السيمر / السبت 09 . 04 . 2016
رمزي سلمان
في المدتين (2004 إلى 2008) و(2010 إلى 2014) ارتفع إنتاج وأسعار النفط على حد سواء، وقد خالفت زيادة أسعار النفط مبدأ سوق النفط في التوازن بين العرض والطلب، في منتصف عام 2014 تم فقدان زخم الأسعار المتزايد في متابعة تقدمه وبدأت الأسعار بالتراجع والغرق في مستنقع من النفط المكلف والجديد والمفرط في الإنتاج والذي لا يوجد طلب عليه. كان ينبغي أن يكون اضطراب سوق النفط في ذلك الوقت سبباً كبيراً للقلق. ولكن للأسف، قام الجشع لدى البعض بقمع الأصوات التي أثارت ناقوس الخطر والتي حذرت من مخاطر المدى البعيد التي ستسببها مكاسب قصيرة الأمد. أما اليوم، فإن منتجي النفط الذين اعتادوا على فرض الأسعار من خلال مراقبة العرض الآن بإمكانهم فقط إنتاج النفط بأقل من سعر السوق الذي فقدوا سيطرتهم عليه، وستصبح الأوضاع طبيعية فقط إذا عادت المياه إلى مجاريها.
كانت مدة الربع الأخير من عام 2015 مدة انشغال العديد من وزراء النفط في منظمة أوبك وغيرهم من مصدري النفط، وفي السادس عشر من شهر شباط كانت هناك بوادر لتنفس الصعداء حينما أعلن وزراء النفط في روسيا والمملكة العربية السعودية وفنزويلا وقطر أنهم توصلوا إلى اتفاق من حيث المبدأ الالتزام بمخطط يقوم على الحد من زيادة العرض والعودة إلى وضع متوازن من العرض والطلب. وسيتم عرض هذا المخطط على المنتجين الآخرين بما فيهم الإمارات العربية المتحدة في السابع عشر من نيسان في الدوحة.
عبرة من التاريخ
في بداية الثمانينات، عندما ارتفع سعر النفط ليصل إلى أكثر من 34$ للبرميل الواحد، أنتجت الدول المشتركة في منظمة أوبك أكثر من 30 مليون برميل يومياً، وتزامن بدء الإمدادات من بحر الشمال وألاسكا وغيرها من الأحواض النفطية الجديدة مع انتهاء شراء الدول المنظمة في منظمة أوبك للنفط الخام للاحتياطيات الاستراتيجية في وكالة الطاقة الدولية، إذ تم شراء كميات من النفط بحوالي نصف مليون برميل يومياً، التي قدرتها منظمة أوبك بشكل خاطئ، ففي ذلك الوقت كان الطلب متزايداً على الاستهلاك وليس التخزين مما أدى إلى انخفاض الطلب، إلى جانب زيادة العرض من الحقول النفطية الجديدة. كان ذلك بداية أول انهيار كبير في أسعار النفط الذي تعاملت معه منظمة أوبك.
بسبب وفرة مخزون النفط، لم يتمكن أعضاء منظمة أوبك بلوغ الأسعار التي تم أعلانها ولم يكن هناك خيار آخر لدى أوبك سوى اللجوء إلى خفض الإنتاج كوسيلة لدعم الأسعار. عندما قامت منظمة أوبك بخفض الإنتاج من 30 مليون برميل إلى 13 مليون برميل يومياً من دون أي إشارة على وجود حد لهذا التراجع، بدأت بالقلق حيال فقدان حصتها في السوق. وكان الهدف من معركة منظمة أوبك حول حصتها في السوق هو لمواجهة مصدري النفط الآخرين، الذين حافظوا أو حتى قاموا بزيادة الإنتاج، في حين إن أوبك قد خفضت الإنتاج لحماية الأسعار، أدى ذلك إلى تحول هائل نحو إبرام عقود “العائد الصافي”، وبموجب تلك العقود حصل منتجي النفط بعد خصم التكاليف على ما تبقى من القيمة الإجمالية لجميع المنتجات المشتقة من برميل النفط الخام فقط. شمل ذلك؛ تكاليف النقل والتأمين والتكرير والتخزين والرسوم المصرفية وأي تكاليف أخرى للعقد. كان ذلك حلماً للعديد من التجار وشركات التكرير.
