السيمر / فيينا / الجمعة 14 . 01 . 2022
شذى العاملي
تأثرت السياسة، كما الحياة العامة، في العراق، بشكل كبير بالرمزية والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وجسّد هذا التأثر، ما حدث في جلسة البرلمان الأولى، حيث افتتح مجلس النواب المنتخب في 9 يناير (كانون الثاني) الحالي، دورته الخامسة بموجب الأمر الرئاسي، بدعوة مجلس النواب إلى الانعقاد وفق الفقرة الرابعة من المادة 73 من الدستور. ونظراً إلى عدم اتفاق الكتل الشيعية الرئيسة، المشاركة في الانتخابات، وأبرزها “التيار الصدري” وأطراف “الإطار التنسيقي”، حول من هي الكتلة الأكبر، وتوزيع المناصب، وكيفية المشاركة في الحكومة العتيدة. وتأخر انعقاد الجلسة من الوقت المقرر أولاً عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، إلى الرابعة عصراً، لتشهد إعادة انتخاب محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان بعد نيله 200 صوت، مقابل 14 صوتاً لمنافسه محمود المشهداني، وإبطال 14 صوتاً.
“كرنفال” الجلسة الأولى
وشهدت الجلسة الأولى للبرلمان مبادرات صورية وتعبيرية وسمعية لفتت انتباه المتابعين، وشغلت الأوساط والنخب بتحليل مضامينها والتندر على بعض مشاهداتها. وأول ما تميزت به الجلسة هو دخول نواب “حركة امتداد” بعجلات “التوكتوك” إلى مبنى البرلمان، من أجل التذكير برموز انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
أما أحد اعضاء البرلمان المرشح عن ائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، فارتدى دشداشة ممزقة متهرئة، تعبيراً منه عن شريحة المواطنين الفقراء، بينما فاجأ أعضاء الكتلة الصدرية الجميع بدخولهم مرتدين الأكفان البيضاء التي كُتب على بعضها “جيش الإمام المهدي”، مع أن هذه التسمية لم يعد لها وجود بعد حل “جيش المهدي” منذ سنوات وتشكيل “سرايا السلام”.
وارتدى باقي النواب عن القوميات الأخرى ملابس تؤكد مرجعياتهم وقوميتهم.
حقيقة المشهد
وبدأت الجلسة طبيعية وسلسة عند انعقادها، بغياب 4 فقط من أصل إجمالي 329 نائباً، لكن مشكلة حدثت إثر ترديد النواب اليمين الدستوري، ولم يتم بعدها التوصل إلى اتفاق بين كتلتي “الإطار التنسيقي” و”الكتلة الصدرية”، حين تضمنت الورقة التي قدمها أحد أعضاء “الإطار” 88 اسماً لنواب يشكلون “الكتلة الأكبر”، بحسب قوله، فيما أعلنت الكتلة الصدرية أنها الكتلة الأكبر، ودليلها في ذلك فوز التيار الصدري بالانتخابات وحصوله على النسبة الأكبر من المقاعد.
وقرر حينها “رئيس السن” لمجلس النواب محمود المشهداني أن يحول الجلسة، إلى جلسة تداولية، وعلى أثر ذلك صعد إلى المنصة الرئاسية عدد النواب، ابتداءً بالكتلة الصدرية، وتبعهم آخرون، بشكل غير حضاري، ورددوا شعارات للضغط على رئيس السن.
التعامل لم يكن لائقاً
وعبر الباحث السياسي سربست مصطفى عن اعتقاده أن “طريقة التعامل مع رئيس السن محمود المشهداني لم تكن لائقة، إذ يقال إنه تعرض للدفع والضرب، ما تسبب له بوعكة صحية أدت إلى إخراجه من الجلسة بواسطة وحدة حماية البرلمان، وإرساله إلى المستشفى”. وأوضح مصطفى أن “لغة الجسد للسيد المشهداني منذ بداية الجلسة كانت توحي بالتعب والانهاك، وربما بعدم الشعور بالراحة”.
من جهة أخرى، وصف الكاتب العراقي غالب الشابندر ما حصل في الجلسة الأولى بأنه “عبارة عن أداء دعائي غير صحيح وحركات غير مألوفة لا يفترض أن تكون بهذا الشكل. فدخول التوكتوك لا يعبر عن الأفكار المراد إيصالها، ولا الدخول بالأكفان التي ترمز إلى الموت، نحن نريد رمز للحياة، فماذا كان ليحصل لو حملوا الزهور بدلاً من الأكفان؟ البرلمان جاء عن طريق الانتخاب وهي تجربة حية في العالم العربي”.
