متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الجمعة 22 . 04 . 2016 — يصل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى العربية السعودية في 2016/04/20. وربما تكون هذه هي الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي الحالي خلال ولايته التي ستنتهي في نهاية العام الحالي.
تأتي الزيارة في وقت تمر فيه العلاقات السعودية-الأميركية في أسوأ مراحلها منذ تأسيسها في أربعينيات القرن الماضي. وبسبب التغيرات التي يشهدها العالم والمنطقة على وجه الخصوص، فإن السعوديين الذين حاولوا ومايزالون يحاولون الابقاء على المعادلة التي حكمت العلاقة بين البلدين، يبدو عليهم القلق والتوتر أكثر من ذي قبل تجاه مسار هذه العلاقة وتأثرها عليهم. فالحماية والأمن والسكوت عن أوضاع النظام السعودي مقابل النفط والمال وتقديم التسهيلات للولايات المتحدة في الخليج كانت هي المعادلة الحاكمة في العلاقة تلك حتى عام 2001. إذ أن هذه المعادلة فيما يبدو لم تعد صالحة في ظل أجواء القرن الحادي والعشرين، مع تغيرات كبيرة تشهدها المنطقة، واختلاف التعامل الأميركي مع تلك التغيرات. خصوصاً أن مستوى التداخل في المصالح بين البلدين وصل إلى درجة كبيرة في ظل بعض الظروف، ما لبث أن انتكس ليتحول إلى تباين في ظروف أخرى. ومجرد إلقاء نظرة سريعة حول نظرة كل من العربية السعودية والولايات المتحدة إلى عدد من القضايا الاقليمية والدولية، يبين بوضوح اتساع الهوة بين البلدين مع كل سنة تضاف الى علاقتهما. ومن المستبعد أن تضيف زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أي بعد يقرب المسافة بين البلدين، سوى اللهم فتح ابواب الجدل على أوسع أبوابها حول علاقة يعترض طريقها الكثير من الألغام بين البلدين.
أجواء الزيارة
تكتنف زيارة الرئيس الأميركي للرياض أجواء إعلامية سلبية تصل إلى حد الهجمات المباشرة وجدل واسع حول مواقع الخلاف بين البلدين، وتعكس هذه الأجواء مدى التوتر على المستوى السياسي. وتعد هذه الأجواء أمراً غير مسبوق في ظل الزيارات الرسمية التي تقوم بها شخصيات بارزة الى العربية السعودية. ويبدو أن الطرفين الأميركي والسعودي يدركان أن الزيارة لا تتحرك في ظل ترميم ما خرب من علاقات، بقدر ما يتعلق بتثبيت مصالح الولايات المتحدة في المنطقة واستخلاص ما يمكن استخلاصه من تلك المصالح في الفترة القادمة. إذ أن ملف العلاقات الأميركية مع العربية السعودية سيبقى ملفاً مثقلاً بالكثير من القضايا التي ينبغي على الإدارة القادمة التعامل معها. وخصوصاً في مسارات تتحرك السعودية من خلالها ضد مصالح الولايات المتحدة وسياساتها. ويعني ذلك من بين أمور أخرى أن موقع العربية السعودية في التفكير الاستراتيجي الأميركي سيتغير من وضع الشريك (لم تصنف العربية السعودية يوماً على أنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة، رغم محاولات مستميتة من قبل المملكة لنيل هذا التصنيف) إلى وضع المشاكس إن لم نقل العدو في مرحلة لاحقة، بما يضعها في صف ايران. وهذا ما يبدو من الجدل الدائر في الدوائر الأميركية المختلفة.