تم إبرام العديد من عقود “العائد الصافي” مع شركات التكرير والتجار الذين لا يملكون مصافي نفطية، أو لا يحق لهم الوصول إليها، وكانت تكاليف التكرير الموضوعة وهمية أو تم التفاوض بشأنها، وغالبا ما كانت أمراً مبالغاً فيه لتغطية العمولات والرشاوى، وكان أدنى سعر تم الإعلان عنه في ذلك الوقت هو 3$ للبرميل من الخام العربي الثقيل المصدر إلى أمريكا اللاتينية. إن تحديد منظمة أوبك لسقف الإنتاج، ومن ثم تقسيم ذلك إلى حصص لأعضائها، هو في الواقع استخدام مراقبة أو إدارة الإنتاج لتحقيق السعر المستهدف أو الحفاظ على مستوى الأسعار.
تولت منظمة أوبك تحديد أسعار النفط بعد إلغائها نظام “السعر المعروض” الذي استخدم من قبل شركة الأخوات السبع في السبعينات، (كانت تلك الشركة هي المسيطرة في السوق قبل ظهور منظمة أوبك) خلال فترة التنازلات، وتعلن منظمة أوبك وبشكل دوري عما يسمى بالأسعار الرسمية، إذ تقوم أوبك بتحديد سعر النفط العربي السعودي الخفيف في الخليج العربي فضلاً عن مجموعة من التفاضلات بين تلك العلامة وعلامات أخرى من زيوت نفط أوبك، وكان السعر الرسمي لمنظمة أوبك هو ما كانت تحاول حمايته عن طريق إدخال نظام الحصص وخفض الإنتاج، ومع ذلك انتقلت منظمة أوبك إلى نظام السعر المستهدف بعد الفشل الذريع والمكلف لحصتها في السوق.
يضم ذلك إنشاء سلة المرجعية للنفط الخام، إذ أن متوسط السعر أصبح المؤشر لتحريك التغييرات التي من شأنها الحفاظ أو استهداف مستوى السعر المطلوب، وكان في المقدمة السعر المستهدف للسلة هو 18$ الذي زاد في تموز عام 1990 إلى 21 $ مع سقف إنتاج 20.92 مليون برميل يومياً وهذا ما سمح للزيادة التلقائية في السقف بمقدار نصف مليون برميل كلما بلغ متوسط سعر السلة أكثر من الهدف المحدد والانخفاض بنفس المقدار عندما يكون المتوسط دون المستوى المستهدف، في حين أن الطلب على النفط في الحالات العادية يتم تحديده ويقاس تأثيره بعوامل عدة مثل عدد سكان العالم، والازدهار الاقتصادي، والطقس، ومجموعة متنوعة من الأحداث، ويتم تحديد نسبة العرض بشكل رئيسي من قبل المنتجين وكانت هذه هي الأداة الوحيدة التي يستطيع المنتجون استخدامها لضبط وإدارة الأسعار، وبالتالي تتحكم مستويات الإنتاج بمستويات الأسعار في “السوق الحرة”.