واستطرد الشابندر قائلاً “الأمور في البداية كانت تجري بشفافية، لكن ما خدشها هو تصرف المشهداني غير القانوني والمزعج، والذي أخلّ بالعملية الديمقراطية”.
أما عن أسباب خروج نواب “الإطار التنسيقي”، فقد شرح الشابندر أن “الإطار التنسيقي خرج لأنه مُني بخسارة كبيرة لم يكن يتوقعها، وكانت صدمة كبيرة له، بخاصة أن هذا الإطار يضم قوى كان لها وزنها البرلماني”.
وتحدث مرشح “قائمة الفتح” علي حسين عبيد عن الأسباب الحقيقية لانسحاب نواب “الإطار”، فقال إن “أولها تجسدت بمؤامرة كبيرة كانت تعمل على خلق مشكلة كبيرة لسحب الشارع العراقي نحو شيء مجهول. وتحدد ثانيها في عدم الالتزام الأخلاقي بضرب رئيس السن، وهذا يعتبر خرقاً أخلاقياً في مؤسسة عراقية رفيعة المستوى. أما ثالثاً فرفعت الجلسة لغرض المطابقة، والتأكد من التواقيع للكتلة الأكبر ذات الـ88 اسماً، ولم ترجع الجلسة رسمياً بأمر رئيس السن”.
لا يليق بأعضاء البرلمان
أما القيادي في “ائتلاف دولة القانون” و”الإطار التنسيقي”، الشيخ حيدر اللامي، فأوضح الأسباب بطريقته. وقال “بعد أن تعرض المشهداني للضرب على المنصة، أعلن رفع الجلسة وانتهت الجلسة، وكان على الإطار التنسيقي أن ينسحب، ومن المعيب على أعضاء البرلمان أن يظهروا عملية الشد والجذب في جو مشحون، سواء من نواب الكتلة الصدرية أو الأطراف الأخرى، في وقت كان الغرض فيه من الجلسة الأولى أن يردد أعضاء البرلمان، القسم الدستوري، وكان من الواجب أن يتحلوا باللياقة والدبلوماسية والحرفية، إذ إن كلاً منهم يمثل 100 ألف مواطن عراقي. وكي نبتعد عن المشاحنات ابتعد الإطار التنسيقي من الجلسة. ولأن ما حصل ببساطة، لا يليق بأعضاء البرلمان”.
وختم اللامي بالقول إن “راديكالية التصرف ستجعل البرلمان منقسماً، وهذا الانقسام لن يكون في مصلحة الشعب العراقي”.
كوميديا “دشداشة النائب”
وعن غرابة المشهد، علق رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة “المدى”، علي حسين، بالقول إن “ما جرى لم يكن غريباً، فقد عشنا مع مشاهد أكثر كوميدية من دشداشة النائب عن محافظة المثنى محمد الزيادي، التي دخل بها قاعة مجلس النواب، معلناً تضامنه مع الفقراء، ومؤكداً أنه لن يرتدي الغالي والنفيس، لكن ما لا يعلمه البعض أن النائب صاحب الدشداشة الممزقة كان عضواً في مجلس محافظة المثنى عن ائتلاف دولة القانون الذي حكم العراق لثماني سنوات خلت، والسؤال هو: لماذا لم يقضِ هذا النائب على الفقر والبطالة أو يسهم في إعمار محافظة المثنى في وقت تجاوزت فيه ميزانيات العراق تريليون دولار؟ أعتقد أن المشكلة تكمن في حقيقة ما يود هذا النائب إيهام الناس به”.
وتابع حسين، “هل هناك نكتة أكثر تشويقاً مما قاله النائب الزيادي حين اتهم الحكومات المحلية السابقة بسرقة المواطنين، وهو عضو في هذه الحكومات لأكثر من دورة، وجنى خلالها الكثير من الأموال كما هو واضح من الصور على صفحات التواصل الاجتماعي؟”.
وعن المشهداني، كان لحسين تعليقاً آخر، إذ وصفه بـ”الكوميديان” المعروف بغرابة أطواره. وقال: “عادةً ما يقحم المشهداني نفسه في مجال التنظير السياسي بعد أن فاته التميز في مجاله كطبيب، ولا أود أن أتحدث عن إخفاقه كرجل سياسة”.
