السيمر / الاثنين 08 . 03 . 2021 —–الكثيرون يعانون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري، وكبت الحريات الأساسية، وغياب العدالة الاجتماعية، وخصوصا ما يعاني منه العديد من شعوب منطقتنا من حروب وأعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.. وعلى الزعامات الدينية والروحية الكبيرة ان تقوم بدورها في الحد من المآسي التي تعانيها البشرية، وما هو المطلوب منها من حثّ الأطراف المعنية، ولا سيما في القوى العظمى، على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، وعدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة”.
هذه الفقرة ذات الدلالات العميقة ، إقتطفناها من البيان الصادر عن مكتب المرجع الديني سماحة آية الله السيد علي السيستاني، حول لقاء سماحته بالبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، الذي جرى في منزل السيد السيستاني في مدينة النجف الاشرف، وهو لقاء وصف بالتاريخي، ويعد أول لقاء في التاريخ بين البابوية الكاثولوكية، والمرجعية الدينية في النجف الاشرف.
هناك من تفاجأ من المواقف الصريحة والحازمة للسيد السيستاني، الداعمة لحق الشعوب، دون استثناء، لاسيما إشارته الصريحة الى الشعب الفلسطيني ، في العيش بكرامة في اوطانها، بعيدا عن الحروب والعدوان والحصارات الاقتصادية، التي تفرضها “القوى الكبرى” على الشعوب ، من اجل مصالحها الذاتية ، وسبب تفاجؤ هذا البعض يعود إما الى الجهل بالدور الابوي للمرجعية الدينية في النجف الاشرف على مدى تاريخها المشرف، ليس ازاء جميع اطياف الشعب العراقي فحسب، بل ازاء شعوب المنطقة برمتها. أو بسبب وقوع هذا البعض تحت تأثير الاعلام المسموم والممول من الثلاثي الامريكي الاسرائيلي السعودي المشؤوم.
كان المتوقع ان يكتفي سماحة السيد بالحديث عن التسامح الديني بين جميع اتباع الاديان الابراهيمية، وان يؤكد على المصدر الواحد لهذه الاديان، والاواصر المشتركة الكثيرة التي تربط بين اتباعها، إلا ان سماحته إغتنم فرصة وجود ضيفه الكبير، ولعلمه ان جميع وسائل الاعلام في العالم ترصد هذا اللقاء وما سيُقال خلاله، فإنبرى يُذكر، ليس ضيفه، بل العالم، بمعاناة الشعوب التي ترزح تحت ظلم القوى الكبرى المتجبرة والظالمة ، التي تستخدم القوة لفرض ارادتها على الشعوب، وعندما تعجز عن ذلك ، تلجأ الى وسائل اكثر فتكا من القتل، كالتجويع وفرض الحصارات الاقتصادية الظالمة، ضد الملايين البشر، لإجبارهم على التسليم والرضوخ لإرادة هذا القوى الغاشمة، كما نرى ذلك بوضوح في فلسطين والعراق واليمن وايران وفنزويلا وكوريا الشمالية والعديد من دول العالم الاخرى.
لقاء “الاسلام والمسيحية”، غير بفضل حكمة المرجع السيستاني، الكثير من المفاهيم والرؤى المشوهة والكاذبة والخاطئة التي كان يروج لها الثلاثي، الامريكي الاسرائيلي السعودي، خلال السنوات القليلة الماضية، عن فتوى الجهاد الكفائي والحشد الشعبي والحرب ضد التكفيريين، بعد ان رأى العالم بأم عينه، كيف اختص البابا فرنسيس، السيد السيستاني، بزيارة خاصة الى منزله، “وشكره على رفع صوته، مع الطائفة الشيعية، إزاء العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الضعفاء والمضطهدين”، وشكره على ” فتواه (فتوى الجهاد الكفائي) التي انقذت العراق وشكلت نواة القضاء على تنظيم “داعش” الوهابي. ولم يكتف البابا فرنسيس، بتقديم عبارات الشكر للسيد السيستاني وفتواه التي انقذت العراق، بل زاد عليها لفتة استوقف المراقبين، وذلك عندما أهدى مسبحة الى القيادي في الحشد الشعبي ريان الكلداني قائد حركة بابليون.
لمن لا يعرف ريان الكلداني نقول، انه احد جنود القائدين الشهيدين قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، وهو القائل “ان الشهيد المهندس هو من أسس كتائب بابليون لتخوض مواجهة داعش لتحرير المناطق المسيحية، وتصير لاحقاً اللواء 50 من ضمن هيئة الحشد الشعبي”. وهو القائل ، “ان الشهيد سليماني وقف مع المسيحيين حين تخلّت امريكا عنهم ، وقدّم للواء 50 أكثر مما قدّمه للشيعة، وقدّم للسنّة أكثر مما قدّم للشيعة”، “ولم يطلب منا الشهيد سليماني شيئاً، طلب منا أمراً واحداً هو أن نحافظ على المسيحيين، أن نحمي المسيحيين، أن نحمي المسلمين، أن نحافظ على نينوى وسهل نينوى”.
المرجعية الدينية، وعبر تاريخها وقفت دائما الى جانب المستضعفين، مهما كان الانتماء القومي والديني والمذهبي لهم، فهي وقفت الى جانب اكراد العراق، وحرمت قتالهم إبان الحكومات العراقية السابقة، وخاصة حكومة البعث الصدامي، ووقفت ومازالت الى جانب الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تتكالب عليه اليوم كل قوى الشر في العالم والمنطقة، ووقفت الى جانب المسلمين السنة في العراق ومنعت التعرض لهم والفتنة الطائفية التي زرعها الثلاثي المشؤوم في العراق بعد 2003، ووقفت الى جانب المسيحيين، واعتبرت مقدساتهم كمقدسات المسلمين، واعتبرت شرفهم ونواميسهم ، شرف ونواميس المسلمين، كما وقفت ذات الموقف من الايزديين، وحافظت على وجودهم في العراق، واعتبرتهم مواطنين عراقيين ، لهم ذات الحقوق التي لباقي العراقيين دون استثناء، وبهذا التاريخ الناصع وبهذه المواقف الانسانية وبهذا الخلق العالي وبهذا التواضع الجم، تمكنت المرجعية الدينية من ان تستحوذ على قلوب وعقول ليس المسلمين فحسب بل جميع اتباع الديانات الاخرى، كما تمكنت وخلال لقاء لم يستمر الا اربعين دقيقة مع الحبر الاعظم، ان تُفشل كل مخططات الثلاثي المشؤوم، امريكا و”اسرائيل” والسعودية، ضد الشعب العراقي وشعوب المنطقة، عبر زرع الفتن الطائفية والعرقية.. “انما صنعوا کید ساحر ولا یفلح الساحر حیث اتی” ، “ بل نقذف بالحق على الباطل فیدمغه فاذا هو زاهق”.
المصدر / العالم