نشرت مجلة أتلانتيك الأميركية في عددها الذي صدر في بداية شهر نيسان/ أبريل مقالاً مطولاً للصحفي جيفري كولدبيرغ طرح فيه ما أسماه “مفهوم أوباما.” وهو نتاج لقاءات وحوارات أجراها الصحفي مع الرئيس الأميركي. ويطرح المقال بشفافية كبيرة توجهات ورؤى الرئيس الأميركي أوباما حول القضايا التي تهم الولايات المتحدة،. وكان مما كتب في المقال تصورات أوباما حول علاقة الولايات المتحدة مع العربية السعودية والتي كانت صريحة وواضحة بشكل ابتعد عن اللغة الديبلوماسية. حيث وصف العلاقة الأميركية-السعودية بأنها “معقدة” وليست علاقة أصدقاء. كما أنحى باللائمة على السعوديين لنشرهم الفكر الوهابي المتشدد في العالم، ومنها أندونيسيا التي “تحول فيها الاسلام الى اسلام ذات صبغة عربية مقارنة بما كان عليه عندما كان يعيش أوباما فيها.” وقد طالب السعوديين كذلك بالتوقف عن اضطهاد شعبهم، وأن السعوديين ينبغي عليهم أن يتعلموا كيفية التعايش والمشاركة مع جيرانهم الذين يختلفون عنهم، ووصف السعوديين ومن يتحالف معهم في المنطقة بأنهم “راكبون بالمجان.” أي أنهم يطلبون مساعدات من الولايات المتحدة بلا مقابل. وقد أثار المقال غضباً سعودياً، بحيث اضطر الأمير تركي الفيصل (الشخص المعني بالعلاقات السعودية-الأميركية في العائلة الحاكمة السعودية) أن يكتب مقالاً بلهجة مشددة ضد الرئيس الأميركي في 14/3/2016، لا يمكن أن توصف بأي حال من الأحوال بلغة بين حلفاء تاريخيين. وكان المقال بمثابة عراك لفظي عكس النظرة السعودية تجاه أوباما والولايات المتحدة. وهي نظرة تعكس طبيعة التفكير لدى صانع القرار السعودي الذي يعتمد على المال كصيغة رئيسية في الديبلوماسية السعودية.
في ظل الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي، يدور جدل كبير حالياً في الولايات المتحدة، بسبب وجود توجهين يعتملان في الولايات المتحدة، يتعلق الأول برفع السرية عن نشر الصفحات الـ28 في تقرير أميركي حكومي حول اعتداءات 11/9، والتي نفذ أغلبها مواطنون سعوديون . وتذكر بعض المصادر أنها تشير باصابع الاتهام الى تورط مسؤولين سعوديين في تلك الاعتداءات بشكل مباشر أو غير مباشر. ويتعلق الثاني بتوجه في الكونغرس الأميركي لفتح ملف التعويضات لضحايا الاعتداءات من العربية السعودية. وفقاً لقانون (JASTA)، والذي اذا ما اقر، فإنه سيفتح الباب واسعاً أمام المحاكم الأميركية لطلب تعويضات من العربية السعودية وقطر لدعمهما منظمات ارهابية قتلت مواطنين أميركيين.
استجاب السعوديون بغضب تجاه هذين التوجهين، وفي عشية زيارة الرئيس الأميركي للعربية السعودية، فقد ذكرت مصادر أن السعوديين باتوا يفكرون ببيع ما يقارب 750 مليار دولار (جزء منها يمثل سندات خزانة أميركية)، وهو ما يعادل ما يمتلكونه من استثمارات في الولايات المتحدة، اذا ما تحرك الكونغرس لاقرار القانون. وتمثل سندات الخزينة وسيلة آمنة للاستثمار، مع عوائد قليلة ولمدد طويلة نسبياً. وهي جزء من الدين العام للبلد. وحسب مصادر إعلامية أميركية فإن هذا الإعلان السعودي قد صب الزيت على النار بدلاً من اخمادها. إذ أن الرأي العام الأميركي بدا أكثر انزعاجاً وتبرماً من المواقف السعودية، خصوصاً وسط الجدل حول الدور السعودي في اعتداءات 11/9. وقد شنت وسائل الاعلام السعودية، حملة عنيفة ضد الولايات المتحدة، مرددة الثوابت التي وضعها تركي الفيصل في مقاله. ملقية باللائمة على الولايات المتحدة في بقاء نظام بشار الأسد، والتمدد الإيراني في المنطقة، وتكذيب الدور السعودي في هجمات نيويورك وغيرها من أمور.
