السيمر / فيينا / الاربعاء 09 . 11 . 2022
د. ماجد احمد الزاملي
التغيير السياسي استجابة لعدة امور منها,الرأي العام، أو مطالب الأفراد من النظام السياسي، خصوصاً إن لم تتحول هذه المطالب في حينها إلى مخرجات، كأن يتم تبنيها من قبل الأحزاب وجماعات المصالح والضغط. التغير في نفوذ وقوة بعض الحركات والأحزاب وجماعات المصالح، بما يعنيه تحول الأهداف الخاصة إلى إطار الدولة ككل. والتغيير السياسي التطوري/ الإصلاحي تتحدد بناءً على صفة هذا التغيير، فإن كان التغيير إيجابياً محموداً، يهدف إلى محاربة الفساد وإزالته، وتحقيق الإصلاح. استخدام مصطلح التغيير يقصد به حالات التحول الاجتماعي التي يخوضها المجتمع بعمومه للانتقال إلى أوضاع أفضل تمكنه من الانطلاق إلى المستقبل. وهي حالات التحول التي يخرج منها المجتمع -بأفراده ومؤسساته وهيئاته-أكثر إيجابية وفاعلية وقوة وقدرة على إدارة شؤونه، وعلى محاسبة قيادته ومكافئتها ومعاقبتها، وعلى التصدي لمحاولات كبته أو قهره، ومن ثم فإن حالات التحول التي يتم فيها استبدال قلة مسيطرة متحكمة بقلة أخرى دون المشاركة الإيجابية والفعّالة من قبل وحدات المجتمع المختلفة. ومن المؤكد أنَّ كل نظام سياسي يكون له عوائد معينة يستفيد منها عادة أنصار ذلك النظام، كما أن لكل جماعة من القادة مصدر أو ركائز معينة لقوتها ، وعادة ما يكون هناك ارتباط وثيق بين ركائز قوة القادة وعوائد النظام السياسي. وقادة النظام السابق للثورة عادة تكون الثروة هي ركيزتهم الرئيسية ويكون النظام السياسي موجه لتنمية وحماية ثروتهم .
لا أحد يستطيع إخفاء حقيقة أن النظام السياسي العراقي تشكل وفق مُخططات رخوة، لا تنسجم مع أسس النظام الديمقراطي السليم، وبدأ هذا الخطأ مع كتابة الدستور بإشراف المحتل الأمريكي، وشخصيات لا تعرف شيء عن آليات كتابة الدستور، وقد فصَّل هذا الدستور للعراق نظام سياسي مُعقد قائم على التقسيم الطائفي المحاصصاتي للسلطة، واختراع مجالس المحافظات والبلديات، ومنح الساسة امتيازات فاحشة، ورسَّخ أقدام نُخب وأحزاب سياسية فاسدة، لم ينتح عنها إلاّ فساد دمَّر الحرث والنسل وحطَّم اقتصاد العراق، وبدد ثرواته وضاعف البطالة والمشاكل الاجتماعية، حتى أصبحت آفة الفساد في المشهد العراقي جزءًا بنيويًا في النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وإدارة التغيير المحرك الأبرز لمواجهة المستجدات، وإعادة ترتيب الأوراق، بهدف الاستفادة من كل نقاط القوة وحتى نقاط الضعف التي تساعد على التغيير الإيجابي، ومحاولة تجنب العوامل الخارجية والداخلية التي تؤثر سلبياً على إحداث التغيير. التغيير هو عملية تحول من وضع قائم موجود فعلياً إلى وضع جديد لتحقيق أهداف معينة للمنظمة أو للعاملين أو لكليهما معاً، وقد يكون تدريجياً أو سريعاً وطارئاً، وربما تغييراً استراتيجياً أو غير ذلك، ضمن خطة زمنية أو بدون تخطيط مسبق. وكل من لديه مصلحة في دوام السلطات القائمة يصبح عدواً للتغيير ويضع العراقيل ويثير القلاقل،وكل من تمكن من السلطة لا يريد خسارتها بأي ثمن، ولذلك تنشط قوى السلطة لتعيد انتاج نفسها، مجتهدة في تسويق الوهم للجمهور، مفتعلة قضايا للصراع والصدام لاستجرار عواطف الناس وتخويفهم من عواقب التغيير المجهول، بسبب هذه المنهجية لا تعود انتخاباتنا جاذبة للمشاركة الواسعة، ولا مثيرة للتنافس الجدي على مشاريع بناء وتحول بنيوي.
