السيمر / الجمعة 15 . 04 . 2016
نارام سرجون / سوريا
اذا رأيت مائدة فاض على كل اطباقها العسل حتى أن ملحها خلط بالعسل فاعلم أنها مائدة سيجلس عليها منافقان .. الداعي للوليمة يكذب على المدعو .. والمدعو يكذب على الداعي وعلى نفسه .. وهذا هو حال اللقاء السعودي المصري الذي لم يكن ينقص أن يكتب عنه الا الكاتب الانكليزي ويليام شكسبير الذي كان بارعا جدا في تصوير النفاق البشري وتقلبات النفس وميلها للأنانية ومشاعر الغدر ولحظات الطعن .. فلايوجد كم من النفاق والرياء والمجاملة والتقية يتفوق على مارأيناه في اللقاء السعودي المصري الذي تراشق فيه الطرفان بأقصى مالديهما من مخزون الحيل والخدع والمجاملات .. فقد كانت هناك مبالغة لاتوصف في الحب والقبل والمصافحات والتمنيات .. واشترك في هذا المهرجان من جحيم القبل كل من برع في التمسح والنفاق .. مغنون وأئمة واعلاميون .. ومثقفون ورجال دين .. حتى التماثيل أرغمت غلى النفاق والاختباء كيلا تفسد وليمة النفاق .. وسمعنا كلاما في رحيق سلمان تستحي النحلة من أن تقوله في الزهرة .. ويعتذر العسل من أن حلاوة ماقيل في سلمان تفوق حلاوة العسل ..
الجميع يعلم أن العسل الذي أضيف الى الملح والفلفل والدسم والزيت والبصل والثوم والفول لن يفعل شيئا الا أنه سيجعل العسل فاسدا وطعمه غير مستساغ ..
التاريخ والجغرافيا أكبر من كل خوابي العسل التي سفكت بين يدي الملك السعودي .. وفالق البحر الأحمر ليس مجرد فالق جيولوجي عمره ملايين السنين لكنه رسالة تعبر الى ملايين السنين القادمة وهي أن لاشيء يجمع بين السعودية ومصر الا بلاد الشام .. ولو ملأ المصريون البحر الأحمر بالعسل .. أو ملأه السعوديون بالذهب ..
بلاد الشام – اي سورية الطبيعية – هي الرابط الجغرافي والتاريخي بين الجزيرة العربية ومصر (وكل وادي النيل) .. والجسور الطافية التي ستبنى بينهما والمتمددة فوق جزر صناقر وتيران لن تقهر الفالق الأزلي الجيولوجي في البحر الأحمر لصالح اليابسة القديمة الأزلية والحكاية القديمة بين بلاد الشام ووادي النيل حيث أن المشيمة التي بينهما تمتد من الجليل الفلسطيني الى بورسعيد المصرية ..
السعودية باختصار تتسلل الى مصر وتستولي عليها على طريقة استيلائها على جزء من لبنان عبر مساجد وهابية واعلام يسطّح العقل المصري ويلهيه عبر خلق مجموعات موالية لها بالمال .. ولكنها غدا ستكون موالية لها فكريا وعقائديا .. ولن تملك الحكومة المصرية سلطة عليها بعد ذلك وتصبح بمواجهة تيار مستقبل مصري وحريري مصري ..والمصريون يراقبون عملية التسلل ويعتقدون أنهم لن يقعوا في الفخ .. ولكنهم يقعون في نفس حفرة كامب ديفيد دون أي فارق ..
فكما بدأت كامب ديفيد بسذاجة الرئيس السادات الذي اعتقد أنه يخدع اسرائيل والغرب بأن يقوي من مصر عبر اخراجها من الصراع العسكري ليبنيها اقتصاديا بواسطة وعود الدعم الغربي له كمكافأة على خطوته وشجاعته فينطلق بها كنمر اقتصادي عملاق .. الى أن انتهى بمصر الحال أنها اليوم لم تصبح نمرا اقتصاديا وهي تتودد للبعير السعودي ولاتتمرد عليه ولاتكسر له أمرا .. لانها عاجزة اقتصاديا بعكس مااعتقد السادات .. وهذا يدل على أن نظرية السادات كانت ملئية بسذاجة لاتقل عنها سذاجة من يعتقد اليوم أن مصر تخدع السعودية بأن تبيعها جزيرتين تافهتين لاقيمة لهما .. وتعطيها جسرا .. ولكنها ستملأ صرة مالها بالذهب السعودي ..
