السيمر / فيينا / الاثنين 15 . 06 . 2020
سليم الحسني
أنت تعرف أنهم يفعلون ما تريد، لا تحتاج الى كلام أو إشارة، لقد تعلّموا قراءة مشاعرك، أتقنوها حدّ الخرافة، إنهم يعرفون المقاصد المكتومة في صدرك، ويتلقون الأوامر الصامتة، باستجابة المأجور المحترف فيتصرفون من دون أن يأخذوا منك الرأي في الخطوة الخطرة.
مَن علّمك هذا الفنّ؟
هذا سؤال لا يطرحه إلا البسيط، أعترفُ بذلك، فأنت من الذين يصنعون القوة الخارقة، يستنّزلونها من السماء العاشرة، يستخرجونها من عاشر أرض، فيحرّكون اتباعهم بالصمت المطبق، بالرغبة الدفينة، بالفكرة المنزوية في الرأس.
يا ذبّاح المعترضين بالقطنة الناعمة، أنت أقوى الرجال، وأشد الجبال وأعمق الأغوار وأوسع الآفاق.. أنت القاهر فوق أتباعك، فلقد سرقت الختم بمهارة قِط، دسسته بجيبك بخفة ساحر، فدان لتوقيعك ناس في الشرق وفي الغرب.
أيغيظك سطر باهت اللون؟
أتغضبك كلمات رجل ضعيف الأنفاس؟
أتزعجك خطوة تستند على عصا الكهولة؟
أنت أقوى وأقوى. على يديك تجري الأرزاق، وبالختم المسروق تتحدد المصائر، وبخطوة منك تهتز البلاد ومن عليها، فبينك وبين ما وراء البحار هدهدُ سليمان.
كنْ كما أنت لا تلتفت لهمسة محزون صرعه الزمن، أنت قتّال الأمنيات ذوات الألسن، وفتّاك الناجين من جبروت الصنم، ومخلّص الخرافة من النور.
أنت تمشي على كرامة المعتاشين، ينثرونها طوعاً تحت قدميك، فما أسخاهم في نثر الكرامة، لقد أدبتهم كما تريد فأحسنت تأديبهم.
ما أعظم شأنك حين تنحني بين يديك رقاب المتنمرين على العباد، وتَخْرَسُ بحضرتك ألسنة الجند الحداد.
خذها موروثة، وشيّد عليها مجدك، وتحكّم بـ (آكلي الجراد)، إنهم أغبياء بسطاء فقراء، أطعمهم الخرافة فيشبعون، وأخطب بلسانَيك فيصدّقون، فلك المجد والعلى تستحقه كاملاً لا ينقص منه مثقال ذرة.
بيدك أسباب الوصول اليها، بل هي تأتيك طائعة، لقد صنعتَ أتباعك بمهارة النحّات فتكاثروا، وأذللتَ الكبار فتصاغروا، لو طلبتَ منهم المشي على أربع لزحفوا كالسحالي، ولو أمرتهم صيام العيد لصاموه بلا سحور. فَوَرَبك لقد جعلوك رباً، وانتحلوك نبياً، واتبعوك إماماً، حتى رحتَ تستزيد، ولك الحق، فمن يشبع من هذه، وهو يرى الرقاب لينة مطواعة؟، ومَن يزهد بها وبيده المحراب والصولجان؟.
خدمتَ صاحبك خدمة العمر، وبها خدمتَ نفسك. فهذا القادم من بلاد السند، كان سوطك ورأس الفتنة التي اشعلتها قبل عقود. لقد كنتَ معه كريماً وفيّاً، أنقذته من استجواب البرلمان أكثر من مرة، وخلعتَ عليه بردة البراءة المغشوشة، وختمتَ له صك الغفران.
ما فعلته لصاحبك ستجعله سُنة متداولة، وستكررها أنت مع صاحبيك وخطيبيك. لقد اشعلتَ فيهما ناراً للشهوة متقدة، ضاعفتْ ما كانا عليه من شهوة السرقة والاحتيال، فهما الآن في مأمن من غدهما طالما الختم معك.
خذْ من الدنيا سلطانها، لا أحد يعارضك ولا مخلوق يعترض طريقك. بيدك صارتْ القداسة خاتماً، فادمغ به الصفحة السوداء تنقلب بيضاء ناصعة، ومرره على الفاسد يصبح شريفاً عفيفاً، فأنت الذي تخط بالقلم درب العباد والبلاد.
يا صاحب الجلالتين لقد اُتيتَ حظاً عظيماً، فأمسكْ الختم مسكة القابض على روحه، فما سبقك لمثلها أحد، أنت الوارث قبل تقسيم المواريث، وأنت الفائز بالشورى قبل انعقادها.
خذْ صولجانك بقوة، لن ينافسك عليه أحد، ومَن ذا الذي ينافسك، وعندك هدهد سليمان رسول أمين؟، وعندك عفريت من الجن يأتي بما وراء البحار قبل أن تقوم من مقامك هذا؟.
لا تغضبْ، هي همسة محزون صرعه الزمن، ونفثة مرهق رخو الخطوات، عصاه قصبة لن تعينه طويلاً.
١٤ حزيران ٢٠٢٠
الجريدة غير مسؤولة عن كل ماورد من آراء بهذه المقالة