الرئيسية / مقالات / القراءة المستقبلية في خطب السيد محمد باقر الحكيم

القراءة المستقبلية في خطب السيد محمد باقر الحكيم

السيمر / الجمعة 12 . 02 . 2021

 واثق الجابري

من الصعب إستفياء كل مضامين خطب الشهيد السيد محمد باقر الحكيم(قدس)، منذ دخوله العراق بعد عام 2003م، لما فيها من دروس وعبر، وكانت جميع أحاديثه السياسية عن المستقبل الذي سيعيشه العراق، ولديه طروحات وتنبؤات مبنيَّة على أسس علمية، وتحدّث منذ صلاة الجمعة الأولى إلى الجمعة الرابعة عشرة يوم استشهاده، عن الواقع العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام، في فترة يعيشها العراقيون من غياب سلطة ونزاع سياسي، في ظل هجوم أمريكي أسقط النظام، ومستقبل مجهول للساحة العراقية.

إنحدر السيد الحكيم من عائلة علمية مرجعية وعاش ستينات القرن الماضي حياة مبنية على التقوى والورع والصبر على الجهاد، وواجه أعتى طاغوت، وتعرض إلى عدة إعتقالات منذ عام 1974و 1977م، وإختيار طريق المقاومة وعاش أصعب سنواته خارج العراق منذ عام 1980م، وكله أمل بعد عودته في عام 2003م؛ المساهمة ببناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي، وبذلك كانت جميع خطاباته السياسية، تؤكد على وحدة العراق بجميع طوائفه وتحمل مشروعاً وطنياً لجميع أطياف الشعب، مبني على الأخوّة وعدم التفرقة بين أبناء الشعب.

فسر السياسة بأنها: (تنظيم أمور دنيا الناس على أحسن وأرقى وجه)، لذلك أوجب السعي بمختلف  السبل والوسائل تحقيقاً لقوله تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)، ويرى التصدي السياسي لتغيير المجتمع إلى مجتمع الهدى والحق والإصلاح بين الناس، والدعوة إلى الله وإبلاغ رسالته، إذ لا يوجد مصطلح بعنوان (العمل السياسي) في القرآن، إنما جاء التعبير عنها بـ(إبلاغ الرسالة)، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعني هذا النوع من العمل تسميته بالسياسي، والمجتمع بحاجة إلى قيادة وإرشاد وخبرة سياسية في الريادة.

بدأت المواجهة بين المرجعية والسلطة، عندما مثل والده المرجع السيد محسن الحكيم(قدس) ، في احتفال ديني بمناسبة مولد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كربلاء، وبحضور متصرف كربلاء سيد سلطان أمين، وتحدث عن الظلم والطبيعة المعادية للإسلام، وطبيعة قانون التأميم، الذي تنوي الحكومة إصداره، وأفحم الجمهور بالحماس قائلاً: (إن الشيعة الذين يشكلون الجزء الأكبر من النفوس لا زالوا يعاملون بسياسة التمييز ويضطهدون من الطبقة الحاكمة)، ولخص خطابه بمظلومية الوسط والجنوب في تلك الفترة، وما تعاقبه من إهمال ونقص في الخدمات واضطهاد الطبقة الحاكمة، وأغاضت المتصرف وبعض المسؤولين في الاحتفال وعلى إثر ذلك غادر المكان، وسط تساؤلات كثيرة أهمها ما ستؤول إليه النتيجة فيما بعد وما هو موقف الحكومة منه؟

