السيمر / فيينا / الاثنين 08 . 06 . 2020
د. لبيب قمحاوي / الاردن
يتأرجح شعور الأردنيين بين الفخر والتفاخر بإنجاز الدولة الأردنية في مجابهة وباء الكورونا ، و بين التخوف والخشية من إساءة إستعمال ذلك الانجاز ووسائله المستندة إلى أوامر الدفاع لتعزيز سطوة الدولة على مواطنيها في الحقبة المقبلة من خلال تكريس وضعا ًعاما ًيعود بالأردن الى حقبة الاحكام العرفية وغياب الحريات . ومن هنا يشعر الكثير من الأردنيين بأن وقف العمل بأوامر الدفاع والعودة الى الاطار الدستوري في عمل الحكومة هو أولوية قصوى خصوصاً في ظل الانحسار الواضح لخطر وباء الكورونا على المجتمع .
ان الشكر والتقديرلجهود الدولة في التصدي لوباء الكورونا لا يعني ولا يجب أن يعني حتمية الخضوع لإرادة الدولة في كافة المجالات . فالخطر الأكبر المحتمل يتمثل في امكانية أن تصبح الدولة العرفية هي الوريث الوحيد لدولة ما قبل الكورونا . المنطق يفترض أن الدولة قد فعلت ما يتوجب عليها فعله ، والانجاز كان أساسه التحوط المبكر وسرعة ودقة وحسن التنفيذ ، والكفاءة ووضوح الرؤيا والمسار أمام الدولة ، وليس جبروت الدولة وقبضتها الحديدية كما يدعي البعض .
الآن وقد قلنا ما لنا وما علينا في هذا الخصوص ، على الجميع التفكير بهدوء وبإدراك أوًلي هام بأن العالم لن يعود كما كان عليه الحال قبل هذا الوباء . والتغيير قد يأتي نحو الأفضل في بعض المجالات ونحو الأسوأ في مجالات اخرى ، ومن سمات هذا التغيير أنه سيأتي على شكل تحديات بعضها مقدور عليه ، ولكن أغلبها سيكون جامحاً وقاسياً في آثاره وتبعاته ، التغيير قادم لا محال و هو المؤشر العام للحقبة المقبلة .
يجابه الأردن الآن ثلاث تحديات هامة وخطيرة :-
1- التحدي الأول يتمثل في إستمرار القدرة على الابحار بسلام في بحر وباء الكورونا العاصف وفي إستمرار السيطرة على انتشاره ، مع العمل في الوقت نفسه على إعادة الحياة الى مجراها الطبيعي ما أمكن ، ودون اللجوء الى قرارات عشوائية أو اجراآت استبدادية دون داعٍ .
2- التحدي الثاني هو التحدي الوجودي المتمثل بنوايا إسرائيل ، و بدعم أمريكي كامل ، على ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وتهديد سلامة الأردن ومصالحه الحيوية ، ناهيك عن كونه يشكل اعتداء سافراً على حقوق الفلسطينين وعلى القانون الدولي . ويعتبر هذا التحدي هو التحدي الخارجي الأكبر والأخطر على مستقبل الأردن وعلى الحقوق الفلسطينية . ومع الاقرار بأن ضم الأراضي لن يغيرَّ من واقع المناطق المحتلة شيئاً ، إلا أنه مع ذلك يؤشر على قدرة اسرائيل ومن ورائها أمريكا على تحًدي القانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي في رفض الاحتلال وضم الأراضي ، وفي الإستهتار بكافة الاتفاقيات التي وقعتها اسرائيل مع بعض العرب ، والالتزامات التي قدمتها في حينه بموجب تلك الاتفاقيات . ولعل في ذلك درساً لكل من يدعو إلى السلام مع إسرائيل ، العدو الحقيقي والأهم للأمة العربية .
3- التحدي الثالث يتمثل في القدرة على تجاوز آثار النكبة الاقتصادية الجديدة التي نتجت عن حقبة الإغلاق التي رافقت وباء الكورونا وما تلاها ونتج عنها .
بدون الاجحاف بأهمية كل التحديات أعلاه فإن التحدي الاقتصادي يحظى بأولوية وأهمية عاجلة نظراً للآثار الفوريه لهذا التحدي على معيشة المواطنين وقدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم الحياتية من مسكن ومأكل وعلاج وتعليم وخدمات….الخ . السؤال يتمحور حول إذا ما كان من الممكن إنقاذ الاقتصاد الأردني وبالتالي الأردنيين من هذا الوباء الاقتصادي الذي سوف يعصف بالأردن في الحقبة المنظورة أم لا ؟؟
لقد فشلت الحكومة الأردنية اقتصاديا ً في الوقت الذي نجحت فيه الدولة الأردنيه صحيا ً في التصدي لوباء الكورونا ، والمسافة بين النجاح والفشل كبيرة ومؤثرة ، ولا يمكن تجاوزها بمحاولة أي حكومة التقاص فيما بين النجاح والفشل من خلال تبريرها للفشل في مجال ما بالنجاح في مجال آخر ، فكلا الموضوعين منفصلين عن بعضهما البعض ، وإن كان كلاهما في نفس أهمية التأثير على حياة المواطنين الأردنيين .
