السيمر / فيينا / الأربعاء 15 . 02 . 2023
تخطط القوات الروسية لتحقيق اختراق جديد في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا حيث حشدت عشرات الآلاف من جنودها على مختلف الجبهات القتالية وعززت صفوفها بمرتزقة مجموعة فاغنر. وتريد موسكو استغلال تأخر وصول المعدات العسكرية الغربية الحديثة إلى أوكرانيا لتحقيق انتصار خاطف مع حلول فصل الربيع. من جهتها، تحاول القوات الأوكرانية الصمود والحفاظ على مواقعها. فرانس24 زارت بعض جبهات القتال وأعدت التقرير التالي.
جندي أوكراني في مقتبل العمر يوقف جرافته، بعد أن انتهى من عملية حفر الخنادق والمتاهات خارج قرية شاسيفيا الواقعة على بعد 10 كيلومترات من باخموت في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا.
تشهد هذه المدينة منذ عدة أيام معارك طاحنة بين القوات الأوكرانية والروسية. وتدوي أصوات المدفعية الثقيلة والقذائف عن قرب وتكسر الصمت الذي يلف سهول إقليم دونباس الشاسعة والمغطاة بالثلوج.
تتجه سيارات الإسعاف وشاحنات عسكرية وأخرى تابعة لمنظمات الإغاثة نحو جبهة القتال بشكل متواصل محملة لأهالي باخموت مساعدات غذائية وأدوية ثم تعود منها بسرعة فائقة. نحن على بعد ثماني كيلومترات فقط من قلب المعارك.
هل بات سقوط مدينة باخموت وشيكا؟
لم يصرف ضجيج الحرب والقتال انتباه الجندي إيغور الذي كان يتفقد مع زميله الخنادق التي حفرتها الجرافة، للتأكد بأنها جاهزة للاستخدام في حال تطلب الأمر ذلك. “نقوم بتعزيز الجبهة الخلفية عبر بناء خندق جديد لوقف تقدم القوات الروسية في حال سقطت مدينة باخموت”، يشرح هذا العسكري المسن لفرانس24. ويضيف: “فقدان هذه المدينة لا يعني بالضرورة أن الجيش الروسي قد سجل اختراقا جديدا لأراضينا. نحن على استعداد لدفع الثمن من أجل الانتصار، لكن هذا الانتصار هو في يد حلفائنا الذين يجب أن يزودونا بأسلحة متطورة تسمح لنا بالصمود والقيام بهجمات مضادة”.
إرسال معدات عسكرية جديدة ومتطورة غربية لأوكرانيا هو المطلب الوحيد الذي يعود على لسان العسكريين الأوكرانيين الذين التقينا بهم في المواقع العسكرية السرية المتواجدة قرب جبهات القتال في إقليم دونباس. ولم نتحدث مع عسكري واحد، قائدا كان أو جنديا، إلا وأثار مشكلة نقص الإمدادات العسكرية والذخيرة التي، حسبهم، تمثل ضرورة لقلب موازين القوة على الأرض “قبل فوات الأوان”.
لكن أليكسندر فوترافيريس، الخبير العسكري والعقيد السابق في الجيش السويسري، فأكد لفرانس24 بأنه “من الصعب للقوات الأوكرانية أن تخترق الخطوط الدفاعية الروسية في منطقة الدونباس لأنها محصنة منذ 10 سنوات تقريبا”.
“نريد ذخائر، ودبابات من الجيل الرابع”
يأتي هذا الإلحاح في الحصول على الأسلحة الغربية في وقت تواصل فيه روسيا حشد عشرات الآلاف من جنودها تحسبا لهجوم شامل ووشيك. هذا الهجوم سينطلق حسب بعض المختصين العسكريين الأوكرانيين من مدينة كريمنة شمالا إلى مدينة فويلدار جنوبا، وهدفه تضييق الخناق على القوات الأوكرانية ومحاصرتها من جميع النواحي داخل الإقليم.
وهذا ما يخشاه إيغور، قائد فرقة 25 للدبابات الذي اعترف أن “الوضع صعب جدا لأن العدو يتقدم كل يوم ولا نملك العدد الكافي من الدبابات والمدرعات والذخائر للتصدي له. نحاول فقط أن نقوم بتأخيره والحفاظ على مواقعنا”.