وتشير دراسات اقتصادية أن التهديد السعودي ببيع سندات الخزانة الأميركية واستثمارات أخرى تمتلكها العربية السعودية لا يرقى الى المصداقية، وغير ممكن التطبيق عملياً، وفي حال حصوله، لن تكون له تبعات تذكر على الاقتصاد الأميركي. إذ أن معلومات الخزانة الأميركية تقول أن سندات الخزينة التي تمتلكها السعودية بالشراكة مع مصدري النفط الآخرين في المنطقة لا تتجاوز بمجموعها 281 مليار دولار، بما يعني أن حصة العربية السعودية منها اقل من المجموع. بينما تتجاوز حصة الصين 1.25 ترليون دولار، واليابان 1.13 ترليون دولار. وحسب مؤسسة ساما التي تدير الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة. فإن اجمالي الاستثمارات السعودية في العالم يبلغ 750 مليار دولار، بما فيها سندات الخزانة الاميركية. ومع انحسار عوائد النفط السعودي، وتصاعد تكاليف السياسة الاقتحامية التي تديرها العربية السعودية في المنطقة، فإنه وحسب تقارير أميركية فإن المبلغ الكلي للمبالغ التي تستثمرها الحكومة السعودية تضاءل بشكل كبير مقارنة بعام 2014. إذ وصل الى حوالي 600 مليار دولار بسبب اضطرار السعوديين الى بيع جزء من استثماراتهم من أجل الحصول على السيولة المالية. وتضم الاستثمارات السعودية في الخارج بالاضافة الى سندات الخزانة في بعض البلدان، عقارات، بما في ذلك مصافي نفط. ويذكر خبراء اقتصاديون أن أية عملية بيع للاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة ستكون عملية مكلفة للسعوديين أنفسهم، وستكون عواقبها السياسية والاقتصادية سيئة جداً عليهم.
ما يمكن أن يناقشه الرئيس الأميركي مع العاهل السعودي
بالنظر الى “تعقيد” العلاقة بين البلدين أصلاً، وتزايد تعقيدها، فإن اللقاءات بين الطرفين ستكون متوترة، إن لم نقل عاصفة. وعلى الرغم من الرقة الملكية التي سيضفيها السعوديون على الزيارة، إلا أنه من شبه المؤكد فإن اللقاءات الخاصة والرسمية ستكون أبعد بكثير عن المظاهر الخادعة. ولا يعرف على وجه التحديد ما إذا كانت الزيارة ستأتي باي شيئ جديد، سوى التأكيد رسمياً على الأقل بعلاقات الصداقة والشراكة التاريخية، وبعض مناطق التفاهم بين الطرفين فيما يخص الشأن السوري، وتأمين حماية منطقة الخليج من أية اعتداءات محتملة.
ولكن حقيبة أوباما وهو في أواخر أيام ولايته مليئة، ومن غير المتوقع أنه سيأتي بأفكار تختلف عن الذي قاله للاعلام وبكل وضوح. فهو لا يرغب برؤية النظام السعودي وهو يستمر في اضطهاد شعبه، وسيعبر لهم عن تطلع الولايات المتحدة في أن يحكم العربية السعودية نظام أكثر حداثة وانفتاحاً وحرية واحتراماً لحقوق الانسان. كما سيبلغ السعوديين بأنه لا يرى للولايات المتحدة دوراً أكبر من الذي تقوم به اليوم، في الجهود الرامية للاطاحة بنظام بشار الاسد في سوريا. وسيبلغهم أن أولوية بلاده هي القضاء على تنظيم داعش قبل القضاء على نظام الأسد. بالاضافة الى ذلك فهو سيدافع بقوة عن الاتفاق النووي مع ايران، وسيدعو السعوديين للتعايش مع هذا الواقع. ولن ينسى أن يذكرهم بأن الحرب في اليمن كانت خطأ رغم الدعم الأميركي العلني لهم، وأنهم يجب أن يعملوا على احتواء الموقف وتشجيع حل سلمي هناك. وقد يؤيد الأميركيون بشكل شكلي على الأقل محاولات العربية السعودية تشكيل تحالف عابر للدول لمحاربة الارهاب. وسيمنح الرئيس الأميركي العاهل السعودي تطمينات بأن الأرصدة السعودية في الولايات المتحدة لن تمس، وأن الولايات المتحدة ستعمل على احتواء النفوذ الايراني في المنطقة.