بدت المواجهة ساخنة، وأقدم النظام على عمليات تسفير واسعة لعلماء وأساتذة وطلاب الحوزة العلمية، ودفع إلى احتجاج المرجعية، وتداركت الحكومة الموقف بإرسال وفد للتفاوض حول هذا الموضوع، وقَدَّم السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) إلى الوفد المفاوض الأدلة الثبوتية، على وجود قرار للنظام بمحاربة الإسلام وتطويق الحوزة ومتابعتها، وكانت كلمته مؤثرة على الحضور وذات وقع خاص على الوفد المرسل الذي يترأسه خير الله طلفاح محافظ بغداد، وعضوية حامد علوان وزير الدولة متصرف كربلاء، وعلى أثر ذلك تم إيقاف التسفيرات بصورة مؤقتة، مما ولد لدى الوفد المفاوض نظرة حادة لملاحظته، بإعتباره العقل المدبر لجميع أمور المرجعية والذراع الأيمن لها، ولم يعمل يوماً دون علمها، ووفق ما تخليه ظروف ومصلحة البلد، ويؤكد في خطابات بقوله: “إننا نرى القيادة والزعامة هي عبارة عن احتضان ورعاية لكل القوى العاملة في الساحة ونحن نؤمن بالشعار القائل: (سيد القوم خادمهم), وننطلق من هذا المنطلق، فالشخص الذي يمكن أن يحتضن الشعب ويرعاه الرعاية الكاملة، وأية مجموعة لها القدرة الفاعلة فهي جماعة صالحة، ومن هنا نحن نعمل فكرة قيادة العلماء الأبرار, لأنهم يمكنهم بما يتمتعون به من فكر ومن طهارة وورع، أن يتساموا على عوامل التفرقة التي أوجدها الاستعمار في بلادنا”.

عاشت القوى السياسية بعد عام 2003م اضطراب في ظل غياب القيادة السياسية الموحدة، ورغم بعض المطالب التي نصحته بعدم العودة، متذرعة بغياب الاستقرار، ولكنه أتخذ قرار العودة إلى العراق من مدينة البصرة، وخاطبته الحشود المليونية:” اهلا بالسيد جايب ريحتك جده وياه”وأجابهم “نريد الاستقلال ولا نريد حكومة مفروضة” ، “إن العراقيين لا يحتاجون لمساعدتهم في بناء الحكومة الجديدة، ونُريد ان يحكم الشعب نفسه بنفسه ونريد حكومة المسلمين وتمثل المسلمين أيضا وكل الطوائف في العراق، التي هي عماد الشعب العراقي”، وعبر عن عمق المحبة، بحلول منقذة في دولة ديمقراطية تعبر عن كافة أبناءه، وخاطبهم قائلاً:” إن أولويتنا هي وحدة الكلمة ونحن في خدمة المرجعية ولتوحد العشائر” وتابع حديثه قائلاً:” نعم – نعم للعشائر” ضد المحتل، واصفا العراق للعراقيين في جهادهم وبناءهم، وعدم فسح المجال لأزلام النظام السابق للعيش بين العراقيين بأمان، واختتم خطابه بالشكر لجميع الدول التي ساعدت العراقيين للعيش بأمان في ظل النظام السابق، ومن ثم توجه للناصرية فالسماوة، حيث أنابه السيد عمار الحكيم، لوجود بحة في صوته.

واصل طريقه إلى النجف وخاطب الجماهير المجتمعة في الصحن العلوي الشريف؛ داعيا إلى بناء نظام إسلامي ينسجم مع أساليب العصر ومع التطورات الاجتماعية في هذا الزمان، رافضا حكومة مفروضة على العراقيين قائلا: “سنقاوم أي حكومة تفرض على العراقيين بالمظاهرات والاضطرابات، وأن الذي يضمن استقلال العراق هو الإسلام والانتخابات الحرة”، ثم توجه الي كربلاء مستذكراّ ثورة الإمام الحسين (ع)، وثورة العشرين التي إنطلق من هناك بفتوى المرجعية،  ويردد دائماً “هيهات منا الذلة”، وبعد استقراره في مدينة النجف الأشرف، أقام صلاة الجمعة لأربع عشرة مرة.

الخطبة الأولى: تضمنت مجموعة من القضايا التي تهم المواطنين، وتشغل بالهم ومنها قضية الأمن، ويعتقد أنَّ الإنسان إذا فقد الأمن لا يمكن أن يمارس مهمته في الحياة, سواء أكانت علمية أم ثقافية أم اجتماعية، ثم قضية الاحتلال العسكري للعراق والموقف منه، لاسيما بعد أن أصبح العراق من دون نظام، وعدم وجود دولة تدير شؤون الناس، وقد تسائل قائلاً: “إذا كان هناك من يتمكن أن يتحمل هذه المشكلة بما قدر الله من إمكانيات وقدرات وأموال، فما شأن المحرومين والمستضعفين من أبناء أمتنا، هؤلاء الذين لا يتمكنون أن يتحملوا عبء هذه الفوضى والأضرار البالغة التي تسيء لأهم أمور حياتهم، ومن هنا نجد أن الاضطراب الواسع الذي يشكل معضلة في الحياة المعيشية للناس، إذ ليس هناك استقرار في حياتهم المعيشية”، وأضاف: “إنَّ هذا الموقف يتطلب أن يتصدى العلماء والم

