فيينا / الخميس 24 . 10 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
وداد عبد الزهرة فاخر*
يقول المثل العراقي ( لو كلمن إجه ونجر ما ظل بالوادي شجر )، وهو ما يحدث الآن من هرج ومرج على الساحة الإعلامية العراقية، ويدفع بالقيم والأخلاق والعرف الإعلامي للوراء نتيجة للزخم الهائل من الكتابات التي لا تلتزم مطلقا بقيم وآداب وأسلوب صحافي أو لغوي، لما ’ينشر لكل من هب ودب على الساحة الإعلامية حديثا من مواد كتابية لا تمت للصحافة بصلة تذكر في زمن الانترنيت اللعين .
وأصبح شتم الناس والتهجم عليهم، وخاصة تبعيتهم لهذا البلد الأعجمي أو ذاك ديدن الحاقدين على العراق والعراقيين، وتشويه الحقائق أسلوب الكثيرين ممن يملك جهاز كومبيوتر ليجلس على الكيبورد وينطلق محلقا في فضاء لا مرئي من ( حرية ) الصحافة ليسطر ما يشاء ومعظمها بأسماء عدة مستعارة فيها الغث الكثير مما يسئ لشخصيات وقوى سياسية أو أكاديمية أو علمية، أو للوطن والأرض والتاريخ . كذلك يجري تشويه تاريخ وتراث مدن وعوائل لا لسبب سوى إن هناك نزعة لدى البعض بالظهور بمظهر الكاتب والمثقف ليكتب بيراع مثلوم ما يحب ويشاء . فالقادة الشيعة في العراق الجديد أعاجم، وبقية أبناء المذهب الشيعي نتاج ( المتعة ) وطائفيين، أو رجال مخابرات إيرانيين تصل درجة بعضهم لـ( ضباط مخابرات إيرانيين ) كما وجه احد الانتهازيين الجدد الذين ظهروا على الساحة السياسية بعد سقوط نظام الفاشست هذه التهمة لكاتب السطور وسط مسئولي جهة رسمية عراقية في الخارج وبدون خجل أو حياء .
وللدلالة على ذلك أضع أمام القاري العزيز رابط المقال التالي لـ ( مقالة ) بعنوان 🙁 بعض الأبعاد الإجتماعية للخلل السكاني في مدينة البصرة http://www.kitabat.com/i38713.htm )، والتي نشرت في عدة مواقع يقف على رأسها الموقع التابع لحزب البعث رسميا وهو موقع ( كتابات )، وللأسف تم النشر في مواقع نكن لها كل الود ومنها موقع صوت العراق، وموقع الحوار المتمدن ومواقع عراقية عديدة أخرى . حيث ورد في سياق هذه ( المقالة ) تهجم واضح وصريح على جزء كبير من مواطني بلاد الرافدين من أبناء محافظتي العمارة والناصرية الذين هاجروا للبصرة منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، ثم عرج وبطريقة غريبة ليتجنى ويسخر بشكل غير مقبول من بعض أقدم محلات البصرة التي ضمت خيرة أبناء العشائر العراقية الذين عمروها وسكنوها منذ بداية القرن الماضي وهي( محلة التميمية )
أو ( أم الدجاج )، أو ( الخندق )، حيث تطلق عليها الأسماء الثلاثة . وحتى أضع القارئ العزيز في الصورة الصحيحة للموضوع الذي اطرقه اقتطف المقطع الذي تناول فيه ( الكاتب ) محلة التميمية في البصرة بالعشار حيث يقول (ولا يفوتنا أن نذكر أن محلة التميمية التي يرد ذكرها كثيراً في الأخبار كمعقل للعصابات كانت تسمى حتى وقت قريب ” أم الدجاج” بسبب كثرة الدجاج فيه لأن ساكني صرائف هذا الحي وبيوته الطينية كانوا متمسكين بعاداتهم الريفية التقليدية ومنها تربية الدواجن، كالبط والديكة والدجاج التي تترك حرة طليقة لتتجول بين أرجل المارة، وتتغذي في الشوارع المتربة لهذا الحي البائس. ) . وسأحاول أن ارسم صورة قلمية لمحلة ( التميمية ) بما اعرفه عن تاريخها المعروف أولا ولكوني من مواليدها وعشت فيها حتى وفاة والدي وأنا في سن الرابعة من عمري ولا زال بيت العائلة فيها للآن ثانيا .