قوانين السعر
بينما تبقى المبادئ الحاكمة في الأسواق النفطية كما هي، فإن إدارة الإنتاج الفعالة فرضت سيطرتها على السعر. اذ يعد الوضع في الوقت الراهن أمراً فريداً من نوعه، ليس فقط بسبب انخفاض الأسعار، ولكن بسبب سيطرة السعر على مستوى الإنتاج وليس العكس. مع انهيار الأسعار في منتصف عام 2014، تعايشت هذه الصناعة خلال الإغلاقات المتعاقبة لمنشآت إنتاج النفط وانخفاض حاد في عدد منصات الحفر، بدأت عمليات الإغلاق على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية مع تكاليف ضخمة، وتبعتها الشركات الأخرى بشكل سريع كلما كان سعر السوق أقل من تكاليف إنتاجهم للنفط. وتشتمل المحطات المغلقة للحقول القديمة التي تم تأهيلها في فترة ارتفاع الأسعار، فضلاً عن حقول جديدة في المياه العميقة والصخور وغيرها من مصادر غير تقليدية للنفط والغاز، هناك عدد من المحطات المغلقة أو التي تم إيقافها بشكل مشابه “للخلايا النائمة” وستبقى في سبات إلى أن تعود للإنتاج حينما يسمح الاقتصاد بذلك، وهذا يعني أن سعر السوق يؤثر على مستوى الإنتاج المتاح أو الممكن، وسيستمر السعر بالتحكم في ضبط مستوى الإنتاج.
تؤدي هذه الظاهرة إلى استمرار التقلبات في الأسعار لبعض الوقت – إلا إذا ظهرت أحداث غير متوقعة، التي تؤدي إلى زيادة ضخمة في الطلب الذي من شأنه تسريع استهلاك جميع الإمدادات الفائضة وفي غنى عن القول، فإن تغطية تكلفة إنتاج المنشآت النفطية التقليدية وغير التقليدية المغلقة والمصادر البديلة للطاقة، سيكون عن طريق وضع سقف عالٍ لأسعار النفط الخام في الأسواق الحرة. ستتمكن منظمة أوبك في المستقبل، على الرغم من تراجع حصتها في السوق، من خلال إدارة الإنتاج، على التأثير في القدرة التنافسية للمصادر الأخرى عن طريق تحديد واضح للسعر المستهدف والذي يعد أمراً غير اقتصادياً بالنسبة لهم، مهما كان مستوى سعر العتبة التي تضعها او تستهدفها أوبك للحد من المنافسة سيتوجب مراجعتها وتعديلها بشكل دوري لتعكس التغيرات في التكنولوجيا وغيرها من تدابير خفض التكاليف.
حتى الآن ومع وجود زيادة طفيفة في الأسعار منذ بداية المناقشات حول تجميد مستوى الإنتاج، تم رصد بعض التحركات لعودة الإنتاج، وبالفعل يتم دراسة إعادة تنشيط بعض المنشآت، أو الآبار التي تم حفرها بشكل غير كامل، إن إنتاج النفط الخام الجديد من هذه التحركات سيؤدي إلى خفض الأسعار، وتأخير انتعاش السوق، والعودة إلى حال العرض والطلب المتوازنة، مما سيؤدي أيضاً إلى إطالة فترة تقلبات الأسعار وتأخير القرارات المتعلقة بالاستثمارات التي تختص في مجال الاستكشاف ومشاريع المدى البعيد.
التدابير المقبلة
يستند المخطط الذي تم اقراره في اجتماع الدوحة في 16 شباط للبلدان الأربعة على تجميد إنتاج الأعضاء، على صعيد تبعات شهر كانون الثاني من هذا العام، لمدة يتم الاتفاق عليها، وبناءً على ما تم تحقيقه في تلك المدة، فيجوز تمديد مدة التجميد أو انهائها. ويهدف هذا المخطط للحد من الإمدادات الكلية من: النضوب الطبيعي لآبار النفط، وإغلاق حقول غير اقتصادية ومشاريع النفط غير التقليدية، ونمو الطلب العالمي، وتراجع المخزونات التجارية، وتخزين الإنتاج القديم غير المباع. وفقاً لمحمد السادة، وزير الطاقة القطري الذي سيستضيف اجتماع الدوحة، قال إن 15 بلداً يمثلون نسبة 73 ٪ من الإنتاج العالمي للنفط، يدعمون تجميد الإنتاج.