الخطبة الثانية: تناول مجموعة من القضايا الأساسية والجوهرية لمستقبل البلد ومواطنيه، وحفظ حريتهم وكرامتهم وأمنهم، مع تطلعاته وتصوراته عن النظام المستقبلي السياسي، بالاعتماد على إرادة الشعب من خلال انتخابات حرة نزيهة، وحاكم أو نوع الحكم الذي يريده الشعب، وعدم تهميش أية فئة مهما كانت توجهاتها الدينية والسياسية، والتأكيد على وحدة العراق من الشمال إلى الجنوب، ورأى الحل الوحيد هو (الفيدرالية) بطريقة تعبر عن مضامين وخصوصيات أبناء الشعب، وأنَّه أمر متروك للعراقيين أنفسهم، ورفض كافة الآراء المطروحة في تأسيس أي مجلس وطرحه دستورياً خارج إرادة الشعب العراقي، لأنه مطعون فيه من الناحية الشرعية والقانونية، وتأسيس جيش من جميع أبناء الشعب، ودعا لنزع سلاح الجماعات المجرمة وعصابات السلب وقوى التطرف.

الجمعة الثالثة: أكد على أمرين مهمين هما: تكريم الشهداء الذين قارعوا النظام البائد والمطالبة بحقوقهم، وشمول السجناء السياسيين الذين تعرضوا للأذى والملاحقة، ورفض أن تشكل السلطات المحتلة مجلساً سياسياً يقوم بإدارة البلاد، لأنه مشكل من خلال سلطة محتلة، ومن ثمَّ يقوم هذا المجلس بتكوين مجلس دستوري يقوم بمهمة تدوين الدستور، وطرحه للاستفتاء وهذا غير ممكن شرعاً ومخالفاً لقرارات مجلس الأمن، التي تنص على أن تكون الإدارة العراقية خالصة، ورأى أن المبررات التي طرحتها السلطات المحتلة لهذا الأمر غير حقيقية، أما بخصوص الانتخابات فإن السلطات المحتلة ترى أنها غير ممكنة في الوقت الحاضر، بحجة أن الشعب غير مهيأ لإجرائها، لكنه أكد أن الانتخابات أمر ممكن إذا تحققت النية الصادقة لها.

الجمعة الرابعة: تحدث عن أمور مهمة تشغل الناس ومنها موضوع الانتخابات التي تناولها في الخطبة الثالثة، وأكد أنه ممكن إجرائها وتحقيقها، بمنهجين من منظور إسلامي: الأول بالاعتماد على أهل العقد والحل أي أهل الخبرة والمواقع الاجتماعية, ليقوموا بانتخاب مجلس يأخذ على عاتقه انتخاب حكومة تدير شؤون البلاد, وستكون إما من القوى السياسية أو العشائر أو تجمعات علمية أو دينية أو جامعية، والثاني يعتمد على الانتخاب المباشر وعلى وفق منهج معروف عالمياً، وعليه يمكن للشعب العراقي انتخاب مجلسين يقوم بمهمتين رئيستين لتدوين الدستور العراقي, لطرحه على الشعب والتصويت عليه شريطة أن يكون أعضاؤه من الخبراء والعلماء, الذين يتمكنون من كتابته وبدورهم يتم انتخاب الإدارة المؤقتة, التي تدير شؤون البلاد إلى حين التهيؤ للانتخابات العامة المستقبلية، وطرح آلية للانتخابات يمكن أن تجري في كل المحافظات, لانتخاب مجلسين من كل محافظة بحسب عدد أصواتها، وهؤلاء الممثلون يجتمعون ليقوموا بالمهمتين، وتطرق إلى المقاومة ما هي هويتها وخلفيتها والموقف الشرعي منها، وموقفه منها إلا أنه فضل الحديث عنها في الخطبة القادمة.

