السيمر / فيينا / السبت 08 . 08 . 2020
د . ماجد احمد الزاملي
لقد قامت الأنظمة السياسية العربية على أساس تعسفي، وهي تمارس العنف في السياسة والاجتماع، وهي تفتقد الشرعية التاريخية، وشرعية الإنجاز، ولا يبرر وجودها سوى تأمين مصالح أصحاب السلطة وشركائها المنتفعين بها، وكانت محاولات إصلاح الأنظمة السياسية العربية بشرعية قائمة على الانقلابات العسكرية والثورات مزيدا من السقوط في الاستبداد والتخلف السياسي والتنموي، ومن ثم فإن التفكير في العنف لتغيير الوضع القائم هو تفكير يجب استبعاده للخروج بالاستفادة من تجربة حقبة الانقلابات والثورات وويلاتها التي جَرّتها على الوطن العربي ، فقد عجزت جميع الفئات المتصارعة عن حسم الموقف، وانتهى الحال إلى كارثة تعصف بالأوطان والناس والموارد والمستقبل والتاريخ. جوهر الشرعية لا يمكن فرضه بالسطوة والرهبة حتى لو تحججنا بالقوانين المكتوبة وبالدساتير ، ومن هذا المنطلق فإن الأنظمة غير الشرعية ، أو التي انتفت شرعيتها نتيجة لممارسات غير قانونية تسارع عادة إلي تعليق الدساتير وتلجأ إلي العمل بالأحكام العرفية ، وهو اعتراف صريح من جانب هذه الأنظمة بأن قانونيتها مع ما هي عليه من شكلية لم تعد مبررا كافيا لممارسة السلطة. كما لم يعد مبررا أن يتم في إطار ممارسة السلطة أن يبقى مبدأ تفضيل الموالين للنظام الحاكم في مواجهة الإصلاحيين وأهل الخبرة هو الأساس الذي يتم وفقا له ممارسة السلطة وتكريسها لصالح فرد ما أو نخبة ما، وفي مقابل ذلك يكون لهؤلاء مصلحة في بقاء واستمرار الطغمة الحاكمة رغم انتفاء الشرعية عنها، وهو ما يدفعهم إلي المشاركة و الدفاع عن سياسات وممارسات الترهيب وقمع الجماهير ، كما أنها تتولى الترويج لمنجزات النظام الحاكم وافتعال الأزمات الداخلية والخارجية لتبرير التقاعس والفشل، بمعني أنهم يقومون بالدور الأساسي في تبرير وفرض وسائل شرعيتها من خلال مؤسسات الدولة المتعددة كأجهزة الإعلام والأمن وغيرها.
النظام السياسي أياً كانت صفته،فشرعيته ظاهرة نسبية، لأن ما هو شرعي بالنسبة لبعض الأفراد والجماعات قد يكون غير شرعي بالنسبة لأفراد وجماعات أخرى، ولم يحدث أن تحقق إجماع عام على شرعية نظام ما، في أي زمان ومكان، بيد أن هذا لا يعني أن تلجأ السلطة إلى استخدام وسائل القوة والإكراه التي تحت تصرفها في تعاملها مع الجزء الذي ينكر عليها صفة الشرعية، مهما كانت اتجاهاته الأيديولوجية والسياسية، وإنما يعني أن النظام السياسي يمكنه الحكم والحفاظ على توازناته بقدر اتساع قاعدته الشعبية. و”الشرعية السياسية”تشير إلى رضا الشعب عن النظام السياسي وقبوله مختلف مؤسساته وخياراته…، إذ بدون ذلك لن تكون السلطة السياسية سوى عنفا وتسلطا أو قوة تفتقد إلى الشروط الضرورية التي تمنحها حق تنظيم المجتمع وضبط العلاقات داخله وتدبير شؤونه… ولا يكون هذا الرضا مطلقا، إذ لا يمكن قول إنه موجود أو غير موجود، حيث يمثل درجة أو نقطة على خط متصل تعكس تطور النظام السياسي في لحظة من لحظات تطوره. ويمكن تكميم هذه النقطة أو الدرجة عبر التعبير عنها بالأرقام من خلال استعمال الاستبيان لقياس الرأي العام أو تقصي تصوراته ومواقفه لمعرفة مدى قبولها شرعية النظام السياسي في زمان ومكان معينين. ويعني ذلك أن قوة النظام السياسي تكون على الدوام في حاجة لرضا الشعب وقبوله لتتمكن من التحول إلى “سلطة سياسية”، إذ لا توجد سلطة شرعية في العالم بدون درجة معينة من الرضا الشعبي لأنه يسوغها ويشكل غطاء لها… وهكذا، فأساس الشرعية السياسية يكمن في رضا الشعب بمختلف شرائحه عن النظام السياسي القائم.