فمحلة التميمية يا ( سيدي ) لم تكن أول أمرها إلا عرصات وملك مشاع تشترك به عدة عوائل بصرية قديمة ظلت أسهم بعضها للآن ضمن طابو بعض بيوت التميمية كونها إما هاجرت منذ زمن بعيد من العراق عائدة لأرض نجد والحجاز أو اندثر ذكرها، ومنها عائلتا ( القرطاس والابريسم ) اللتان تملكان أجزاء عشرية ضئيلة جدا من قيمة الأرض فقط .
وقد تم ابتداء أمر عمران محلة التميمية بان جرى تأجير، أو شراء حصص من العرصات التي تشكلها منطقة التميمية لضرورات اقتصادية بحتة، حيث تقع العرصات التي شكلت محلة التميمية مقابل منطقة تجارية وصناعية وحيوية تشكلت آنذاك حديثا هي منطقة السيف التي يفصلها عن التميمية نهر الخندق، وهي منطقة مخازن الحبوب التي تصدر لأنحاء العراق والعالم عن طريق الوسائل النهرية والبحرية في المراكب الخشبية، ومن الطرف الآخر السوق التجاري الكبير وهو ( سوق القشله )، ولصق السيف من الخلف تقع منطقة صناعية مهمة هي ( جزيرة الدوكيارد أو الداكير كما يسميها أبناء البصرة تقع بين مدخلي نهري العشار والخندق فترتبط بالمياه من جهاتها الأربع وتمتد إلى ثلاثة جسور وكانت في بداية الأمر مصنعا لتصليح السفن أيام الاحتلال الإنكليزي للعراق تابعة لشركة كري مكنزي، وأصبحت بعد ذلك اكبر مصنع لبناء السفن الحديثة وتطورت بعد ذلك كمصنع للسفن الكبيرة والحديثة، فكان ضرورة بناء محلة جديدة للتجار من أصحاب المراكب التجارية الخشبية آنذاك والعمال والعاملين في شركات النقل النهري والتجاري، وتجار سوق السمك في القشلة . وكان من أوائل من بنوا بيوتهم فيها نازحين من ( ناحية المدَيْنه ْ ) التابعة للبصرة وجلهم منحدرين من عشائر عربية معروفة، فسكنها أولاد ( عبد الله حسين مغامس البو حسان ) الملا فاخر وهو جد الكاتب لأبيه، وإخوته وأبناء عمومتهم من البو حسان ( الحاج حسين العطوان ومحمد العطوان وزاير ساير، والحاج كاظم الصبر وآخرين ) الذين سكنوا(المْدينهْ) منحدرين من الرميثه مدينة استقرارهم بعد هجرتهم من الجزيرة العربية . وأطلق لقب الملا على فاخر لكونه من كتاب شركة بيت لنج للنقل والتجارة التي كان مقرها البصرة آنذاك . وكانت ديوانية كل منهم مجاورة لمسكنه الذي بني من اللِبْنْ والطابوق على نمط وتوفر المواد الإنشائية في ذلك الزمان ولم تكن هناك صرائف في محلة التميمية أو دجاج في ذلك الوقت يجول في الشوارع كما قال ( الكاتب )، وليس إلى وقت قريب كما َتقول أيضا بذلك ( الكاتب) ( سالم حسون) . كذلك سكنها أبناء خؤولتهم من(بيت إبريچ)، وكان مسكن بيت بريچ بعد ذلك في شارع النادي (الحاج كاظم بريچ ) واخوته ومنهم حسن والد الفنان ( فؤاد سالم – فالح حسن بريچ) .
