السيمر / فيينا / الاحد 30 . 08 . 2020
سليم الحسني
خلال الأيام الماضية تلقيتُ رسائل كثيرة يطلبُ أصحابها الكرام، الحديث عن الأوضاع المتدهورة في محافظات الجنوب، والسبب غير المفهوم لسكوت المرجعية العليا وعدم اتخاذها خطوة في هذا الاتجاه.
الأمر فعلاً يبعث على الريبة. فقد عُرف عن مراجع الدين حرصهم الشديد على الأمن وسلامة الناس. وكانوا يبادرون الى إيفاد أبنائهم وممثليهم الى مناطق العشائر لحل الخلافات وانهاء الاقتتال بسرعة.
اعتاد مراجع الشيعة كتابة رسائلهم الى شيوخ العشائر يأمرون فيها بانهاء الخلافات وإلقاء السلاح. وأحياناً يصدرون بياناتهم العامة يؤكدون فيها حرمة الدم ويدعون الشيوخ الى المصالحة وفض الاشتباك.
مع أحداث البصرة والناصرية وغيرهما، لم نرّ وفداً من مكتب المرجعية توجّه الى الجنوب. لم نسمع نداءً يدعو الى التهدئة. لم نقرأ رسالة ولا بياناً ولا توجيهاً من المرجع الأعلى السيد السيستاني أو مكتبه او ممثليه يدين ما يجري أو يدعو الى حل، مع أن الأحداث تسير نحو مزيد من التدهور، وتنذر باقتتال شيعي ـ شيعي لا يمكن السيطرة عليه فيما لو اندلع.
مثل هذا الصمت يحفر على جدران المكتب العديد من التساؤلات، عن سبب الإهمال المبالغ فيه لأوضاع الشيعة في جنوب العراق، وفي أخطر جانب منه وهو الأمن الأهلي.
سيتبرع البعض للتبرير فيقول:
وماذا يفعل السيد السيستاني؟ وهل تسمع الأحزاب السياسية كلامه؟ وأن هذه مسؤولية الحكومة وليس المرجعية.
لكن هذه التبريرات وغيرها، لا يمكن أن تصنع قناعة ولو بمستوى بسيط. بل هي مرفوضة، لأنها تتعامل مع المرجعية الشيعية على أنها كيان عاجز معزول، لا أثر له ولا دور ولا اهتمام بشؤون الشيعة.
إن هذه التبريرات وغيرها، تقلل من مكانة المرجعية ومن منزلة المرجع، وهذا أمر مرفوض بشدة. لأن مراجع الشيعة هم القوة الأكبر تأثيراً، وهم أصحاب الفعل المحرّك للأحداث، وعندما يصبح المرجع عاجزاً عن التأثير وصناعة الحدث ـ كما يرى هؤلاء ـ فانه يفقد أهليته لهذا الموقع. فالأمة لا تريد التقديس الرمزي، إنما القداسة هي من أجل الأمة وخدمتها وتحقيق تطلعاتها المشروعة.
ما يحدث من فتنة في الجنوب مسؤولية مراجع الدين وعلمائه. وفساد الأحزاب وضعف الحكومة لن يكون مبرراً للصمت وانتظار وقوع الكارثة. بل أن هذا الخلل المفضوح عن الأحزاب والحكومة، هو بحد ذاته يفتح المجال واسعاً للمرجع بالتدخل مباشرة، واستخدام نفوذه في الأمة التي يئستْ من الأحزاب الفاسدة والحكومة الضعيفة، ولم يبق لها ملجأ إلا المرجعية.
لقد شاهد الجميع أن خطب الجمعة منذ شهر تشرين وما بعده، كانت نشطة في تشجيع المتظاهرين على الاستمرار. ورأى الجميع أن شاحنات الطعام والمساعدات تصل الى ساحات التظاهرات من العتبات المقدسة، في دعم واضح للشباب المقيم في خيم الاحتجاج. وقد استمر الدعم حتى بعد أن تكشفت الارتباطات والعلاقات بين قسم من قادة التظاهرات وبين سفارات أمريكا والسعودية والامارات.
إن استعراض الأحداث، يعطينا قناعة عن وجود مقاييس خاصة متعددة الأغراض، تصدر من مكتب السيد السيستاني. فمرة تكون حماسية تشجّع على التظاهر والبقاء في الشوارع، ومرة تكون جامدة لا يتحرك فيها اللسان بكلمة، ولا اليد باشارة لتهدئة فتنة مسلحة تكبر وتشتد وتتسع.
من الصعب التسليم بأن المرجع الأعلى السيد السيستاني يحيط علماً بما جري، ويسكت على ذلك.
من الصعب جداً إنكار أن أصحاب النفوذ في المكتب لا يغلقون الباب على السيد السيستاني ويمنعون وصول الهمسة اليه، كما يمنعون خروج الكلمة من غرفته.
بقناعة كبيرة أقول: على الباب حارس، والسيد محاصر. وأمريكا فرحة مما يجري.
٣٠ أغسطس ٢٠٢٠