وعندما سألناه ما هي المعدات التي يريدون الحصول عليها، أجاب: “نريد دبابات من الجيل الرابع لأنها أكثر تطورا وتملك نظاما تقنيا متكاملا. فالذي يقود مثل هذه الدبابات بإمكانه أن يتفاعل مع رفاقه في الجبهة ويتبادل معهم المعلومات ويمكن أن يعرف مكان تمركز الجنود المقاتلين على الأرض. وهذا عكس الدبابات الروسية التي نملكها والتي لا يتوفر فيها مثل هذه الخصائص التقنية كونها قديمة الصنع”.
“الدبابات الروسية مثل تي 80 تجاوزها الزمن”
التقينا بإيغور وفرقته في غابة سرية مخفية بأشجار الصنوبر العالية على بعد 20 كيلومترا من ساحة القتال. ورغم الشمس الساطعة، إلا أن درجات الحرارة تتراوح ما بين 5 إلى 10 تحت الصفر. الموقع الذي لا يوحي أبدا على أنه موقع عسكري يضم 30 دبابة من طراز “تي 72 ” و”تي 64″ و”تي 80″، كلها من صنع روسي، بعضها يعود تاريخ صنعه إلى العصر السوفياتي. لكن إيغور وجنوده مجبرون على استخدامها والحفاظ عليها لأنهم لا يملكون غيرها.
“غالبا ما نضيف لهذه الدبابات بعض التجهيزات العسكرية والإلكترونية المتطورة لتحسين نظام الاتصال فيما بينها، كالنظام الذي يسمح بالرؤية الليلية”، يشرح هذا القائد الذي بات متأكدا من أن الجيش الأوكراني سيحرر كل المناطق التي استولت عليها روسيا في منطقتي دونيتسك ولوهانسك وحتى شبه جزيرة القرم.
وبعد أكثر من نصف ساعة من الحديث معه رفقة الملحقة الإعلامية التابعة للجيش والتي كانت تلتقط صورا للدبابات المخفية، عرض علينا إيغور الدخول إلى دبابة “تي 80” لنتأكد بأنفسنا “كيف تجاوزها الزمن” كما قال.
المقاتلون الأوكرانيون يخاطرون بحياتهم..
شعرنا بالضيق وصعوبة التنفس والتحرك. رائحة الوقود كانت تتصاعد من المحرك حيث تتواجد تحته الذخائر والقنابل. قال إيغور: “من الصعب القيام بهجمات مضادة بمثل هذه الدبابات لأننا لا نرى العدو جيدا خاصة في المعارك الليلية ولا نستطيع أن نتفاعل ونتبادل المعلومات الاستراتيجية مع سائقي الدبابات الأخرى على أرض المعركة”.
وتابع قائلا: “بالإضافة إلى ذلك، القنابل والذخائر تتواجد تحت المقعد. بالتالي، في حال تعرضت الدبابة لضربة من العدو، ستنفجر بسرعة ويموت السائق. بالمقابل، التي تملك الدبابات الغربية الحديثة أماكن مخصصة للذخيرة والقنابل بعيدا عن مقعد القيادة”.
كل هذه العراقيل التقنية التي تفرضها الدبابات الروسية جعلت المقاتلين الأوكرانيين يخاطرون بحياتهم لأنهم مضطرون إلى الإقتراب أكثر من العدو لتنفيذ عملياتهم الهجومية.
“نحاول دائما استهداف العدو بشكل دقيق لكي نقتصد في الذخيرة. لذا نقترب بقدر الإمكان منه. لكن في نفس الوقت نخاطر أكثر بحياتنا وبمعداتنا العسكرية الشحيحة”، يضيف إيغور الذي تحدث عن مشكلة أخرى ومهمة حسبه وهي “نقص القذائف التي تدمر دبابات العدو وتلك التي تستهدف فرق المشاة”.
المروحيات العسكرية هي أيضا قديمة الصنع
ويعتقد قائد الفرقة 25 للدبابات أنه عندما يتلقون الدبابات والمدرعات الغربية الحديثة “ستكون الظروف مؤاتية للجيش الأوكراني لمهاجمة القوات الروسية وتحرير مساحات شاسعة من أوكرانيا بأقل عدد من الخسائر”.