اذا كان هناك لقاء مصري سعودي في السياسة فهذا يعني اما أن السعوديين اقتربوا من وجهة النظر المصرية في السياسة الخارجية وأنهم صاروا أكثر استعدادا للقبول بالحل السياسي البعيد عن العناد الأجوف في سورية والمنطقة .. أو أنهم تمكنوا من اقناع المصريين بالسير معهم في مغامرتهم لاقتسام النفوذ على ملفات المنطقة وخاصة الملف السوري .. وكلا الاحتمالين قائم ولكن انزياح أي من الطرفين كثيرا والانتقال الى الرصيف الذي يقف عليه خصمه لايبدو مقنعا .. ولكن المقنع جدا هو أن السعوديين لايريدون من مصر اليوم الا شيئا واحدا .. وهو أن لاتفعل شيئا وتبقى متمثلة في سياستها وقفة ابي الهول بصمت .. أي ألا تعترض على السلوك السعودي المتعجرف والاستبدادي والاستعلائي .. وألا تقف في وجه الخطاب الوهابي في العالم الاسلامي وتسكت الأزهر أو تجبره على الصمت ازاء التحريض الديني والمذهبي وعدم تحديث الخطاب الديني .. وهي تريد ألا تتدخل مصر في الأزمة السورية لخلق توازن يكسر الثقل التركي في المنطقة .. لان معادلة الشرق الاوسط الحالية هي ان ايران وسورية تواجهان السعودية وتركيا .. وانحياز مصر الى ايران وسورية سيجعل تركيا والسعودية أقل تأثيرا وتمثيلا لما يريدان أن يمثلاه ككتلة اسلامية سنية في مواجهة كتلة لاسنية .. وميل مصر الى سورية وايران بحكم أنهما خصمان لتركيا ومشروع الاخوان المسلمين في سورية سيعني أن أكبر كتلة سنية عربية تقف الى جانب سورية وايران مما يقلل من ادعاء تركيا والسعودية أنهما تدافعان عن مصالح أهل السنة أو تمثلان مزاج السنة في العالم الاسلامي .. وهذا هو المطلوب الوحيد السعودي في هذه المرحلة .. أي شق الشرق الأوسط بفالق طائفي أزلي مثل فالق البحر الأحمر الى ضفتين سنية وشيعية .. بعد ان كان الفالق الطبيعي الصهيوني يقسمه الى ضفتين عربية واسرائيلية ..
السعودية لم تضمر الخير يوما للمصريين وتنظر اليهم دوما على أنهم مصدر قلق .. والمصريون بطبيعتهم لايحبون الأسرة السعودية منذ أيام محمد علي .. ولذلك لن يغير العسل الذي وضعه الرئيس السيسي على المائدة بحجم جزيرتي تيران وصنافر ليحب السعوديون المصريين .. والجسر الرابط بين السعودية ومصر لن يحمل مصر الى السعودية بل ستعبر السعودية عليه وتجتاح مصر كما فعل عمرو بن العاص منذ قرون لأن اتجاه الريح التاريخية لايتغير ولاينعكس .. هذا اذا تم بناء الجسر المزعوم لأن السعودية من الدول المعروفة أنها تغدق الوعود والهبات والعطايا والمشاريع ولكنها تغدق بالتسويف والمماطلة أكثر .. واذا أعطت أو منحت فانها لاتمنح ولاتعطي الا بعد ان يكون العطاء بلا فائدة وقد مضى زمنه ونفعه ..
مصر التي وقعت يوما كامب ديفيد اسرائيلي .. تحاصر اليوم من السعوديين لتنضم الى كامب ديفيد ثان تعده السعودية .. وتبدو مصر ميالة ومنجذبة الى كامب ديفيد القاني بذات الذريعة والحجة التي أخذتها في مغامرة كامب ديفيد الأول .. وهي أنها تريد أن تتجاوز عثرتها الاقتصادية وتقوي نفسها لتتمكن من الوقوف حتى تنمو لها أنياب اقتصادية ومخالب سياسية .. ولكن العنكبوت ينسح حولها الشباك ويحاصرها خلسة في ليبيا وسيناء .. وكذلك في السودان الذي صار خادما مخلصا وبوابا للسعودية والخليج الى وادي النيل .. ولانجاة لمصر الا بأن تبقي بلاد الشام عمقا لها ضد غائلة الزمن وغدر الأيام .. وكفى درسا أن العسل الذي سكب على سطور الجرائد في كؤوس السلام مع اسرائيل تبدد وأن كل العسل الذي كان يسيل على جنبات خطابات السادات وميكروفوناته تبين أنه سراب العسل ودخان بلون العسل .. وهاهي اليوم بعد 40 سنة من النوم في العسل تبحث عن مستثمر خليجي وممول سعودي ومن يفتح مطعما أو شركة سياحة .. وهي اليوم بعد 40 سنة لاتعرف كيف تشرب الماء من نيلها دون أن يستأذن السد العالي سد النهضة ويستجدي قطرة الماء في كأسه الكبير ..
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يناور ويحاول في فن الممكن للخروج من عنق الزجاجة كما يعتقد .. ولكن عليه أن يتذكر أن العائلة المالكة السعودية أرسلت الملك عبدالله (ابو متعب) الى سورية يوما كما يذهب التائب الى الكعبة .. وقد لعب ذات اللعبة والخديعة وتستر بالطمأنينة والوعود العربية الأصيلة .. وتبين أنه كان يخفي تحت عباءته الدواعش والنصرة والاخوان المسلمين .. أعداء المصريين .. وأعداء الرئيس السيسي .. فهل أخفى الملك سلمان التائب تحت عباءته .. الاخوان المسلمين والدواعش والوهابية الشريرة .. والكل الذين سيعبرون على جسور العسل وموائد صنافر وتيران ..؟؟
==================================
الوثيقة المرفقة من فتوى سعودية عن مدى التقارب والتماهي بين الوهابية السعودية والاخوان المسلمين .. والحضانة المتبادلة بينهما تكذب كل مايشاع عن تناقضهما وتنافرهما .. ولذلك فان كل مهرجانات القبل والغناء وولائم العسل لاتخفي الحقيقة وهي أن آل سعود أعداء طبيعيون للمصريين وامتداد طبيعي لتنظيم الاخوان المسلمين ..