وتساءل الكاتب حسين: “لا أعرف إن كنا نعيش في عصر الأفذاذ، كما دعاه المشهداني، وما معنى أن يعيش أكثر من ربع الشعب العراقي تحت خط الفقر، ويصل مبلغ تقاعد المشهداني إلى 40 مليون دينار (ما يعادل 27 ألف دولار أميركي)، ومعنى أن يتمتع صاحب الدشداشة الممزقة محمد الزيادي، بأموال مدينة المثنى، في الوقت الذي يحرمون فيه الأرامل والأيتام من الفتات؟”.
تنوع الأزياء يعكس تنوع التوجهات
وبالعودة إلى مشهد الجلسة، اعتبر الباحث الأكاديمي أحمد عبد العال أن “ارتداء الزي المحلي يعكس انتماءً قومياً ودينياً واجتماعياً معيناً”، واصفاً إياه بأنه “إعلان لهوية النائب وتوجهه بشكل واضح”. وأضاف: “لذلك برز التنوع في الأزياء الذي يعكس تنوعاً في التوجهات، فإن الأمر دخل في طور المبالغة أحياناً، إذ إن أحد النواب ارتدى ملابس مرقعة أراد أن يوصل من خلالها رسالة وقوفه إلى جانب الفقراء، فأصبح هدفاً لسهام النقد اللاذع لأن الجمهور يرى النائب بعد انتهاء هذه المسرحية وهو يعتلي سيارته المصفحة ويتوجه به إلى منزله الفاخر”.
وتابع عبد العال تحليله لمشهد نواب “امتداد”، الذين وصلوا إلى البرلمان عبر عجلات “التوكتوك”، “ولكن ماذا بعد انتهاء زفة (التوكتوك)؟ هل هي العودة إلى مواكب السيارات المصفحة؟ إن سبب وصولهم هنا هو حراك تشرين الشعبي، ولا يمكن أن تنطلي على شباب تشرين مثل هذه المسرحيات”.
وتطرق عبد العال إلى مشهد نواب كتلة “التيار الصدري” فقال إن “رمزية ارتداء الأكفان، هي دلالة على استعدادهم للدفاع عن مشروعهم حتى النهاية. واللافت للانتباه هو ارتداؤهم زياً موحداً، وابتعادهم عن البدلات الرسمية، التي تحمل إشارة اجتماعية تتجسد بإظهار قوتهم ومدى تأثيرهم. وما بين الزي الكردي والإيزيدي والآشوري والعقال والكوفية والبدلة وربطة العنق والعباءة والنقاب، ثمة حكاية تروى وضحكات تتسلل، لكنه ضحك كالبكاء”. وختم قائلاً: “هناك اعتراض كبير يرفعه المواطن العراقي، لو أنهم اهتموا باحتياجات العراق وشعب العراق مثلما اهتموا بهذه الرمزية العالية للأزياء، لكان انعكس ذلك على واقعنا بناءً وإعماراً وتقدماً”.
ترداد الشعارات
وفي ما يخص الشعارات التي ترددت في قاعة البرلمان بحناجر النواب، ذكر الصحافي حسين العامل، أن “كل ما تم ترديده كان من باب الاستعراض وإثبات الوجود البرلماني، ومغازلة الجمهور الذي انتخبهم. وهي لا تعدو عن كونها مزايدات فارغة، الغرض منها إرباك العمل البرلماني، وهذه الاستعراضات ليست من صلب عمل البرلمان، ومهمة أعضاء مجلس النواب معروفة وهي التشريع ورقابة الأداء الحكومي، أما الشعارات والأهازيج فمسرحها ميادين أخرى غير قاعة البرلمان، التي تحولت للأسف إلى مسرح للاستعراض ختمها رئيس السن بمشهد حركي مفضوح”. وأضاف العامل أن “الجلسة الأولى وإن سارت وفق المحددات الدستورية، بانتخاب هيئة رئاسة المجلس، فإنها تنذر بصراعات ومشاحنات برلمانية قادمة ستنعكس سلباً على أرض الواقع، إذ إن الأطراف المتصارعة تمتلك أذرعاً مسلحةً لا تبالي بأحد إن تضررت مصالحها”.
* صحافية عراقية
المصدر / اندبندنت عربية