التقينا أيضا بالطيار ميخائيل، الذي يقاتل “العدو الروسي” بمروحيته من طراز “إيم إي 24″، وهي مروحية روسية عمرها تجاوز 30 عاما. التقينا به برفقة طيارين آخرين في موقع سري قرب مدينة كراماتورسك شرق أوكرانيا، حيث تتمركز بعض المروحيات التي يمكن أن تقلع في أية لحظة لمساندة الدبابات وقوات المشاة على الأرض.
بانتظار الأوامر، تقوم فرقة مكونة من العديد من التقنيين (حوالي 10) بمراجعة محرك المروحية وتنظيف المكان الذي توضع فيه الصواريخ والقنابل، فيما يقوم مهندس آخر بفحص المراوح لتفادي أي خطر عندما يطلب من الطيار الإقلاع بسرعة.
ويشكو ميخائيل من قدم المروحية التي يستخدمها، ما يعرض حياته للخطر في كل مرة ينفذ مهمة عسكرية جوية. “لكن رغم ذلك، على جميع القوات الأوكرانية القيام بدورها في مكافحة القوات الروسية. فعلى سبيل المثال، عندما تعجز فرق المشاة عن التحرك أو تجد نفسها محاصرة من قبل العدو، فالقيادة تطلب منا التدخل لفك الحصار. هجماتنا الجوية لا تستغرق أكثر من ساعة من الوقت بسبب قدم مروحيات ‘إيم إي 24’ التي نملكها”.
“نحلق على ارتفاع لا يتجاوز 5 أمتار، وهذا خطر علينا”
وتابع ميخائيل: “كتاب الإرشادات الخاص بمثل هذه المروحيات يمنعنا نظريا من التحليق على ارتفاع لا يقل عن 20 مترا، لكن لتفادي الرادارات الروسية نحلق دائما على ارتفاع لا يتجاوز 5 أمتار. وهذا يقلص كثيرا من حظوظنا في الحفاظ على حياتنا وسلامتنا ويضعنا في مرمى العدو الذي يمكن أن يصطادنا بسهولة”.
دعا ميخائيل الدول الغربية إلى التعجيل في إرسال مروحيات حديثة كمروحيات “أباش” وغيرها، لأنها قادرة على مواجهة القوات الجوية الروسية التي تملك عددا أكبر من المروحيات وأكثر حداثة. وتابع هذا الطيار الذي نفذ 50 مهمة هجومية ونجح بـ90 بالمئة في إصابة أهدافه: “لا نملك القدر الكافي من المروحيات، وبالتالي نحاول أن نحافظ عليها ولا نستخدمها إلا إذا كنا واثقين بأن النتيجة ستكون لصالحنا”. وأنهى: “نقص المعدات العسكرية يجعلنا نقترب كثيرا من الأهداف وبالتالي نعرض حياتنا إلى الخطر”.
500 دبابة روسية، “غنيمة حرب” للقوات الأوكرانية
وفي انتظار وصول المعدات العسكرية الغربية، يحاول الأوكرانيون تصليح المروحيات والدبابات القديمة التي يملكونها منذ عهد الاتحاد السوفياتي. فرانس24 زارت إحدى الورشات التي يتم فيها إعادة تأهيل الدبابات قرب كراماتورسك. في هذا المركز، يحاول المهندسون إدخال تعديلات تقنية عليها لكي تتناسب مع واقع الحرب.
كما أنهم يحاولون إعطاء “حياة جديدة” للدبابات الروسية التي استولوا عليها خلال المعارك والتي يصفونها بأنها “غنيمة الحرب”.
وحسب قناة “سي إن إن” الأمريكية التي استقت الخبر من موقع “أوريكس” المتخصص في الشؤون العسكرية، فلقد استولى الجيش الأوكراني على حوالي 500 دبابة روسية منذ بداية الحرب. ويقوم الأوكرانيون بتأهيلها ثم يرسلونها من جديد إلى الجبهة لمحاربة القوات الروسية. وأنهى أحد الجنود الأوكرانيين بالقول: “نشعر بنوع من الفخر عندما نقضي على مقاتلين روس بواسطة دباباتهم”.
طاهر هاني، موفد فرانس24 إلى كراماتورسك، شرق أوكرانيا