أعلنت إيران أنها لن تشارك في تجميد الإنتاج قبل أن يصل إنتاجها إلى ما تعتبره بالمستوى الشرعي، ولم يتم ذكر ذلك المستوى حتى الآن، قامت إيران التي تم فرض عقوبات دولية عليها ومقاطعة تصديراتها النفطية، بمضاعفة إنتاجها منذ الإطاحة بصادراتها، ولديها حق في عدم قبول التجميد عند مستويات كانون الثاني. ومع ذلك، لا تزال مشاركة إيران أمراً هاماً. لقد اطلعنا على مجموعة متنوعة من آراء عدة منتجين، يقوم معظمهم بإنتاج النفط بأقصى قدرتهم. وبشكل عام قام معظمهم بدعم أي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار باستثناء فكرة تخفيض الإنتاج، وأعرب العديد منهم دعماً مشروطاً لفكرة التجميد المقترحة، طارحين مسائل قد تستغرق وقتاً طويلاً لحلها.
قال الأمين العام لمنظمة أوبك والناطق الرسمي باسم المنظمة عبد الله البدري، إن تجميد الإنتاج المقترح ليس سوى خطوة أولى، وسيتم النظر في اتخاذ تدابير أخرى، بما في ذلك خفض الإنتاج، اعتماداً على ما يتحقق من عملية التجميد.
لوحظ للمرة الأولى، أن الأمين العام تحدث عن أسعار “معتدلة” وهو تعبير من الممكن أن نضيفه إلى تعابير أخرى مثل (مرتفع، ومنخفض، ومقبول) والتي غالباً ما يتم استخدامها من قبل وزراء ومسؤولي النفط دون تحديد قيمة تلك التعابير، في حال ارتفاع أسعار النفط سيكون من السهل فهم درجة الارتفاع باستخدام الأرقام، إذا حكمنا على تجربة أوبك من خلال نظام الحصة ورصد الالتزام التي تتبعها المنظمة، سيكون أمراً حاسماً لنجاح أي اتفاق يتم عقده، عندما تكون الدول في حاجة ماسة للنقود، فإنها تصبح خلاقة جداً في التحايل على القوانين أو خرقها. فقد يتم بيع النفط الخام الخفيف كمكثف أو أن يباع النفط الخام كزيت وقود.
ملاحظات
قد يكون أمراً مفيداً أن نشير إلى الشركات الكبرى والمستقلة وهم منتجي النفط الذين يمتلكون حقولاً نفطيةً بالكامل، في بعض الحالات يعد هؤلاء المنتجين أكبر من بعض الدول التي تمت دعوتها إلى اجتماع الدوحة. في جميع الأحوال، تساهم تلك الشركات في العرض، وتهتم أيضاً في وجود أسعار أفضل وأسواق مستقرة. أليس من الغريب أنه لم يتم دعوتهم، حتى بصفة مراقب؟!
بشأن تلك الفكرة، أود أن أشير إلى أنه عندما تم تأسيس منتدى الطاقة الدولي، كان مفتوحاً للدول المنتجة والمستهلكة، في أوائل المؤتمرات عام 1991 كانت تضم فقط ممثلين عن الدول الأعضاء ولم يمض وقتاً طويلاً قبل أن يدركوا أن جزءاً كبيراً من صناع الطاقة لم يتم تمثيلهم في المؤتمرات، وتم تخصيص يوم إضافي في كل مؤتمر لجلسات تضم قادة الحكومات والصناعات لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأدى هذا التنوع إلى إثراء المناقشات وجعلت من (IEF) منتدىً للطاقة العالمية، فإن اشتراك أعضاء إضافيين سيجعلون تلك المناقشات أفضل خصوصاً عندما يصبح الوضع صعباً.
وبنظرة أخرى، سيتم التركيز على الأسعار في تلك الإجتماعات، وسيكون أمراً صعباً لبعض تلك الشركات من حضور المؤتمر إذا تمت دعوتها من وجهة نظر قانونية، ومع ذلك فإن الدعوة تعد علامة حسن النية بينما تستمر الهدنة.
ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .
المصدر:
*رمزي سلمان، مستشار سابق لوزير الطاقة والصناعة القطري، كما كان نائب الأمين العام لأوبك والرئيس التنفيذي لشركة تسويق النفط العراقية.