اقتصادياً، فإن البلد المستفيد الأكبر من العلاقة هي الولايات المتحدة. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 74 مليار دولار، حيث تعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري للعربية السعودية. ومع الانخفاض الكبير في اسعار النفط عالمياً، فإن 11% من النفط الذي تستورده الولايات المتحدة يأتي من السعودية. ولكن بأقل من نصف سعره قبل عامين. وبالإضافة الى الاستثمارات السعودية الكبيرة في الولايات المتحدة، فإن العربية السعودية التي تعتبر ثالث أكبر بلد ينفق على التسليح في العالم، وثاني أكبر مستورد للسلاح في العالم حسب معهد استوكهولم لبحوث السلام. حيث بلغت مبيعات الولايات المتحدة من الأسلحة والعتاد ما مقداره 40 مليار دولار خلال الأعوام التي تلت بوادر التوصل الى الاتفاق مع ايران حول ملفها النووي خلال الفترة 2013-2015. وتعتبر مبيعات الأسلحة الأميركية أحد أهم أدوات السياسة الخارجية والأمنية الأميركية، وتعتبر أحد محفزات الصناعة العسكرية الأميركية في وقت تقلص الولايات المتحدة من نفقاتها العسكرية. وستنفق العربية السعودية ما يقارب 90 مليار دولار تقريباً على الأسلحة هذا العام.
العراق في اللقاء بين الطرفين
سيسمع أوباما من السعوديين نفس الحديث حول خطأ الولايات المتحدة في الاطاحة بنظام صدام حسين. وسيسمع منهم أيضاً استعراضاً دراماتيكياً حول سوء الأوضاع في العراق، وعن الدور الايراني فيه، وعن عدم مقدرة النظام الديمقراطي الذي نشأ في العراق على ادارة البلد. كما سيسمع منهم حديثاً عن اضطهاد يقوم به الشيعة بمساعدة الايرانيين ضد السنة في العراق، وربما عن دور أكبر لهم حالي أو قادم في توجيه الأوضاع والأحداث في العراق في ظل السياسة الاقتحامية التي تنتهجها العربية السعودية، والتي تتعكز على قدراتها المالية والعسكرية.
الاستنتاج
ستكون زيارة الرئيس الأميركي للعربية السعودية زيارة بروتوكولية أكثر منها زيارة تحدد سياسات أو تغير اتجاهات. وتأتي في ظل توتر بدأ يتحول الى مزمن في العلاقات الأميركية-السعودية. وربما سيحاول الطرف الأضعف والأكثر قلقاً، وهو الطرف السعودي التأكيد على قوة علاقته بالولايات المتحدة. لأن هذه العلاقة تمثل أحد المفاصل الرئيسية من مفاصل تشكيل الدولة وبقاء النظام السعودي. وعلى الرغم من أن الطرفين لن يتفقا حول نقاط الخلاف التي تمثل تباعداً في سياستيهما، إلا أن بعض الاجراءات التي اتخذتها العربية السعودية على المستوى الداخلي، وقبل اسبوع من الزيارة ومنها تقليص صلاحيات الشرطة الدينية السعودية التي يسيطر عليها رجال دين وهابيون متشددون، ستكون أحد النقاط التي سيسوقها الطرف السعودي لاسترضاء الرئيس الأميركي أوباما، خاصة في مجال انتقاداته لها، وللتأكيد على أن الحكومة السعودية تسعى الى اصلاح سجلها في مجال حقوق الانسان. وستبقى العلاقات السعودية-الأميركية محل جدل خلال الفترة القادمة، وسط سياسات سعودية غير مسبوقة في المنطقة.
المصادر:
•Michael Hiltzik, Saudi Arabia is threatning to sell $750 billion in U.S. assets. Talk about an empty threat. LA Times, April 18, 2016.
•تركي الفيصل، لا يا سيد أوباما، الشرق الأوسط، 14/3/2016
•David A. Graham, The Evert More Complicated U.S. Relationship With Saudi Arabia, The Atlantic, Apr 18, 2016.
•Jeffrey Goldberg, The Obama Doctrine, The Atlantic, April issue.
•Ben Hubbard and Nicholas Kulish, Obama to visit a Saudi Arabia Deep in Turmoil, The New York Times, April 18, 2016.
•How much petroleum does the United states import and export, EIA.
•The United States leads upward trend in arms exports, Asian and Gulf states arms imports up, SIPRI, 16 Mar. 2015.
•Christopher M. Blanchard, Saudi Arabia: Background and U.S. relations, FAS, February 5, 2016.
•عبدالله العماري، ارتفاع حجم التبادل التجاري بين المملكة وأمريكا إلى 74 مليار دولار خلال 10 سنوات، جريدة اليوم السعودية، 20/4/2016.
•السلطات السعودية تمنع هيئة الأمر بالمعروف من توقيف الأشخاص وملاحقتهم، وكالة أنباء فرانس برس، 13/4/2016
مركز البيان للدراسات والتخطيط