الخطبة الخامسة: تحدث عن العمليات العسكرية ضد القوات المحتلة للعراق، وأكد في نظرته لهذا الجانب على أن العمليات، ليست محصورة بجبهة معينة، بل هناك أطراف عديدة ترى أن المقاومة ضرورية لأسباب ليست معروفة، وهذه النظريات ليست خاصة بجماعة دون أخرى، بل هي تعود إلى جماعات تتسم بالعنف، والدخول بمعارك ضارية ضد الجيش الأمريكي، والموقف الشرعي من المقاومة فرأى أن النظرية العامة للإسلام، تعني رفض الهيمنة والعدوان, ولا يقبل الدين الخضوع (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)، وكذلك القدرة إذ إن الله سبحانه وتعالى لا يكلف الناس أكثر مما يتحملون، ورأى أن المسألة مرتبطة بالمصلحة العامة للبلد، التي يحددها في مذهبنا المجتهد العارف بالشرع، أما الحكم الشرعي العام في العراق فرأى أن الموقف الشرعي، الذي يمكن أن يشخص الموقف السياسي، الذي يتسم بالشرعية في الوقت الحاضر, ويبذل الجهود المشروعة ذات الطابع السلمي، لإنهاء الاحتلال والتعبير عن استنكار التصرفات الخاطئة، التي ترتكبها القوات الأمريكية ضد الأبرياء، وأكد على إمكانية إجراء حوار جاد مع قوات الاحتلال حول القرار 1483، من أجل مستقبل العراق وإنهاء الاحتلال، وأوجب على قوات الاحتلال أن تساهم في ذلك مع سرعة إجراء الانتخابات العامة، فينتخب مجلس دستوري ثم يدون الدستور لوضع حكومة عراقية ذات سيادة.

الجمعة السادسة: تحدث عن الدستور الذي يعد من الموضوعات المطروحة، للبحث على مستوى الحوار السياسي انطلاقاً من إيمان المرجعية واهتماماتها بهذا الموضوع، وأصدرت الفتاوى بهذا الشأن، وعن القضية الفلسطينية، وموضوع خارطة الطريق بوصفها قضية مهمة في عالمنا العربي والإسلامي، فضلاً عن موقف الأمم المتحدة من الحرب، انطلاقاً من دورها المهم عالمياً، ودخولها في الحوار بين الأحزاب الداخلة في العملية السياسية في العراق وسلطات الاحتلال، فضلاً عن دور الطلبة في الحياة السياسية بوصفهم شريحة مهمة في المجتمع، وتؤدي دوراً فعالاً في بناء العراق، مؤكداً على دور جميع فئات الشعب في بناء عراق جديد ومشاركة فعالة في الحياة السياسية.

الجمعة السابعة: فتحدث عن الفقراء والضعفاء من الناس نتيجة الظروف القاسية، التي مرت بهم والسياسات التي كان النظام السابق ينفذها، والفراغ السياسي والإداري الذي يعاني منه العراق بعد سقوط النظام، على الرغم من الجهود المبذولة من قبل القوى السياسية قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها، ودعا القوى إلى ملء هذا الفراغ، ومجلس الحكم يمكن أن يملأ الفراغ السياسي، ويكون قادراً على أداء المهمة والانتقال إلى الوضع المستقر الدائم الذي تنتظره بعد المدة الانتقالي، ودعا أن تكون تركيبته شاملة لكل مكونات الشعب العراقي، وأن يكون أعضاؤه قادرين على تحمل المسؤولية، وأن يتصف بمواصفات تمكنه من أداء عمله، ولا يمكن لأحد أن يصفه بالتقصير، وأن تكون له صلاحيات تؤهله للقيام بواجباته ومسؤولياته أمام الشعب، وهذا الموقف لم يتناوله أحد من السياسيين من ناحية المضمون والشمول والدقة من قبل، إذ أراد أن يكون له دور مهم في إدارة البلد، أن يكون قادراً على تحمل مسؤولياته.

