السيمر / فيينا / الثلاثاء 11 . 08 . 2020
سليم الحسني
يقف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في منطقة حساسة بين إيران وأمريكا، فلقد تولى رئاسة الحكومة في وقت وصلت فيه الدولة الى حافة الانهيار، وتدلت بعض أطرافها في المنحدر. بينما وصل العداء الإيراني ـ الأمريكي الى مدياته العالية خصوصاً بعد عملية المطار واغتيال القائدين الشهيدين.
لقد انتهت احتمالات التفاهم الإيراني الأمريكي حول العراق، وأصبح هذا البلد الذي عاداه الحظ منذ زمن بعيد، ساحة الحرب بين الطرفين. لكن كل طرف ينظر اليه بطريقة مختلفة عن الآخر.
أمريكا تريد العراق لكي تضرب إيران. وإيران تريد العراق لتحمي نفسها من أمريكا. وليس بمقدور العراق أن يكون محايداً ولا حتى وسيطاً بينهما. فهذا الكلام الذي دار على ألسنة رؤساء الحكومات السابقة، وتكرر كثيراً في اللقاءات والتصريحات الدبلوماسية، لا مكان له في معادلة الصراع الإيراني ـ الأمريكي، فهي تقوم على قاعدة: حرب على أرض أخرى.
في هذا الوضع المعقد لا يجد الكاظمي سوى بضعة أقدام يتحرك عليها، وما بعدها يكون الخطر. في هذه المساحة الحرجة ليس بمقدوره أن يعتمد الدبلوماسية والتمييع وكسب الوقت، فالقضية لا تتحمل التأجيل والمراوغة. وأقصد بذلك الموقف من الحشد الشعبي.
سيكون خطأ فادحاً لو تعامل قادة الحشد مع رئيس الوزراء على أنه يريد إضعاف الحشد، لأن معنى ذلك أنهم سيصنعون خصماً ويفرضون عليه أن يدخل في الجبهة المضادة.
وسيكون خطأ فادحاً لو تعامل الكاظمي على أن الحشد يتمردون على صلاحياته، لأن معنى ذلك أنه سيضع بيد بعض الكتل السياسية سلاحاً ضد الحشد، وسينجم عن ذلك أزمة كبيرة تصبح فيها الحكومة في مواجهة تجمع برلماني مضاد.
إن النقطة الجوهرية بين قيادات الحشد وبين رئيس الوزراء، هي في نظرة كل طرف منهما الى الآخر. فقادة الفصائل ينظرون الى شخصيته الليبرالية القريبة من أمريكا ويبنون تقييمهم على هذا الأساس. ولأن أمريكا عدوة لا يؤمن شرّها، فالكاظمي يصبح موضع شك وريبة بنظرهم.
في المقابل ينظر الكاظمي الى قادة الحشد على أنهم موظفون تابعون للحكومة ولموقعه كقائد عام للقوات المسلحة، وعليه يجب أن يمارس دوره في تنظيم الحشد وإدارته وهيكليته.
من الصعب في ظل هذه المواقف المسبقة، أن يتفهم قادة الحشد أن الكاظمي شخصية إدارية وليست سياسية. ومن الصعب على الكاظمي أن يتنازل عن توجهاته الإدارية ويفكر بطريقة الحشد الثورية.
هذه هي جوهر المشكلة بين الطرفين، وهي مشكلة من النوع الذي يتحمل التفسيرات والشكوك والاتهامات، نتيجة الفارق الكبير في توجهات الطرفين، إنه الفارق بين الإدارة والسياسة.
بقاء المشكلة سينتهي حتماً الى مواجهة بين رئيس الوزراء وبين قادة الحشد. ولعل حادثة الخميس (البو عيثة) تعطي تصوراً واقعياً عن احتمالات تكررها بصيغ أخرى ولأسباب أخرى وقد تكون بتداعيات غير متوقعة.
لعل الحل الأقرب الى الواقعية في هذه الأجواء الحساسة، أن تمنح فصائل الحشد، القيادة الرسمية لرئيس هيئة الحشد، فهي بذلك ستحفظ الفصائل وستحفظ مؤسسة الحشد بكاملها، وستجعل رئيس الوزراء أمام جهة محددة في التنسيق والتفاهم والقرارات.
٨ أغسطس ٢٠٢٠