إن افتقار الحكومة الأردنية الملحوظ إلى استراتيجية متكاملة او حتى شبه متكاملة لمعالجة الآثار الأقتصادية السلبية لجائحة الكورونا على الأردنيين ، باستثناء اللجوء الى سياسة الجباية المباشرة وغير المباشرة ، لن يشكل الحل أو حتى المدخل الى الحل ، نظراً لكون معظم الأردنيين قد انتقلوا الآن عملياً الى صفوف العاطلين عن العمل وأصبحوا غير قادرين على الوفاء بمستلزمات الحياة لعائلاتهم ناهيك عن دفع الضرائب المختلفة وهي كثيرة .
إن الافتقار الى خطة إقتصادية أو استراتيجية حكومية لمعالجة التبعات الاقتصادية والاجتماعية للإغلاق والحظر لا يشكل عذراً لممارسة المزيد من الضغوط على القطاعات الاقتصادية المنتجة لتسديد الاستحقاقات الناتجة عن ذلك الاغلاق والحظر نيابة عن الدولة . كما أن محاولة تحميل القطاع الخاص الأردني مسؤولية قصور الحكومة وعجزها لن يحل المشكلة ، بل قد يؤجلها في أحسن الأحوال ويفاقمها بالنتيجة الى حد إفلاس ذلك القطاع في المدى النهائي .
رجوع الدولة عن سياسة محاباة الحيتان ، كبديل لمحاربة الفساد الكبير القديم هو أيضاً سياسة رد الفعل وليس الفعل . الدولة الأردنية إنهزمت أمام الفساد القديم نظراً لإرتباط ذلك الفساد بأشخاص نافذين جداً أوجهات نافذة ذات سطوة مما شل قدرة الدولة على محاكمة ذلك الفساد القديم وتحصيل مئات ملايين الدنانير لصالح خزينة الدولة ، ومازال الحال على ما هو عليه . أما الفساد الجديد وهو المتعلق إما بالتهرب الضريبي المقدر بمئات الملايين ، أو بالحصول على عطاآت أوصفقات من الدولة دون وجه حق ، أو كليهما أو أكثر فهو أمر محمود ومطلوب ، ولكن وفي ظل غياب الشفافية واستمرار حالة عدم الثقة بين الدولة والمواطن ، مازال العديد من الأردنيين يتسائلون عن مصير الأموال التي سيتم تحصيلها فيما لو تم ذلك . المطلوب بكل بساطة مزيداً من الشفافية حتى يطمئن الأردنيون الى أن أموالهم مصانة من الفساد والسرقة والعبث والتفريط كشرط أساسي قبل اللجوء مجدداً الى نهج الجباية من شعب يقف الآن بجدارة على حافة الجوع .
الأردن ليس دولة عظمى أو حتى دولة متوسطة . الأردن دولة صغيرة وفقيرة في مواردها وثرواتها الطبيعية ، ومع ذلك فإنها قد تُجاِبه نفس التحديات التي تجابهها الدول ذات الامكانات الكبيرة أو المصنفة كدول كبرى . وهذا الوضع يتطلب من الدولة الأردنية التفكير بنهج اقتصادي جديد يقوم على مجموعة من الأسس الواضحة منها :-
أولا : توفر قواعد اقتصادية واضحة وشفافة تستند الى تنشيط دورالدولة في الدفع ببرنامج من الاستثمارات الرأسمالية لتعويض الهدر الذي نتج عن برنامج الخصخة المتسرِّع والذي أدى إلى فقدان الشعب الأردني لإستثماراته التي إمتدت على مدى عقود من الزمن .
ثانياً : تعزير الدور الاجتماعي للدولة ودورها في حماية المواطن من جشع بعض التجار واعتبار ذلك من مسؤولية الدولة ، مما يستوجب العمل على اعادة إحياء دور وزارة التموين والرقابة اليومية على أسعار التجزئة .
ثالثاً : خلق حوافز لتعزيز وتشجيع الاستثمار المحلي والاجنبي وبما يساهم بالنتيجة في تعزيز موارد الدولة .
رابعاً : الابتعاد عن نهج الجباية والاستدانة الخارجية والداخلية كحلول سريعة لأزمة السيولة وتعزيز موارد الدولة .
خامساً : الشفافية ووقف الهدر وترشيق القطاع العام وتوجيه التوظيف والعمالة نحو الاستثمارات الجديدة المنتجة .
سادساً : تعزيز سطوة القانون والضرب بيد من حديد على الفساد بأشكاله المختلفة .
سابعاً : استقرار التشريعات الاقتصادية والمالية وبما يساهم في تشجيع البيئة الاستثمارية واستقرارها .
إن العودة إلي الكلام الفارغ وأحاديث الصالونات السياسية مثل حل مجلس النواب أو التمديد له ، أو حل الحكومة أو تعديلها كمدخل او مؤشر على الحلول المنشودة لن يؤدي الى شئ ولن يؤثر على قدرات الأردن في التصدي للتحديات القادمة . المشكلة لاتكمن في تغيير الوجوه أوالسعي الى ذلك ، ولكن الأساس يكمن في تغيير الجوهر والسياسات .
الوقت لم يفت بعد ، وما زال من الممكن إنقاذ البلد من التحديات القادمة أو من بعضها فيما لو توفرت النية الصادقة والارادة والعزيمة .
*مفكر عربي
07 . 06 . 2020