الجمعة الثامنة: فكانت استمراراً لخطبته السابقة، وهي تقويم لمجلس الحكم والتحديات التي تواجهه، ومن أهمها الاستقلالية في اتخاذ القرار ووحدة الكلمة وطبيعة المجلس ومكوناته، مؤكداً أن هناك إشاعات تروج بأن الشيعة هم أكثرية، ونحن نقول: إن الشيعة صحيح هم الأكثرية لكن المرجعية الرشيدة تطالب بالمساواة لجميع أفراد الشعب العراقي، رافضاً تصريحات بعض الفضائيات حول النزاع بين مكونات الشعب العراقي.

الجمعة التاسعة: فتحدث عن التحديات التي تواجه مجلس الحكم، ورأى أنَّ الوحدة هي الطريق الوحيد، لكبح جماح نوايا الذين يريدون الفرقة بين مكونات الشعب العراقي لتمزيق وحدته.

الجمعة العاشرة: تحدث عن ذكرى تسلط النظام السابق على رقاب الأبرياء من العراقيين، في الثلاثين من تموز وذكر غزو الكويت، وقد وصف هذه الشريحة وكيف وصلت إلى السلطة، ونوع الحكم وكيف أدخل العراق في حرب الخليج الأولى والثانية وكان آخرها الثالثة 2003، فجميعها جاءت نتيجة تصرفات فئة ضالة حكمت العراق، وأكد على ضرورة توفر الحرية للعراقيين لا حرية الغرب، وأن لا تكون اضطهاد لطائفة أو لعنصر أو لجماعة ونبذ كافة أشكال العنف.

الجمعة الحادية عشر: فكانت عن موقف العالم عن مجلس الحكم، والتردد والتوجس تجاهه وتجاه القوى السياسية، داعياً هذا المجلس أن يركز اهتمامه على القضايا الرئيسة في هذه الفترة ومنها الأمن، ودعا كافة القوى السياسية، إلى ممارسة رقابة حقيقية إلى أعمال هذا المجلس من الشعب العراقي، مع التأكيد على أن يكون هذا المجلس يضم كافة القوى السياسية، مع الاعتماد على درجة عالية من الكفاءة وأن يضعوا المصلحة العامة للشعب، فوق المصالح الفردية أو الفئوية أو الحزبية، إضافة إلى إعادة الحياة الطبيعية للناس بعد اختلالها وارتباكها طيلة المدة الماضية.

الجمعة الثانية عشر: فتحدث عن مجلس الحكم أيضاً لأهميته، ولكن من جانب آخر، وذكر أن دولاً اعترفت به كالجمهورية الإسلامية الإيرانية ثم دولة الكويت، وبعدها تركيا وأن هناك تردداً في موقف الجامعة العربية بما فيها الدول المجاورة للعراق، أما الأمر الثاني فهو الدستور الذي يعد قضية مركزية، وبإقراره يصبح المجتمع صالحاً مع مراعاة بعض القضايا المهمة، ومنها التأكيد على الهوية الإسلامية والانتماء العربي والحرية والعدالة، ويُعتمد مبدأ الانتخاب لإقراره فهذا حق مشروع ويجب إعادة كتابته من جديد, ليرضي جميع شرائح الشعب ومكوناته.

الجمعة الثالثة عشرة: فتحدث عن قضيتين، الأولى تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد، في التاسع من آب 2003 والتي راح ضحيتها رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (سيريجيو دي ميلو)، مع مجموعة من موظفي الأمم المتحدة في العراق، وحمل قوى التحالف المسؤولية الكاملة في الإخفاقات الأمنية، التي أدت إلى هذه الأعمال بوصفها المسؤول الأول عن الأمن في العراق، أما القضية الثانية فهي القبض على بقايا أزلام النظام السابق، لكي يكونوا عبرة لكل الطغاة في الأرض وأن يتم الكشف عنهم، وتتخذ إجراءات قانونية ضدهم.

