتقار الشديد إلى وجود غيره حتى في أعلى مراحل النمو والتكامل، إلا وهي مرحلة الشباب والفتوة. ولذا، تندفع النفس إلى البحث عن من يسد لها هذا الافتقار لأنها نشأت على ذلك. ولقد بين القرآن الكريم هذه النشأة التكوينية للنفس من خلال بعض الآيات، فكانت مدلولاتها النفسية تشير إلى أن الغيريّة قد أصبحت صفة ملازمة للنفس الإنسانية. إلاّ أن الفارق بين هذه التكوينات النفسية، هو أن النفس المؤمنة بالله عز وجل تفي لبارئها الذي أمدها بالعون، والغنى، والمدد الذي لا ينتهي، ولا ينقطع، ولا ينفد، بالشكر والحمد، وأن النفس الكافرة لتجحد النعمة وتنكر فضل المنعم عزّ شأنه. 1. قال تعالى: “وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى‌ ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ” (يونس 12). 2. وقوله عزّ شأنه: “وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى‌ بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَريض‌” (فصلت 51). وهنا، تدلل هذه الآيات على صفة (الغيريّة) في تحصيل الخير أو في دفع الضُر، وتدلل أيضا على أن الدعاء له ملازمة فطرية مع الإنسان تدفعه إلى التوبة إلى الله تعالى في جلب منفعة أو دفع مضرة، في حين تبقى مسألة الاعتقاد بالله عز وجل مكنونةً لحين تحقق المطلب، فإذا ما حصل المراد تميزت النفوس في مستوى إيمانها بالله عزّ وجل. إذن، من خلال هذه المدلولات التي ذكرت آنفاً ظهر لنا المراد من الدعاء، ولعلّ التتبع الدقيق لآيات القرآن الكريم سيظهر لنا مدلولات عديدة للدعاء وحينها سيخرج الكتاب من الغرض المقصود في كتابته ألا وهو الوقوف عند مضامين دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء.
وعن دعاء الامام الحسين عليه السلام وخصوصية المكان والزمان يقول السيد نبيل الحسني: من الحقائق التي تحدث عنها القرآن الكريم هي امتياز بعض الأزمنة والأمكنة بخصوصيات متعددة منها الشرافة، ومنها الشعيرة، أي العلامة ومنها الاستجابة، ومنها ما اكتسبت خصوصيتها لحدث ما، إما زماناً وإما مكاناً. فمكة المكرمة أعزّها الله لها خصوصيات متعددة منها مكانية ومنها زمانية. فأما خصوصيتها المكانية فهي: 1. أول بيت وضع للناس، قال تعالى: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً‌” (آل عمران 96). 2. وفيها البيت الحرام الذي جعله الله للناس قياماً، قال عز شأنه: “جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ‌” (المائدة 97). 3 ــ وهي فضلاً عمّا خصت به من وجود البيت الحرام الذي بناه إبراهيم الخليل وولده إسماعيل علیهما‌ السلام وهو قوله تعالى: “وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعيلُ” (البقرة 127). فهي أيضاً موطن سيد الخلق صلى‌ الله ‌عليه وآله‌ وسلم ومسقط رأسه، ومحل بعثه، فهذه بعض خصوصيتها المكانية. أما خصوصيتها الزمانية فهي: 1. الموضع الذي يتوجه إليه المسلم في اليوم خمس مرات بأوقات زمنية محددة للصلاة. 2. والموضع الذي تشد إليه الرحال زماناً لتأدية فريضة الحج التي تحن إليها النفوس، وتشتاق إليها القلوب وفيها تشترك خصوصية الزمان وخصوصية المكان لأنها محل البيت وجبل عرفة والمزدلفة، وغيرها من المواطن التي تؤدى فيها المناسك بأوقات محددة. ومن الأمكنة الأخرى التي نالت الخصوصية المكانية هي أرض طوى وهي حقيقة يعرضها القرآن في بيانه لسيرة نبي الله موسى عليه السلام. قال تعالى: “إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً” (طه 12). وقال عز وجل: “فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى‌ صَعِقا” (الأعراف 143). فهذه الأمكنة التي اكتسبت خصوصيات ارتبطت بالسماء هي مما لا شك فيه تمتلك تناغماً منسجماً مع الدعاء وآلية توظيفه لما يحتاج إليه الإنسان في حياته الدنيوية والأخروية.

اترك تعليقاً