ينبغي توفّر بيئة مناسبة تنطلق من الثقافة السياسية لتكتمل شروط وجود معارضة عراقية تعمل ضمن نظام ديمقراطي ودعم الناخبين لفكرة المعارضة وتفهمهم لوجودها مروراً بالتقاليد السياسية التي يجب أن تتحول من مبدأ المحاصصة الى مبدا المواطنة حينها يمكننا الحديث عن معادلة متوازنة بين السلطة والمعارضة، وذلك عوضاً عن وضع نموذج يهدف الى وضع نظام جديد للدولة. ويشمل ذلك أيضاً وضع حداً للسلوك السياسي للقوى السياسية التي يجب أن تعمل على عدم تأجيج الراي العام والاستقواء به لتحقيق مكاسب شخصية، وعليها أن تدرك أن دور الجماهير مهم أن يتركز في يوم الانتخابات، وان تعمل على تشكيل أيديولوجياتهم لمواجهة التحديات التي يواجهها الجمهور العراقي. وبالمثل، يجب على جميع الأحزاب السياسة وضع برامج انتخابية مقنعة وان تعمل على الوفاء بوعودها الانتخابية. وفى حال فشل المعارضة العراقية في تطوير نموذجها الحالي ستكون مجرد ظاهرة صوتية في عملية سياسية يتصارع الجميع فيها على الثروة والسلطة. لكي يكون النظام صالح ويستحق التأييد والطاعة والدعم والاستمرارية، وأن يشعر المواطنين أن سلطة بلادهم هي سلطة وطنية مُخلصة لشعبها، وللقيم الاجتماعية العامة، والعامل الثاني، هو اهتزاز ثقة المواطن بالسلطة جراء غياب الفعل السياسي، وما صاحبه من تصدعات وتشوهات وفشل للنظام السياسي الذي عمق الإحباط ودواعي العزوف عن السياسة لدى المواطنين. والخلل في النظام السياسي العراقي هو في العلاقة غير المتوازنة بين المركز والإقليم وبين المركز وبقية المحافظات غير المنتظمة في إقليم. وجزء من هذا الخلل هو عدم تنفيذ فقرات الدستور العراقي، فالإقليم يتجاوز على العديد من الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية التي حددها الدستور مثل السيطرة على المنافذ الحدودية وتواجد القوات المسلحة للدفاع عن حدود العراق وإصدار الاقامات للأجانب وتنظيم السياسة التجارية. كذلك هناك أمور إشكالية في الدستور يستوجب تعديلها مثل موضوع “المناطق المتنازع عليها” والتي أثبتت التجربة العملية انها أزمة متفاقمة تُستخدم للابتزاز السياسي ولا يمكن حلها بما نصَّ عليه الدستور الحالي عبر التطبيع والاحصاء ثم الاستفتاء ,وهذه الصراعات الجارية في العراق مرتبطة عضوياً بالصراعات الجارية على الصعيدين الإقليمي والعالمي لوجود قوى مرتبطة بدول المنطقة بشكل خاص وببعض الدول الكبرى . فالصراع بين السعودية وإيران من جهة ، وتركيا وإيران من جهة أخرى.
لدى معاينة الأوضاع التي يعيشها المجتمع في العراق يتبين لنا, أنه ينبغي إحداث (ثقافة تغيير ) ممنهجة ذات رؤية استشرافية للمستقبل شاملة لنواحي الحياة كافةً. لكن المشكلة تكمن في أنَّ ثقافة التغيير حتى الآن لم تخرج من إطار السلوك الارتجالي والاندفاع العاطفي، ولا يزال التخطيط بأشكاله كافةً غائباً عنها، وهو ما يفسر حالة الفوضى التي نعيشها ، وذلك في الوقت الذي يتحتم على عملية التغيير أن تكون استراتيجية ومدروسة. ومن أبرز هذه المشكلات مشكلة تُميّز اغلب حكومات الدول النامية على أنَّها احتكارية للسلطة، وبالتالي فإن أغلبية الدول النامية تحكم من نخب سياسية تحتكر السلطة السياسية وكل أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والشعب يكون بعيداً كل البعد عن المشاركة الديمقراطية في الحياة السياسية، الامر الذي يخل دائماً بمسألة التنمية السياسية في الدول النامية, وبلدنا العراق لا يشذ عن الدول النامية . ومن خلال نظرة بسيطة إلى المطالب التي رفعها الشباب الذين حملوا لواء التغيير في العراق تُبيِّن لنا أن هؤلاء الشباب عندما خرجوا إلى الشارع لم يكونوا مدفوعين فقط بالظروف الاقتصادية السيئة، من فقر وبطالة وتضخم، وعجز في الميزانية، وارتفاع المديونية، وتدهور القدرة الشرائية، وتراجع التغطية الصحية والحماية الاجتماعية، واحتكار فئة قليلة للثروة في مقابل بقاء شرائح واسعة على حالة من الإفلاس الدائم… إلخ، إذ إن هذه العوامل على أهميتها لم تكن هي العوامل الوحيدة التي ساعدت على الاحتجاجات، وإنَّما هنالك عوامل سياسية وروحية أخلاقية وثقافية، تتعلق في مجملها بقيم الكرامة والعزة والحرية والاعتراف والمساواة والعدالة، التي تم تدنيسها واستبدالها بقيم مادية تُستمد من السوق، وخاصة بعد انتشار الظلم والتفاوت والفوقية، وإغلاق الحياة السياسية، واحتكار الأحزاب الحاكمة للشأن العام، وهيمنتها على مفاصل الدولة، وانفراد فئة قليلة من أصحاب النفوذ بالرأي وإقصاء الرأي الآخر مهما كانت قيمته.