الجمعة الرابعة عشرة (الجمعة الدامية): في التاسع والعشرين من آب 2003 في الصحن العلوي الشريف، وقد تناولت هذه الخطبة موضوعين مهمين، الأول العدوان الذي تعرضت له المرجعية في النجف، مستنكراً هذا الاعتداء وداعياً إلى احترامهم قائلاً: (أنا أقبل أياديهم)، فهي امتداد لمقام الإمام، داعياً إلى تشكيل قوى لحماية المراجع والأماكن المقدسة الموجودة في العراق، وهذا يتضمن إعطاء السيدة كاملة للعراقيين وتحول القبضة الأمنية للعراقيين أنفسهم، وهذا هو الحل الوحيد للوضع، أما الموضوع الثاني فهو تشكيلة الوزارة فيجب أن تكون على درجة من الكفاءة والإخلاص ومعبرة عن أطياف الشعب كافة, وبعد انتهاء خطبته وتوجهه إلى السيارة التي تقله, وتسامت روحه الطاهرة قبل أن تتناثر أشلاؤه وتطير خلاياه, لتملأ الفضاء الفسيح وتفجع القلوب، وترسم درباً تنطلق منه مسيرات الجهاد والتضحية، وبقى المفجوعون يرددون مقولة جده ألإمام الحسين (عليه السلام): ‏«‏هيهات منا الذلة‏»,‏ وولهم عهد لا ينقطع أبداً, ومواكب الشهداء تسير ليبقى العراق الحر الذي كم تمناه أبو صادق أن يكون بعز وأمان، وها هو العراق اليوم بأمس الحاجة إلى آرائه السديدة، حيث الأمنيات أصبحت حقيقة واقعة فعلاً, وكل ما قاله أبو صادق صار نوراً يهتدي به الجميع ابتداءً من الانتخابات إلى الدستور إلى الفيدرالية, وسيبقى العراق عزيزاً بدعوات جده طالما الطريق هو طريق الشهادة، طريق أهل البيت (عليه السلام ).

استطاع السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره), قراءة واقع العراق منذ الأسبوع الأول لسقوط نظام البعث في العراق, ومنذ خطبته الأولى الخطوط العريضة للدولة العراقية الجديدة، وجميع الطروحات التي قالها تحققت وطبقت، وجميع نداءاته وخطاباته تؤكد وحدة العراق من شماله إلى جنوبه، وطالب بوحدة العراق قبل غيره ونبذ الفرقة الطائفية، وكان صوته لجميع فئات الشعب وبخاصة المحرومين من الرجال والنساء دون تمييز فئة عن فئة أخرى, وأنه مارس العمل السياسي منذ خمسينات القرن الماضي، وساهم في التحرك السياسي لمرجعية والده السيد محسن الحكيم (قدس سره), كما كان من أعمدة التحرك السياسي لمرجعية الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره), تميَّز بفكر سياسي يختلف عن كثير من الشخصيات العراقية والعربية؛ لأنه يحمل مواصفات دينية سياسية قل جمعها في شخصية واحدة من القيادات السياسية الدينية، وحضور دائم في المؤتمرات والاجتماعات التي عقدت في شتى أنحاء العالم، وغايتها توحيد المقاومة ضد النظام, وكان قيادياً إسلامياً مؤمناً، إذ استطاع أن يقود المقاومة المسلحة منذ آذار 1991 إلى استشهاده عام 2003.

بعد عودته في 10 / 5 2003 إلى أرض الوطن, استطاع أن يؤكد للشعب العراقي في جميع خطاباته ابتداءً من البصرة إلى كربلاء؛ أنه يحمل مشروع وطني يضم العراقيين جميعاً تحت خيمة دستورية واحدة ودستور إسلامي دون تهميش أية طائفة أو فئة معينة، وعدت عودته انعطافة جديدة في تأريخ العراق، إذ أصبح إماماً لصلاة الجمعة في صحن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى أن استشهد في 29 / آب / 2003، وخلال هذه المدة استطاع أن يقيم صلاة الجمعة أربع عشرة مرة، لخص فيها جميع المشاكل والفتن التي تدور في العراق، وسببها وطريقه علاجها والقضاء عليها، وجميع خطاباته مستوحاة من الواقع الذي يعيشه العراقيون وجاءت نتيجة لرؤية ثاقبة ومبصرة في الميدان مما دفع بعض العملاء المأجورين لتدبير جريمة إغتياله، فالسلام عليك أبا صادق يوم ولدت ويوم جاهدت وصبرت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً.

 

اترك تعليقاً