السيمر / فيينا / الأربعاء 29 . 03 . 2023
فمعدّلات الفقر والبطالة كانت في أعلى مستوياتها، وظاهرة الجوع تتهدّد الآلاف وفقاً لتقارير دولية، فيما تتصاعد مظاهر تفكّك الدولة وانهيارها نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي أفرزها تنفيذ المبادرة الخليجية ما بين عامَي 2012 و2014، وما خلّفه ذلك من تراجع في قدرات المجتمع على مواجهة الأزمات. وبالأرقام، فإن إجمالي السكّان الذين واجهوا الحرمان من الحصول على الحاجات الأساسية بلغ قبل العدوان 18.8مليون نسمة، ونسبة الذين انزلقوا إلى ما تحت خطّ الفقر قاربت 75%، بينهم 65% صُنّفوا كفقراء جدّاً لا يستطيعون توفير أساسيات الحياة. كذلك، سُجّل تراجعٌ كبير في الخدمات العامّة والأعمال، وارتفاعٌ في أسعار الغذاء مقابل تدهور معدّلات الدخل وتآكل القوّة الشرائية للعملة اليمنية.هذه المؤشّرات، على قتامتها، ازدادت سوءاً خلال العامَين الأوّل والثاني من الحرب، في ظل تعمّد «التحالف» تنفيذ سياسات تجويع استهدفت إنهاك المجتمع اليمني وتأليبه على صنعاء. إلّا أنه على عكس ما جرى التخطيط له، أظهر هذا المجتمع في مناطق سيطرة الأخيرة تماسكاً كبيراً، صمد أمام اختبارات عديدة وخصوصاً عامَي 2017 و2018، لدى اشتداد الاشتغال على زعزعة الجبهة الداخلية لـ«أنصار الله». ولعلّ ما ساهم في توليد هذا التماسك وحِفظه هو نجاح الحركة في ترتيب أوضاع الملايين من النازحين في مناطق سيطرتها – باعتمادها على خبراتها السابقة التي اكتسبتها خلال الحروب الستّ التي شنّتها سلطة علي عبدالله صالح ضدّها بين عامَي 2004 و2009 -، وتمكّنها من محاصرة مظاهر التشرّد والشتات، بالتشارك مع القطاع الخاص والهيئات الخيرية، وبالاستفادة من المساعدات التي قدّمتها المنظمات الدولية لمخيّمات النزوح الواقعة تحت سيطرة صنعاء، والتي لا تتجاوز 20% من إجمالي المخيمات الواقعة في محيط مدينة مأرب، حيث بلغ عددها 179 مخيماً تحتوي 299 ألفاً و325 نازحاً، وفقاً لتقرير رسمي صادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيّمات النازحين في مأرب.
ويعود تراجُع عدد المخيّمات في مناطق «أنصار الله» إلى الدور الذي لعبه التكافل القبَلي والأُسري في استيعاب عشرات الآلاف من العوائل النازحة، وكذلك الدور الذي قامت به هيئتا الزكاة والأوقاف وخصوصاً في مجال تزويد المرضى الفقراء بالأدوية، ومؤسّسة «بنيان التنموية» التابعة للحركة والتي وزّعت وجبات على آلاف الأسر الفقيرة والمعدَمة، فضلاً عن عدد آخر من المنظّمات الإنسانية المحلّية. ويثمّن الناشط الحقوقي، يزن عبد الإله الريمي، دور «التكافل الاجتماعي والعادات القبَلية الحميدة في تعزيز التماسك الاجتماعي، والحيلولة دون انهيار آلاف الأسر التي فقدت مساكنها بشكل كلّي أو جزئي جرّاء الغارات»، ويلفت الريمي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك شرائح واسعة من المجتمع لجأت إلى بيع مدّخراتها للتغلّب على متطلّبات الحياة خلال السنوات الأولى من العدوان، إلّا أن الحرب استمرّت وتحوّلت معها آلاف الأسر التي كانت تندرج في إطار الطبقة الوسطى إلى أسر معدمة»، مستدركاً بأن «الدور الذي لعبه المغتربون في الخارج عزّز تماسك اليمنيين وحدّ من تداعيات العدوان والحصار»، موضحاً أن «أكثر من 30% من العوائل اليمنية تعتمد على تحويلات المغتربين كمصدر للعيش الكريم».
ويُضاف إلى تلك العوامل جميعها، سعي «أنصار الله» في تعزيز علاقتها بالمجتمع من خلال تبنّي قضاياه، ووضعها إنهاء الصراعات القبَلية البَينية على رأس أولوياتها، وتشكيلها لجنة خاصة لحلّ الصراعات وإنهاء الثارات، كما واشتغالها على استيعاب مختلف الشرائح الاجتماعية، ليسهم كلّ ذلك في توحيد الطاقات المجتمعية في إطار ورش عمل مفتوحة بجهود ذاتية. ووفقاً لإحصائية صادرة عن وزارة الإدارة المحلّية أخيراً، فإن المبادرات المجتمعية بلغت نحو 10761 مبادرة في 15 محافظة، شملت مجالات التكافل الاجتماعي وتنفيذ مشاريع إنشاء وصيانة للطرق، وتمويل وإنشاء مشاريع متّصلة بالمياه والتعليم والصحّة. وتفيد مصادر محلّية في محافظة ذمار، «الأخبار»، في هذا الإطار، بأن «سكّان وصاب العالي تمكّنوا من إنشاء مشاريع طرقات تربط بين محافظتَي ذمار والحديدة على نفقة المجتمع، بلغت تكلفتها مليارات الريالات»، واضعةً هذه المشاريع في سياق «التضامن الشعبي مع الوطن الذي تعرّض لهجمة تدمير ممنهجة من قِبَل دول العدوان خلال السنوات الماضية». يُذكر، هنا، أن أحدث إحصائية صادرة عن مركز «عين الإنسانية للحقوق والتنمية» في صنعاء، تفيد بأن نحو 590 ألف منزل تضرّرت نتيجة الغارات الجوّية أو المواجهات العسكرية التي شملت معظم المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله» خلال السنوات الثماني الماضية، بالإضافة إلى تضرّر نحو 9712 حقلاً زراعياً، وأكثر من 11 ألف منشأة تجارية خاصة.
رشيد الحداد / اليمن
الاخبار اللبنانية
من ملف : اليمن في العام التاسع: «مُدن الله» الباقية