وأعتقد إن الأمر المهم في الدولة ما يقال بالدولة الحديثة يجب أن نطلق عليها بأنها الدولة الفاعلة العادلة، ذلك أن الدولة القومية ونشأة الدولة القومية في العالم العربي المعاصر كانت أيضاً نشأه مشوهة ، هذه النشأة المشوهة للدولة التي نشأت في العالم العربي لا تقل عدم شرعية عن تلك الدول الاستبدادية بل أنها كانت محط لدول استبدادية من بعد ذلك، وتشكلت هذه الدول بشكلٍ أدى إلى حكم الشعوب ضمن هذا النطاق والمسار الاستبدادي، لا يمكن بأي حال أن نقول أن الدولة الحديثة والدولة المعاصرة ليس معناها فقط أنها هي تلك الدولة التي نشأت مع عهد الدولة القومية، أتحدث عن فيما يتعلق بالدول العربية بوجه عام، والدول العربية كما قلت أن الشرعية في هذا الإطار الشرعية تزيد وتنقص بالنسبة للنظم وأن النظم تحاول ما يمكن تسميته باكتساب شرعية مضافة بالنسبة لها وذلك من خلال العناصر الثلاث، التزامها بالمرجعية الأصلية التي تعود إلى قواعد النظام العام والتزامها بأصول العدل والحرية وحقوق الإنسان والتزامها بالفاعلية والإنجاز الحقيقي بالنسبة لكافة فئات الشعب على تنوعه من دون تمييز وفي إطارٍ من المساواة ، الأمر المهم الذي يتعلق بشرعية النظم العربية يتعلق بقدرة الدولة على القيام بوظائفها بفاعلية، لماذا تنتمي هذه الدول ومعظم هذه الدول العربية إلى ما يسمى بمجموعة الدول الفاشلة، هذه قضية شديدة الخطورة لأنها فشلت في تحقيق ذلك العدل الاجتماعي كما فشلت في إطار ما يمكن تحقيقه بالفاعلية السياسية والفاعلية التنموية من جانب آخر، إذن نحن أمام معايير حقيقية يمكن الاحتكام إليها، حينما نؤكد على شرعية هذه النظم ، و هي تزيد وتنقص وعلى هذه القيادات العربية أن تقوم باكتساب مزيدٍ من الشرعية وتتجه إلى الحركة التي تتعلق بالإصلاح الحقيقي وليس الفساد، وربما هذا يعود إلى تعريف السياسة حينما كان يقول ابن عقيل في هذا الإطار فيما نقلة ابن القيم في كتابة إعلام الموقعين ” أن السياسة ما كانت معه الأمور أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد” كأن السياسة في هذا الإطار هي إصلاحٌ وصلاحٌ وصلاحية وأيضاً هي بعيدة عن كل فسادٍ وإفساد. تعترض النظم السياسية على العموم العديد من المشاكل التي تحول دون تحقيق أمن واستقرار أنظمتها، وتواجه الأنظمة السياسية العربية جملة من الأزمات التي تشكل تحديات أمام استمرار واستقرار نظامها السياسي، حيث شهدت الأنظمة السياسية العربية العديد من الأزمات متعددة الأبعاد والزوايا كالأزمات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية ، ومن بين أهم وابرز الأزمات السياسية التي تعترض سير النظام السياسي هي أزمة الشرعية التي تعتبر مشكلة الحكم المركزية في الأنظمة السياسية العربية، وترجع أسبابها إلى ضعف العلاقة بين المجتمع والنظام السياسي القائم وهذا الأخير والمجتمع المدني، وما يترتب عنه طغيان السلطة ونظامها، وتغلغلها في ممارسة القهر والعنف حفاظا على بقاءها في الحكم، وكذلك المصادر التي تستمد منها السلطة شرعيتها في الأنظمة السياسية العربية، إذ هي مصادر تقليدية لا تعكس حقيقة الدولة الديمقراطية التي تبنى على أسس قانونية دستورية، هكذا تبدو الأزمة السياسية التي تمر بها أنظمة الحكم العربية أزمة شرعية متعددة الأوجه والمسارات، تتشابه في نوع المشكلة نتيجة التقارب في بنية أنظمة الحكم، وتختلف في درجات حدتها وتبلورها بسبب الاختلاف في طبيعة المجتمعات ومستوى رسوخ الدولة وتمايزها عن النظام السياسي الحاكم ، و لإعطاء إطار نظري لكل من مفهوم الشرعية السياسية وإسقاطها على واقع النظم السياسية العربية بحثا عن مخرج لهذه الأزمة وفق ما يتماشى وخصوصية المنطقة العربية. الشرعية الحقيقية القائمة على اتفاق تعاقدي واضح بين الحاكم والمحكوم، تتحدد من خلاله طبيعة العلاقة بينهما على جميع مستوياتها، هي التي تدفع المواطنين، مهما اختلفت توجهاتهم ومصالحهم، إلى طرح مرجعياتهم الخاصة جانباً، وتكييف ميولهم وفقاً للمصلحة العامة دون أن يجدوا غضاضة في ذلك، في حين يؤدي غيابها إلى بروز التوترات الاجتماعية والصراعات السياسية.