وكانت هناك عوائل بيت السماك ومنهم الحاج عبد الزهرة السماك، وبيت الحاج مجيد السماك وديوانيته مقابل بيته أول مدخل محلة التميمية من طرف شارع النادي، وهو والد المرحوم ناظم مجيد مدير خزينة البصرة سابقا، وكذلك كان من سكنتها آل السامر ومنهم مختار محلتها ( ملا َجري السامر ) والد الشخصية الوطنية ووزير الإرشاد في حكومة ثورة تموز (الدكتور فيصل َجري السامر)، وعائلة الَسلَمي وهم الحاج عبد الزهرة تاجر الأخشاب المعروف وإخوته طبيب الأسنان الدكتور عبد الوهاب السلمي والآخرين . وبيوت من عشيرة البدران ( عمران فياض البدران والد الشخصية الوطنية المرحوم مصطفى عمران فياض مهندس كهرباء المنطقة الجنوبية منتصف ستينات القرن الماضي)، وإخوة عمران ومنهم الحاكم سامي البدران، وكذلك الحاج علي عثمان البدران وأولاده (الدكتور عادل أستاذ الكيمياء في جامعة البصرة وابنه الآخر وكان مدير شركة سوما في نفط الجنوب – برنامج النفط مقابل الغذاء )، وبيت السادة آل الشرع وبيت العودة ومنهم الاستاذ القدير فيصل العودة، والسواد ومنهم الخياط المشهور المرحوم عبد النبي السواد، وعوائل معروفة أخرى كالشخصية الوطنية ومرشح القائمة الوطنية عن نقابة المعلمين الأستاذ كاظم جميل . وسكنتها في نفس الوقت عوائل معظمها من قضاء القرنه في البصرة كعوائل (الشاوي والديوان والحاوي والهلالي والعاتي واللعيبي وغيرهم) ممن لا تسعفني الذاكرة الآن لسرد أسمائهم . وكل أولئك الأكاديميين والتجار والشخصيات الوطنية، وأولادهم عاشوا داخل محلة التميمية حتى زمن قريب جدا ولم نر دجاجا يسير بين أرجل المارة ولا كانت هناك صرائف فيها . ولكن بعد تزايد الهجرة من ريف الجنوب وخاصة بسبب ظلم الإقطاع في العهد الملكي وفتح أبواب العمل في العهد الجمهوري، وتوسع أعمال الموانئ وشركة نفط البصرة في مدينة تعتبر ملتقى أقوام عدة كونها تقع على خاصرة الخليج فقد تواجدت مناطق للصرائف على طرفيها الشرقي والغربي وخلفها حيث (محلة الجبل)، فكانت هناك (العطيرية) وهي منطقة صرائف تكاثرت على الجانب الغربي من التميمية وليست جزءا منها، وسكنها مهاجرون من الجنوب العراقي وجلهم من ريف مدينة العمارة، ومن الطرف الشرقي وقبالة منطقة السيف تشكلت منطقة صرائف أخرى منعزلة سميت بـ (نهير الليل) وأكثر سكانها كانوا من العمال الموسميين في (چراديق التمور) حیث یتم تصنيع التمور، او عمال بناء . وجاء اسم أم الدجاج من تواجد سوق يقع على الجهة الأخرى من منطقة السيف على نهر الخندق قبالة محلة التميمية حيث كانت تصل يوميا أبلام ومشاحيف من ريف البصرة الشمالي وريف العمارة والهور محملة بالبيض والدجاج والجبن والسمك لتباع في هذا السوق الذي ظل حيا حتى منتصف ستينات القرن الماضي حيث يجلس الباعة على طول شط الخندق خلف محلة القشلة التي تسكنها غالبية مسيحية من السريان وفيها كنيسة كبيرة لطائفتهم كان الدجاج البضاعة الغالبة فيه، واشتهرت من طائفة السريان (الجدة أم فؤاد) وهي قابلة ماذونه كانت تعتبر أم لجميع أولاد مدينة التميمية، وكل من سمي بفؤاد في محلة التميمية تيمنا بابنها فؤاد، أو حبا بأم فؤاد القابلة، وكان بيتها على شط الخندق عند جسر أم الدجاج .
وحتى وقت قريب من خمسينيات القرن الماضي كان هناك مخفر للشرطة في مدخل المحلة وكانت هناك إحدى ابرز مدارس البصرة فيها، هي مدرسة عتبة بن غزوان الابتدائية . وكان جل من ذكرتهم من أعيان المحلة من سكنتها، وبالتدريج كانت هناك تغييرات في تشكيلة أبناء المحلة التي هجرها الكثير من سكانها للمناطق الحديثة في البصرة كمحلة البريهة والطويسه والجزائر وشارع 14 تموز والعباسية، وحل محلهم بالتدريج المهاجرون الجدد من ريف العمارة والناصرية، أو من بعض المعدان من أهوار الجنوب وهذا ليس بالأمر المعيب لسكان هم عراقيون أصلا وتجمعهم ذاكرة الوطن الواحد، فلم هذا الإقصاء ونفي الآخر الذي تناوله (الكاتب) المذكور، وشوه به قيم الكتابة وتهجم على عراقيين خرج من بينهم أبطال ومناضلين وخاصة من محلة التميمية حيث قدمت العديد من الشهداء وكان الشهيد الشيوعي عبد علي لعيبي من أوائل الشهداء بطلا لا يهاب البعثيين ووقف بوجههم أيام انقلابهم في 8 شباط الأسود حتى استشهاده أواسط ستينيات القرن الماضي، ومن محلة نهير الليل كان الشهيد الشيوعي (حميد عاتي) العامل البسيط والنحيف البنية، الشاحب الوجه الذي صمد أمام همجية رجال امن البصرة من العفالقة الهمج العام 1978 حتى الشهادة . والصرائف التي عاب أهلها وشتمهم (الكاتب) أخرجت قائد ومناضل شيوعي عراقي مشهور هو (الشهيد هندال جادر – أبو عيدان-) الذي ردد عمال موانئ البصرة اسمه في إضرابهم الشهير بهوستهم المعروفة (حي ميت هندال انريده)، وقد أخفى القتلة البعثيين كل اثر لهندال، لا قبر لا شهادة وفاة ولا اسم مدون في أسماء المعتقلين والسجناء والشهداء والمغيبين، الشيخ السبعيني الذي استشهد تحت سياط الفاشست البعثيين في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي .
والبصرة يا (عزيزي) بصرة المناضل نصيف جاسم الحجاج وأخيه الشهيد فيصل طالب السنة الخامسة في كلية الطب الذي كان ضمن أول وجبة شهداء ردة شباط السوداء، والأستاذ جاسم حلاوي والد القاص جنان جاسم حلاوي، والشهيدة عايدة ياسين، والشهيد شاكر محمود، والشهيد عبد الجبار وهبي ” أبو سعيد “، والشهيد محمد جواد طعمة البطاط ” أبو زيتون “، والدكتور كامل ” أبو جماهير ” والمرحوم حميد بخش، والشهيد عبد الله الأسمر (عبد الله سالمين) عضو فرقة الطريق، والمناضل سلطان ملا علي أطال الله في عمره هو ورفيقيه عبد العزيز وطبان والعزيز جاسم المطير، والشهيد فوزي السعد، والشهيدين فتحي وعلي بدر جاسم الحر، والمرحوم عبد الخالق ياسين (صمد)، والمرحومين البطلين عبد الله عبيد البيضاني (أبو هدى)، وعبد الجبار فرج اللامي (أبو سعيد)، والمرحوم فتحي عبد عثمان . والمرحوم الشيخ حسن فرج الله الذي أذاب الهمج إحدى كفيه في الاسيد، والشهيد السيد عصام عباس شبر، والعلامة المرحوم السيد أمير محمد القزويني، وشهيد حزب الدعوة أحمد عبد النبي السواد وأخويه الشهيدين، وباقي شهداء حزب الدعوة والحركة الوطنية العراقية التي وقفت بوجه القتلة .
والعراقيون جميعا يطمحون لبناء العراق الديمقراطي الجديد الحر الموحد بعيدا عن الطائفية والمناطقية، والاستهزاء بالغير والانتقاص من قيمتهم كونهم عملوا عمال بناء أو عمال في ( چراديق التمور) لكسب قوتهم أو سكنوا مضطرين الصرائف وبيوت الطين، ولا يمكن أن يكون شرهان كاطع العماري أو غيره نموذجا لأهل العمارة والناصرية الشرفاء، كما هم القتلة وقطاع الطرق الذين يمثلون نسبة مئوية ضئيلة جدا من سكان مناطق تجمع الفقراء وأصحاب الدخل المحدود في كل من الحيانية والگزيزة وخمسة ميل والجمهورية، عندما خرجت هذه المجاميع الضئيلة بالنسبة لمجموع مدن الفقراء الطيبين على العرف والقانون وتحت تأثير قيم ومفاهيم غرسها البعث الساقط في أذهانهم طيلة فترة تسلطه على العراق . ولكون بعض بيوت محلة التميمية مهجورة لقدمها وعدم إعادة ترميمها فقد احتلها المعدان من بيت رويمي الذين دخلوا للبصرة مع قوات الاحتلال الأمريكي – البريطاني عند غزو العراق لإسقاط سلطة البعث وأصبحت بمن فيها من الساكنين الجدد بعد هجرة أهلها مرتعا لعصابات السلب والنهب والخطف، وعصابات مقتدى الصدر من بقايا البعث الساقط بعد الاحتلال الأمريكي لوطننا .
في النهاية أتمنى على من يتصدى للكتابة أن يفصل بين الحقيقة والخيال ولا يشتط بعيدا، ويسطر الكلمات على هواه فالمثل العراقي يقول (الحچی مو بفلوس)، ويقال أيضا (حب واحچی واكره واحچی).
فيينا / 2008 / 5 / 18
* شروكي مع سبق الإصرار من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج
www.saymar.org
alsaymarnews@gmail.com
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك